يخاطر ​الرئيس الاميركي​ ​دونالد ترامب​ بانشاء محور مضاد لبلاده يتشكل من ​تركيا​ و​ايران​ و​الصين​ و​روسيا​ ، (وقد تنضم اليه ​كوريا الشمالية​ اذا استمر التعثر في تنفيذ نتائج قمة ترامب كيم جونغ  أون الاخيرة )، الامر الذي اذا حدث سيعني ان ​الولايات المتحدة الاميركية​ خلقت عدوا لم يكن موجودا ، في حين أن ترامب لطالما طمأن الأميركيين بأن الحروب التجارية سهلة الفوز، وذلك عندما فرض زيادات جمركية كبيرة على ​الصادرات الصينية​، وأعاد فرض العقوبات على ​إيران​، وزاد من حجمها على روسيا(بالاضافة الى عقوبات أخرى )، وزعزع استقرار العملة التركية من خلال تعقيدات متعلقة بتعريفات على صادرات الصلب والألمنيوم.

لقد حققت ​العقوبات الاميركية​ نتائج فورية ، فالصين وجدت أن فائضها التجاري الضخم غير حصين أمام التدابير الاميركية، وذلك بالمقارنة مع حال ​الاقتصاد الاميركي​ أمام الإجراءات المضادة من بكين. كما انخفضت بشكل حاد قيمة العملات الروسية والايرانية والتركية ، وهذا ما اعتبره المراقبون دليلا على مكانة الولايات المتحدة باعتبارها صاحبة الوزن المالي العالمي الأكبر.

بطبيعة الحال فان كل إجراءات ترامب في هذا السياق تعود لعوامل سياسية، وخصوصا في حالة كوريا الشمالية وايران ، وبشكل اقل حدة مع الآخرين. وقد ظن الرئيس الاميركي أن الإيرانيين والروس سيذعنوا له، لأن عملاتهم واقتصاداتهم قد تحولت إلى حالة من الركود. كما أن تركيا تعرضت لضغوط لإطلاق سراح القس الأميركي المحتجز بتهمة التواطؤ مع المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 2016.

وفقا لبعض المحللين فان نهج ترامب العشوائي في فرض عقوبات على منافسيه ينذر بخطر إنشاء محور جديد يتمثل في إيران وتركيا وروسيا وحتى الصين. ويقول  مارك ألموند ،مدير معهد ابجاث الازمات في اوكسفورد ،  إن هذه البلدان إذا ما اجتمعت فإن دعمها المتبادل وقدرتها على إحداث اضطرابات يمكن أن تجعل الإجراءات الاميركية ذات نتائج عكسية. وهذا مغزى قول الرئيس التركي أردوغان إن بلاده قد تجد أصدقاء جددا، وإنه تواصل عبر الهاتف مع نظيره الروسي فلاديمير ​بوتين​ .

ويضيف الموند : ولان تركيا هي دولة محورية ومهمة في حلف شمالي الاطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، فإن بوتين سعيد للغاية برؤية حالة العداء بين واشنطن وانقرة . كما ان أردوغان ونظيره الإيراني حسن روحاني سيستغلان أسلوب الخطابة وشد العصب القومي ضد الولايات المتحدة لتجاوز الأوضاع التي يمر بها بلديهما، وخاصة في ظل حصولهما على دعم روسي وآخر صيني.

وقد بدأت التداعيات السلبية للسياسة العقابية الاميركية تظهر بانفضاض الحلفاء عن واشنطن ، ومن الامثلة على ذلك اعلان باكستان ، التي تعتمد على الاستثمار الصيني، أعلنت عن دعمها لتركيا، وأنها أيضا تلقت عرضا من المساعدات العسكرية الروسية لاستبدال التدريب والإمدادات الأميركية المحجوبة، وسط حرب ترامب التي يشنها على كل الجبهات في وقت واحد.

كما ان ​المملكة العربية السعودية​ الحليف التقليدي والاستراتيجي للولايات المتحدة ، بدأت تتجه جديا الى طرق ابواب جديدة للتسلح الثقيل والاستراتيجي، ولا تزال تنتظر على سبيل المثال ، موافقة موسكو على تزويدها بصواريخ اس 400.

لماذا يخاطر ترامب اذا ؟

انها مخاطرة محسوبة ، فالرئيس الاميركي يراهن على عدم انسجام الخصوم وعلى ضعفهم ، وعلى تنافرهم ، فالحلف الرباعي المذكور لو تشكل فعلا فسيكون حلفا سياسيا وعسكريا بالدرجة الاولى ، ولن يشكل خطرا حقيقيا على الاقتصاد الاميركي لان الدول الاربعة المعرضة للعقوبات او للزيادات الضريبية مجتمعة ومتحالفة لا تشكل القوة المتفوقة او حتى المساوية للقوة المالية الاميركية ، ولكن الخطر يصبح وشيكا وواقعا اذا تشكل نوع من الحلف الاقتصادي يكون عماده ​الاتحاد الاوروبي​ مع الدول الاخرى المتضررة ، هنا يصبح الحديث الواقعي والحقيقي عن اميركا في مواجهة العالم .

من هنا محاولات بكين إنشاء كتلة مشتركة مع ​الاتحاد الأوروبي​ من شأنها أن تواجه السياسات الاميركية. وفي هذا الصدد، كان نائب رئيس الوزراء، ليو هي، اليد اليمنى للرجل الداعم للانفتاح على العالم لي كيكيانغ، أحد الوجوه الرئيسة التي أشرفت على المفاوضات، من ​بروكسيل​ إلى برلين، من أجل تكوين جبهة متحدة من شأنها أن تمارس ضغوطات موحدة على واشنطن.

وفي شهر تموز الماضي عقدت القمة العشرين بين الصين والاتحاد الأوروبى حيث تم الاتفاق على العمل المشترك للحفاظ على النظام الدولى القائم على القواعد وتعزيز التعددية ودعم التجارة الحرة.

 وذكر بيان صادر عن الاجتماع الذي ترأسه كل  رئيس مجلس الدولة الصينى "لى كه تشيانج"، ورئيس المجلس الأوروبى "دونالد تاسك"، ورئيس المفوضية الأوروبية "​جان كلود يونكر​ أن الصين والاتحاد الأوروبى تحملا بوصفهما قوتين واقتصادين رئيستين فى العالم، مسؤولية مشتركة للحفاظ على النظام الدولى القائم على القواعد وتعزيز التعددية ودعم التجارة الحرة وتعزيز السلام والاستقرار والتنمية فى العالم فى ظل الوضع الدولى الحالي. 

وفي المناسبة قال دونالد توسك : إننا جميعا ندرك حقيقة أن بنية العالم تتغير أمام أعيننا، ومن مسؤوليتنا المشتركة أن نجعله تغييرا نحو الأفضل".

وأضاف: أن أوروبا والصين والولايات المتحدة وروسيا لديهم "واجب مشترك" بعدم تدمير النظام العالمي، وإنما تحسينه عن طريق إصلاح قواعد ​التجارة الدولية​.

كلام رئيس المجلس الاوروبي لا يعني ان الحلف الاوروبي الصيني سيقوم غدا ، لانه يركز على ضرورة التعاون مع الولايات المتحدة وروسيا ، فمن جهة لا تزال أوروبا تتحفظ على طريقة تعامل شريكها الآسيوي الضخم ، ولا يخفي الاتحاد الأوروبي شكوكه حول الطريقة التي تدير من خلالها الصين الوضع الراهن. ويعارض الأوروبيون بشدة فكرة أن يتولى هيكل استبدادي مهمة قيادة التجارة الحرة. ويدينون القيود التي تحافظ عليها الصين فيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية. إلى جانب ذلك، تندد بروكسيل، جنيا إلى جنب الولايات المتحدة الأميركية، بعمليات ​القرصنة​ الصينية التي تمثل عائقا أمام التقدم العلمي والتكنولوجي.

ومن ناحية ثانية فان الاجراءات الاميركية ضد الاتحاد الاوروبي تبقى ضمن الاطار المقبول. ويأمل الاوروبيون أن لا تتحول الازمة مع الاميركيين الى حرب تجارية . أما بالنسبة للصين فلسان حال الاوروبيين اليوم ان على بكين  ان تقدم أدلة جدية على الانفتاح والتي من شأنها أن تعزز خطابها. فقد رفعت الصين في ​منتدى دافوس​ سنة 2016، راية التجارة الحرة والعولمة ، ولكن في ندوة عقدت في منغوليا الصينية حول طريق الحرير، ذهب مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني إلى أن "دورة العولمة الناجحة قد انتهت، ويجب إنقاذها"، واقترحوا "أن يتم في هذا الصدد منح هذه المسؤولية للقوى العالمية الكبرى في العالم".

وهذا تحديدا ما يخيف الاتحاد الاوروبي ، اي ان تسعى الصين مع الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الى تقاسم العالم ، ليس بالاستناد الى الاقتصاد فقط ، وانما بالسياسة والعسكر.