حلَّ ​عيد الأضحى​ كضيف ثقيل على كاهل المواطن والتاجر ال​لبنان​ي، خاصة بعد حزمة كاملة من العرقلات التي يواجهها في يومه العادي من دفع لفواتير لا يتلقى مقابلها إلا ما يزعج راحته ويزعزع أمنه المادي والنفسي والصحي أيضًا! وذلك وسط عوامل متعددة خارجية وداخلية تؤثر على الوضع الإقتصادي اللبناني وتلقى بالبؤس على المواطنين، ففي ظل عدم توفر ​الكهرباء​ والنقص في وفرة ​المياه​ بالإضافة إلى الضرائب التي يدفعها من مرتب محدود جدًا ودخل يتناقص تديجيًا لأغلب أفراد الطبقة الغير مخملية ولمن يعمل في مؤسسة خاصة، يأتي ​العيد​ بغصة بغيضة على اللبناني، لا قدرة شرائية له لكي ينعم بثيابٍ جديدة أو ​سياحة​ داخلية مترفة.

بالرغم من كل ذلك، يحاول الكثير من الأشخاص الإستعانة بالعامل النفسي الذي لطالما إشتهر به اللبناني المحب للأفراح، ويقوم بجمع ما لديه من بقايا سرور دفين ليحتفل بالعيد لعله يستطيع الترفيه عن نفسه بثمن بخس دون أن يتحمل مشقة كسرٍ في مدفوعاته الشهرية التي لا يقدر حتى أن يوفر قرشًا أبيض ليومٍ أسود.

قصد موقع "الإقتصاد" بعض الأسواق اللبنانية في محافظة بيروت ليستطلع أحوال ​التجار​ والمستوقين وقد توحد الناس عند موقف ورأي يعكس معاناة واضحة على ملامحهم.

"الجمل رخيص بس ما في فلوس"كانت أبرز تعليقات أحد أصحاب المحال التجارية في سوق مارإلياس بينت مدى قسوة الأحوال على الشعب وأشارت إلى أنه بالرغم من التخفيضات فليس هناك مبيعات،" فلا مبيعات ولا من يحزنون"..وحتى الأمثلة قد تغير وقعها بحسب تغير الأحوال الإقتصادية، سمعنا الكثير منها مصحوبةً بتعليقات تبين مدى الإحباط المعيشي بالإضافة إلى روح الفكاهه التي لا تفارق الشعب الذي بات فقيرًا.

هذا وقد علّق إيهاب، المتحدث بإسم عائلة تمتلك مجموعة من محال للألبسة النسائية والذي يضع لافتة بـ ​حسومات​ بنسبة 50% على واجهة محلّه بأن الأوضاع صعبة جدًا، والحل أصعب ويكمن في التوافق الإقليمي والعربي وحل المشاكل التي تضغط إقتصاديًا على المنطقة وقال "أن الحال صعب على المنطقة العربية والخليج بشكل خاص وحتّى أن ​إيران​ و​تركيا​ متأثرتان بالعقوبات ولا مفر من ما يحصل إلا بالإتفاق على حلول سلمية تعيد محبة الدول والناس"، "مما بالطبع سيعيد لنا ال​زمن​ الجميل" كما وصفه، وأضاف أن "المحلات التي تمتلكها العائلة تعاني من الحال نفسه بعد أن عاشت عزّها منذ ذمن غير بعيد".

خلال جولتنا في شارع مارإلياس المعروف بإزدحامه في الأيام العادية وليس فقط في فترة العيد لافتنا أنه لا إزدحام في يوم كهذا والحركة أقل من عادية، سيارات مركونة ومحال فارغة إلاَّ من بعض المتسوقين، وفي بصيص أمل قالت صاحبة محل لفساتين السهرة "أن المبيعات جيدة نسبةً إلى أنه موسم للأعراس"، لكن من جهةٍ أخرى وفي نفس الشارع أسفت إحدى البائعات إلى إقفال محلها المخصص للألبسة الرجالية قريبًا مع عدم تسجيل مبيعات تذكر ما قبل العيد.

الألبسة الولادية التي كانت تأخذ الحصة الأكبر من المبيعات نظرًا لفرحهم في العيد أتت معتدلة في محل تابع لشركة معروفة وإكتفت البائعة بالقول "الحمدلله ولابأس في ذلك"، وحتّى صاحب محل للألعاب قال "نحن على أبواب المدارس وغلاء الأقساط يأخذ من دربنا الكثير، وكل ما تم إقراره من قوانين خاطئة يجب أن توضع في المسار الصحيح لتخفيف الأعباء عن الأهل وعدم تحملنا فرقها".

الكثير من المارة أكدوا أن لا قدرة لهم لشراء الكثير من الأمور وقد إكتفوا بالحاجيات الأساسية نظرًا إلى أن العيد يصادف في الأيام الأخيرة من الشهر بالإضافة إلى أنهم على أبواب المدارس والجامعات وتلك الأمور أولى بإدخار الأموال من أجلها.

من سوق مارإلياس إلى سوق الحمرا الذي إنعدم فيه الإزدحام كليًا، قصدنا إدارة أكبر المحلات الموجودة التي قالت "المبيعات جيدة نسبيًا لا تعديل يذكر عن السنة الماضية، يتغير المشترون حتى الاَن نحن قادرون على تغطية تكلفة الأمور منها أجور الموظفين و​الإيجارات​ والكهرباء وغيرها".

مدير في محل اَخر ذكر أن "سوق الحمرا عادةً ما يعتمد على ​السياح​، وسياح هذا العام هم من السوريين والعراقيين وليس كما جرت العادة، و​السائح​ هو من يشتري في ألأول الموسم، أما اللبناني فبنتظر الحسومات حتى يهم بالشراء، المبيعات تتناقص عام تلو اَخر ولا يمكن التصرف حيال هذا الأمر.

أحد المارة اللبنانيين لفت إلى أن القدرة الشرائية قد إنخفضت و"بتنا لا نشعر بالراتب الذي نتقاضاه، يمر نصف الشهر والنصف الاًخر ننتظر فيه أن تنقضي الأيام ليحل الشهر الذي تلاه ونعيد الكرّة من جديد". وأكدت زوجته أنها معاناة يعيشونها وزملاءهم في العمل على حد سواء.

أما أحد السياح فقد شعر بالحزن لما اَلت إليه الأمور في لبنان بعد أن كان يعيش فترة إزدهار ورخاء وطمئنينة لا مثيل لها.

وخلال مرورنا في أسواق بيروت لاحظنا أن الحركة خجولة نوعًا ما وهذا ما أكدته مديرة محل تابع لإحدى الشركات حيث أشارت إلى أن البيع خفيفٌ نوعًا ما.

الأمثال التي ضُربت في زمن كان القرش فيه يساوي ​ثقل​ ​الذهب​ تغيرت مع تغير قيمته، وحتّى أن لونه قد إنقلب من الأبيض إلى الرمادي بعد أن صار غير كافٍ لقوت الشهر. إنقلبت الأحوال رغم صلابة اللبناني الذي لازال يأمل إيجاد حلول للوضع المعيشي، فبقي متشبثًا صابرًا يفكر بغدٍ أفضل ويُعد الأمثال الجديدة التي سيضربها لأبناءه تحضيرًا لتقلبات الأيام.