إنها حكاية رجل قاده شغفه الى مجالِ عملٍ قلّ وجوده محليا، فاستفاد وأفاد، ورفع اسم بلده ​لبنان​ عاليا.

فضول خلّوف يتغنى بمهارات علمية وثقافية، وقد أثبت نفسه وبجدارة، على مدى أكثر من 40 عاما، وإنجازاته تشهد له على ذلك! فحرصه على العمل، واحترافيته الكبيرة، ودقته المتناهية، وإلمامه بالنشاط الذي يزاوله، هي محل تقدير لدى العديد من الجهات المحلية، الإقليمية والعالمية.

فأعماله هي بطاقته الشخصية، التي يفرض بها اسمه أينما ​ذهب​؛ فهي عنوانه، وشخصه، وفنه، وطريقة تفكيره.

"الاقتصاد" التقت مع المرمم الفني فضول خلّوف للتعرف الى مسيرته الطويلة في لبنان والخارج:

من هو فضول خلّوف؟ وكيف قررت التخصص في مجال الترميم الفني؟

تخصصت لمدة سبع سنوات في الترميم الفني في الخارج؛ وأمضيت أربع سنوات في ​ايطاليا​، وثلاث سنوات بين ​بريطانيا​ و​فرنسا​.

أما خلال المرحلة السابقة لذلك، فكنت موظفا بدوام جزئي في متحف سرسق، الى جانب دراستي الجامعية في كلية ​إدارة الأعمال​. وذات يوم، تم إحضار الفسيفساء الأصلية من رافينا (les mosaïques de ravennes)، الى لبنان، بالاضافة الى تماثيل الفنان والنحات الفرنسي أوغوست رودان. ولدى فتح الصناديق، وجدنا أن بعض أحجار الفسيفساء قد سقطت عن اللوحات، فاتصلنا بالسفارة الايطالية لإبلاغ السفير والملحق الثقافي بهذه المشكلة، وفور وصولهما، سألا عن المرمم الفني التابع للمتحف، لكن هذا التخصص لم يكن موجودا محليا آنذاك؛ ومن هنا قررت دراسة الترميم والعمل فيه.

ومن هنا، أنهيت سنتي الثالثة من التخصص في إدارة الأعمال، وقررت السفر الى ايطاليا، ومنذ ذلك الحين، أعمل في ترميم القطع الفنية بين لبنان وفرنسا.

ما هي أبرز الصعوبات التي تواجهك كمرمم فني في لبنان؟

نعاني في لبنان من مشكلة كبيرة تكمن في معدل ​الرطوبة​ الذي يصل الى حوالي 95%، ولهذا السبب ننصح أصحاب المجموعات بعدم تعليق اللوحات الزيتية المرسومة على الأقمشة، أو أي أعمال فنية أخرى، على حائط يتعرض الى المطر وحرارة الشمس، لأن هذا الحائط سوف يمتص الرطوبة الخارجية، ما يؤثر على اللوحة والقماش المستخدم فيها.

والحالة ذاتها تحصل مع الحرارة، خاصة في ما يتعلق باللوحات من القرن التاسع عشر، والعشرين، والى حد اليوم، وذلك لأن الأقمشة المستخدمة لم تعد محضرة من قبل الفنانين، بل أصبحت جاهزة وموجودة في الأسواق ومحضرة مسبقا، وبالتالي ليست منقوعة في ​المياه​؛ وهذا النوع من الأقمشة يحتوي على مواد سليلوزية، وعندما نضعها بالماء الساخن، سوف يصغر حجمها، ولن يتبدل أبدا في المستقبل. ومن هنا، فإن اللوحات الجديدة تعاني من مخاطر أكثر من القديمة.

أما مهمتنا الأساسية فتكمن في تثبيت الألوان، وإعادة تطبين أو تقميش اللوحة اذا كانت قاعدتها مهترئة.

كيف تمكنت من تعريف المجتمع اللبناني الى هذا النوع من الاختصاص، خاصة وأن مجتمعنا يعاني من نقص التوعية في مجال الفنون؟

هذا الأمر كان صعبا للغاية فور عودتي الى لبنان، لكنني قمت بزيارة المعارض والمتاحف، كما أن وسائل الاعلام أضاءت عليّ وعلى مشاريعي بشكل واسع، ومن هنا تمكنت من شرح جميع أسس هذا العمل الى الناس.

وبالاضافة الى ذلك، فقد تعرفت من خلال اتصالاتي المتشعّبة، الى أشخاص وزبائن عدة، وبالتالي باتت الأمور تسير بحسب مبدأ "كرة الثلج"، أي تتوسع مع مرور الأيام. فأصحاب القطع الفنية يعرفون بعضهم البعض، كما أن المعارض والمتاحف ساعدت في تقديمي الى الأشخاص الذين يريدون ترميم قطعهم.

ولا بد من الاشارة الى أنني تعاونت مع وزارة الثقافة في مشاريع عدة، منها ترميم 44 لوحة في مرحلة أولى، و197 لوحة في مرحلة ثانية، بالاضافة الى ترميم 75 لوحة في متحف جبران خليل جبران، وترميم لوحة للويس الخامس عشر في فرنسا.

هل من منافس لك في لبنان اليوم؟

للأسف، هذا الاختصاص غير موجود في لبنان، كما أن عدد المرممين اللبنانيين متواضع جدا.

ومن هنا أريد التحذير من الهواة في هذه المهنة، اذ يصل الينا لوحات متضررة وتالفة بسبب مرمم غير مخترف، وغير متخصص في هذا المجال.

ولهذا السبب، يجب أن يتنبه أصحاب القطع الفنية من هذا الأمر، ولا يسلموا قطعهم لأي شخص.

هل هناك إقبال على خدماتك في لبنان؟ وهل لاحظت فرقا في مستوى الإقبال بين لبنان وفرنسا؟

إن الوعي الفني في فرنسا أكبر بكثير من لبنان بالطبع، وذلك بسبب وجود برامج ثقافية توعوية يتابعها الناس.

أما محليا، فقد عملت بنفسي على نشر التوعية، من خلال المقابلات التي قمت بها في الصحف والمجلات والإذاعات والتلفزيونات.

ما هي الصفات التي أسهمت في نجاحك واستمراريتك وتقدمك في هذا المجال؟

أولا، عملنا يتطلب منا الصبر.

ثانيا، نحن لا نسلّم أي قطعة الا بعد التأكد منها 100%، وبعد أن أراها بنفسي؛ فأنا أعمل بين لبنان وفرنسا، وفي حال أنهى فريق العمل لوحة ما، عليه الانتظار حتى عودتي من أجل تسليمها، وذلك مع العلم أن ثقتي كبيرة جدا بالفريق المتخصص والمحترف، لكن أفضل أن أشرف بنفسي على العمل، لأنني صلة الوصل مع الزبائن.

ثالثا، المصداقية في العمل الى جانب النوعية والجودة، تعتبر من عوامل نجاحنا واستمراريتنا.

ما هي الطموحات أو المشاريع التي تتمنى تحقيقها في المستقبل؟

كنت أتمنى تأسيس مدرسة في لبنان لتعليم أصول الترميم الفني، لكن هذا الأمر لم ينجح للأسف،؛ فالعقلية اللبنانية ليست جاهزة لهذا النوع من المشاريع.

بعد الخبرة التي اكتسبتها على مدى حوالي 40 سنة من العمل في مجال الترميم الفني، بماذا تنصح الفنانين وأصحاب المجموعات الفنية؟

أنصح الفنانين باستخدام المواد غير الدائمة والقابلة للتبديل (réversible)، فعند الاستعانة بالمواد غير القابلة للتبديل، لا يمكن ترميم اللوحة وضمان استمراريتها.

كما أنصح جيل الشباب اللبناني أن يسافروا الى الخارج للتخصص في الترميم الفني، ومن ثم الخضوع لفترة من التدريب، وذلك من أجل مواكبة التطور الأكاديمي والتكنولوحي الحاصل في هذا المجال؛ فالتعليم مهم وأساسي، لأن الانسان يتعلم حتى عندما يعلّم.

ما هو الإنجاز الأكبر الذي حققته الى حد اليوم؟

الإنجاز الأكبر بالنسبة لي هو قدرتي على خدمة بلدي لبنان، فقد عملت على ترميم العديد من اللوحات المتضررة وغير الصالحة، وأسهمت شخصيا في ​إنقاذ​ وحفظ لوحات عدة، منها لوحة كنيسة مار جريس في بيروت، التي يبلغ حجمها ستة أمتار مربعة، والتي تطلبت العمل لمدة 1400 ساعة على التنقيح، الى جانب الوقت المخصص للتنظيف وإعادة التقميش.

وبالتالي أنا فخور بما حققته لبلادي، اذ تمكنت من خدمة لبنان من خلال اختصاصي. فهمنة الترميم تشبه مهنة الطبيب الذي يعالج حالة مستعصية، وعليه إيجاد الحل دون إلحاق الضرر بالمريض، ومن هنا يجب معرفة اختيار العلاج الصحيح والمناسب.