حكمت السلطنة العثمانية العالم حوالي ال 600 عام عرفت فيها الدول المحكومة الكثير من الظلم وفق ما سجله التاريخ . ويبدو ان استقدام البواخر التركية الى لبنان لتزويده بالطاقة سيحجز مكانا أخراً في كتب التاريخ لما يدور حوله من سجال سياسي كبير وتفوح منه صفقات .
الرحلة بدأت مع استئجار باخرتين لتوليد الطاقة في العام 2012 ووجودهما كان سبباً مباشراً في عدم تحقيق أي تقدم في مسألة الحلول المستدامة اي انشاء معامل ثابتة على البر وفق ما يذكره وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل وغيره من المسؤولين. وبقيت الباخرتان بحكم الامر الواقع رغم العروض المقدمة من قبل اكثر من جهة لإنشاء معامل، ولا سيما منها شركة "سيمنز" الالمانية حيث نقلت باسمها المستشارة الالمانية انغيلا ميركل استعدادها لبناء معامل خلال لقائها الأخير مع رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، بعدما ابدت رغبة بلادها في الاستثمار في لبنان .
ونقلت المعلومات حينها أن "نقاشا حادا حصل بين وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال سيزار أبي خليل ورئيس مجلس ادارة "سيمنز" الالمانية، حيث اقترح الأخير على أبي خليل استخدام الميغاوات بدلا من بواخر الكهرباء".
ولفتت الى أن "وزير الطاقة كان حازما، وأكد لرئيس مجلس ادارة "سيمنز" ان "ما تعرضه علينا اليوم غير قابل للتطبيق في لبنان لأسباب عديدة .
رأي الوزير لا يطابق آراء معظم الوزراء في حكومة تصريف الاعمال من قوات لبنانية الى حركة امل فالى الاشتراكي ، وايضاً رأي البنك الدولي الذي اوصىببناء معامل لانتاج الكهرباء بدل الاعتماد على البواخر.
وابعد من ذلك ، وفي معلومات خاصة "للاقتصاد" علم ان هناك عروضاً لإنشاء معامل للكهرباء في مجلس الانماء والاعمار منذ مطلع العام الحالي لم يطلب مجلس الوزراء مناقشتها لترك الاستعانة بالبواخر التركية سيّدة الموقف في وقت الذروة، وفي كل الاوقات.
في تموز الماضي ، انضمت الى قافلة الباخرتين التركيتين باخرة ثالثة بحجة تأمين الطلب على الطاقة بالسرعة اللازمة خلال موسم الذروة بعد مد الشبكة بانتاج 235 ميغاوات على ان تغادر في تشرين الاول المقبل .
ولكن الوزير علي حسن خليل اعتبر ان ما يقال عن مغادرة الباخرة في 19 تشرين الأول المقبل، ذرٌّ للرماد في العيون، إذ إن مَن أحضر الباخرة إلى لبنان يدرك أنه عندما تربط بالشبكة سيكون صعباً التخلي عنها، ربطاً بالزيادة التي يمكن أن توفّرها في التغذية بالتيار، خصوصا ً انه سيكون من الصعب حرمان المواطنين من طاقتها الاضافية.
واللافت ان ان الوزير خليل يرفض الحديث عن مجانية الباخرة الثالثة لا بل يؤكد : إنها تزيد من الأعباء على الخزينة، من جراء الفيول الذي تتكفل الدولة بتوفيره، تماماً كما فعل التمديد للباخرتين القديمتين لثلاث سنوات.
باخرة وشبكة غير جاهزة
من المعلوم ان كلفة استئجار البواخر التركية ، بما في ذلك العمولات، حوالي 850 مليون دولار سنويا ولمدة خمس سنوات، أي أضعاف كلفة إنشاء معامل إنتاج على مختلف الأراضي اللبنانية.
واللافت في قضية استقدام الباخرة التركية الجديدة "إسراء سلطان"بعدما رفض ربطها بمعمل الزهرانيانه كشف عدم جهوزية الشبكة في منطقة الجية ، ومحدودية قدرة خطوط النقل على شبكة الــ 150 ك. ف. المربوطة بالجيةلاستيعاب 40 ميغاوات فقط.
والسؤال البديهي : لماذا هذا الضعف في شبكة النقل ؟ ولماذا لا يوجد محوّل للطاقة من 150 ك. ف. إلى 66 ك. ف. إسوة بما هو موجود في معمل الزوق حيث ربطت الباخرة ؟
الباخرة "اسراء سلطان" القادرة على انتاج نحو 235 ميغاوات لا يمكنها سوى إنتاج أكثر من 100 إلى 120 ميغاوات لمنطقة كسروان، و هذه القدرة تبقى أفضل ممّا كانت تنتجه في الجية أي 40 ميغاوات.
في معمل الزوق محوّل للطاقة من 150 ك. ف. إلى 66 ك. ف.، وهو يسمح بالتالي بنقل الطاقة من شبكة الـ150 إلى شبكة الـ66 المقفلة التي تضم 6 محطات (الزوق، جعيتا، حقل الريس، بكفيا، فيطرون وأدما)، وتسمح باستفادة أجزاء كبيرة من المتن وكسروان من زيادة الاستجرار من الباخرة الثالثة بنحو 90 ك. ف. تنقل على شبكة الــ66 غير المتاحة إلا في المناطق المذكورة سابقاً غير موصولة على الشبكة العامة.
في البداية ، حددت مؤسسة كهرباء لبنان موقع ربط هذه الباخرة بمعمل الزهراني في الجنوب، لأنّه المعمل الوحيد القادر على استيعاب كل إنتاج الباخرة أي الـ235 ميغاوات، حيث كان من المقدّر أن تغذّي الباخرة عددًا كبيرًا من محطّات التحويل الرئيسية هي: الزهراني، صور، النبطية، المصيلح، صيدا، الضاحية، المكلس، كساره، بعلبك، اللبوة، الهرمل، عنجر، وجب جنين... على أن تغذّي هذه المحطات المناطق المرتبطة بها، فعلى سبيل المثال: محطتا الضاحية والمكلس تحوّل الكهرباء إلى بعض مناطق جبل لبنان، محطات صور صيدا المصيلح تؤمن التغذية لمناطق واسعة من الجنوب، محطة كسارة تغطي قسمًا كبيرًا من مناطق البقاع.
وكان من المفترض ان يرفع وجود هذه الباخرة في المياه اللبنانية في موقع الزهراني ساعات التغذية خلال فصل الصيف 3ساعات اضافية ولكن الرياح لم تجري كما تشتهي السفن التركية .
في اطار جوجلة لمسار استقدام البواخر تظهر جلياً معارضة معظم الجهات السياسية لها لاعتبارات عدة انطلاقاً من مخالفتها للأصول والقوانين؛فالإجراء المتّبَع للاختيار والتلزيم كان غير قانوني و العقود أبرمت بالتراضي ولم تمر عبر إدارة المناقصات، ، ثم لأن حصر صفقة الإستئجار بشركة واحدة يعني أن الإجراء المتّبَع غير تنافسي، وينطوي علىالنوايا المبيتةفي الخطة.
وبالتأكيد ، فإن الاعتماد الدائم على هذه البواخريبعد فكرة انشاء معامل على اليابسة التي هي الحل السليم.
الفاتورة
ان الفاتورة الحالية لتأمين الكهرباء وهي متوافرة لـ92 في المئة من اللبنانيين توازي قبل اي تعاقد على بواخر اضافية 2.8 ملياري دولار تكاليف مصلحة كهرباء لبنان التي يتحمل نسبة 75 في المئة منها الشعب وبزيادة الدين العام، و1.5 مليار دولار اشتراكات المولدات الخاصة.
وتوازي كلفة الطاقة الكهربائية حاليًا 4.3 مليارات دولار ومع التعاقد على استئجار بواخر بطاقة 800 ميغاوات اصبحت الكلفة أكثر من 5.3 مليارات دولار سنويًا، عدا التأثير البيئي المضر وفق ما يسجله الخبراء الاقتصاديون .
وان استئجار البواخر سيحول دون اقدام عدد من الدول المدعوة لمساندة حاجات لبنان في مؤتمر باريس عن الاسهام في تغطية حاجات بلد يبدد ثلاثة مليارات دولار ودينه العام تجاوز 80 مليار دولار، وموازنته التي اعتبرت انجازًا عام 2017 لم تحقق أي وفورات، علمًا ان لجنة المال والموازنة ورئيسها ابراهيم كنعان كانت توقعت وفرًا على مستوى 1080 مليارليرة.
يقول البنك الدولي في أخر تصريح له: " ا ن الوضع الاقتصادي في لبنان دقيق، لذلك يجب أن تكون لدينا وجهة نظر مطابقة لوجهة نظر الحكومة، وهو الدخول في طور جديد من الإصلاحات، لا سيما بالنسبة إلى قطاعات الطاقة والمياه والتكنولوجيا الجديدة لجلب الاستثمارات لهذه القطاعات" . وما يقصده المسؤولون في البنك الدولي انه لايمكن تكريس الاعتماد على انتاج المعامل العائمة من اجل جذب الاستثمارات وتحريك العجلة الاقتصادية في لبنان.