حزمت الدولة أمرها وقررت ان تضبط عمل المولدات الخاصة وايجاد ​آلية​ لمراقبة الفوترة والاسعار المفروضة على المشتركين من خلال تركيب عدادات تحدد الاستهلاك والمبلغ المترتب عليه ، بناء على التسعيرة الرسمية التي تصد كل شهر. واتفق وزراء الاقتصاد و​الطاقة​ والداخلية هذا الاسبوع على التعاون والتنسيق من أجل فرض هذه الآلية على اصحاب المولدات.

ظاهر الخطوة ايجابي اذ تهدف الى حماية المستهلك من جشع ​مافيا​ المولدات ، ولكن ، ولانها مافيا فان الآمال بالتنفيذ ضئيلة للغاية . والمعروف ان اصحاب المولدات اما تابعون لجهات حزبية ، واما محميون سياسيا من قوى الامر الواقع . ومشكلة الباخرة اسراء ​سلطان​ التي طردت من الجنوب خير مثال على ذلك . ولا يقتصر الامر على منطقة واحدة في ​لبنان​ ، اذ يوجد قوى امر واقع ، بشكل مباشر او غير مباشر ، في كل المناطق .

هذا من ناحية ، اما من ناحية ثانية فان هذه الخطوة لو تمت فانها ستشكل اللبنة الاولى لبناء غير شرعي ، عبر قوننة عمل قطاع اقتصادي مواز ، طفيلي ، نشأ وكبر وقوي بسبب عجز الدولة عن تأمين الطاقة اللازمة في معاملها ، وهو وضع شاذ ينبغي ان ينتهي ،لا ان نضع أسس ابقائه وادامته ، لاننا تعودنا في لبنان على واقع أن الموقت يصبح دائما وسرمديا .

الحكومة أقرت في آخر اجتماعتها قبل لانتخابات النيابية ، وقبل ان تصبح مستقيلة ، سلسلة مقررات بشأن ​الكهرباء​ ، ابرزها تحويل عقد مشروع دير عمار 2 الى نظام الـ BOT ، وعلى الرغم من الملاحظات عليه ، فان من شأنه اطلاق العمل أخيرا في بناء المعمل المتوقف منذ العام 2013 ، بالاضافة الى تنفيذ مقررات اشراك القطاع الخاص في بناء معامل أخرى . ما يؤمن الطاقة المطلوبة والمفقودة حتى الآن ، المقدرة بـ 1500 ميغاوط والتي ينتجها اصحاب المولدات.

هذه هي المهمة الملحة على جدول اعمال الحكومة العتيدة ، ولا نبالغ اذا قلنا ، ان ايجاد العلاج الجذري لزمة الكهرباء ، يشكل وحده سببا ملزما للاسراع بتشكيل هذه الحكومة.

اذا كان الهدف من ضبط عمل المولدات اجراء موقت لثلاث سنوات كحد اقصى ، يستغرقها بناء اي معمل انتاج كهرباء ، فلا بأس ، وانما الخشية ، مرة أخرى ، ان تتدخل المافيا الكهربائية - السياسية – الامنية ، لتعطيل مشاريع المعامل.

ان عمل المولدات الخاصة ، عدا عن تكاليفه الباهظة وغير المحقة على المواطنين ، يتسبب بكارثة بيئية دائمة ، ف​المازوت​ الاحمر المستخدم لتشغيلها ، وانعدام وجود الفلاتر اللازمة لتصفية انبعاثاتها ، يؤديان الى خلق عواصف من البخار والغازات السامة التي يتنشقها المواطن على مدار الساعة ، ولعل نظرة سريعة على ​احصاءات​ وزارة الصحة حول تفشي مختلف اشكال ​مرض السرطان​ في لبنان ، تثبت حجم الاضرار الناجمة عنها . وهذا يذكرنا بالقرار العشوائي التي اتخذ ذات مرة بتشريع استخدام المازوت لسيارات النقل العمومي ، والذي تراجعت عنه الدولة بعد سنوات بسبب اضراره الجسيمة .

والحديث عن العدادات يعيدنا مرة أخرى ، الى الحديث عن مشروع تركيب العدادات الذكية ، وكما يقول المثل العامي : "بلا قياس وتشبيه ". فهذا المشروع بعيد سنوات ضوئية عن خطوة تركيب عدادات المولدات ، ان من الناحية العلمية ​التقنية​ ، او من الناحية الاقتصادية البحتة . فالفارق بين الاثنين فارق بين الحضارة والتخلف، بين العصر الحجري والعصر الذري.

وللتذكير فان مشروع تركيب العدادات الذكية يندرج في اطار العقد الموقع بين ​مؤسسة كهرباء لبنان​ ومقدمي الخدمات الثلاثة ، تنفيذا لورقة سياسة قطاع الكهرباء للعام 2010 ، والتي اقرت في ​مجلس الوزراء​ آنذاك ، وقد انجزت الشركات الثلاث الملتزمة هذا المشروع ، كل التجارب التقنية اللازمة عام 2013 من خلال استبدال الف عداد ميكانيكي قديم (لكل منها ) بعدادات ذكية تجريبي ، في مناطق مختلفة ، وقد اشرف وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل على تدشين هذه التجربة الناجحة.

بانجاز هذا المشروع بكامله ، اي باستبدال جميع العدادات القديمة باخرى جديدة (ديجيتال) تتحقق خطوة مهمة في مواكبة التطورات التكنولوجية في العالم اذ ان معظم الدول المتطورة (منها ​فرنسا​ و​ايطاليا​ والمانيا) قامت في السنوات الماضية بتطوير مشاريع مماثلة.

يعود هذا المشروع بالفوائد الكبيرة على المواطن اللبناني وعلى مؤسسة كهرباء لبنان وخزينة الدولة من خلال: أولا ، الدقة في قراءة العدادات الذكية تلقائيا وعن بعد، من خلال شبكة الهواتف الخليوية . اذ تقوم العدادات الذكية بارسال معلومات يوميا الى مركز التحكم الالكتروني في مؤسسة كهرباء لبنان. ويقوم هذا المركز بتحليل المعلومات ما يعطى دلائل هامة على حالة استعمال الشبكة مما يساعد ​شركة كهرباء لبنان​ بالقيام بالمشاريع الاستثمارية اللازمة.

وثانيا ، تحد هذه العدادات من الهدر غير الفني (الوصل غير الشرعي على الشبكة). اذ انه بامكان نظام العدادات الذكية الموضوعة على خطوط النقل ، تحديد مناطق الهدر غير الفني مما يساعد كهرباء لبنان على توجيه فرق نزع التعدي الى الأماكن المناسبة. أما بالنسبة للعدادا المركبة في منازل الموطنين فيستحيل التلاعب بها كما يحصل في العدادت التقليدية اذ ان العداد الذكي يقوم بفصل التيار تلقائيا في حال محاولة التلاعب ولا يمكن اعادة التيار لا من قبل فنيي كهرباء لبنان.

وثالثا : تتيح العدادت الذكية القيام بترشيد و​موازنة​ استهلاك الكهرباء من خلال القدرة على اعتماد تعرفة متعددة بحسب ساعات الاستهلاك اليومية، كما انه من الممكن تخفيض قدرة استهلاك الكهرباء عن بعد مما يتيح اعادة موازنة الاستهلاك اليومي مما يساعد على تخفيف ساعات التقنين اليومية.

قرار اطلاق مشروع التركيب الشامل للعدادات متوقف عند مؤسسة كهرباء لبنان منذ العام 2013 . واذا كانت المرحلة السابقة باحداثها الصاخبة سياسيا وامنيا قد جمدت هذه الانطلاقة ، فان المرحلة المقبلة يجب ان تشهد بدء عصر كهربائي جديد في لبنان ، وخصوصا مع نية الدولة بناء معامل انتاج جديدة ، ما يقتضي اعادة تأهيل كل شبكة النقل والتوزيع ، حتى لا يستمر الهدر الفني وغير الفني للطاقة المنتجة بنسبة 40 في المئة ، كما هو حاصل اليوم في العديد من المناطق ، بالاضافة الى تنظيم الفوترة والجباية ، حفاظا على مصلحة المشتركين ، وعلى اموال الخزينة . وهذا هو جوهر مشروع تركيب العدادات الذكية .