طرد السفير، تجميد المبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية ، وغيرها من الاجراءات العقابية اتخذتها ​الرياض​ في الايام القليلة الماضية تجاه حكومة ​كندا​ كرد فعل على ما اعتبرته تدخل الاخيرة في الشؤون الداخلية للمملكة، حيث دعت وزيرة الخارجية الكندية كريستينا فريلاند، ​السعودية​ إلى إخلاء سبيل نشطاء بلادها في تغريدة كلفت بلادها خسائر قدرت بحوالي 20 مليار دولار،توزعت على 4 مسارات وهي ​التبادل التجاري​ بين البلدين، والطلبة المبتعثين، وصفقات ​الشركات الكبرى​، و​الاستثمارات السعودية​ .

واثارت التطورات الاخيرة قلقا كبيرا في الاوساط الكندية، حيث من المتوقع ومع تعليق شركات الطيران السعودية رحلاتها الى تورونتو ان تفقد كندا صلة مهمة ليس فقط مع السعودية ولكن مع العديد من حلفاء الرياض مثل ​الإمارات العربية المتحدة​ التي سارعت إلى إعلان دعمها للإجراءات ضد كندا ، كما طلب ​البنك المركزي السعودي​ من زبائنه في الخارج التخلص من الأسهم والسندات والأرواق النقدية الكندية بأي ثمن ، وتسببت الأزمة في فقدان ​الدولار​ الكندي بقيمة تقدر 0.1% غداة اندلاع الأزمة مع توقعات بفقدان المزيد، كما اثرتجميد العلاقات بين البلدين على صفقة بيع 928 مركبة عسكرية مدرعة خفيفة وثقيلة جار تصنيعها للمملكة، بقيمة إجمالية تقدر بـ15 مليار دولار.

وفي هذا الاطار وللوقوف عند اخر التطورات في الازمة السياسية بين السعودية وكندا وتأثيرها الكبير على النواحي الاقتصادية للبلدين كان لموقع "الإقتصاد" هذا الحوار مع المحلل المالي من ​الاردن​ د. مازن مرجي:

- بداية كيف اثرت الازمة السياسية بين السعودية وكندا على النواحي الاقتصادية للبلدين ؟ ومن هو الخاسر الاكبر نتيجة هذه الازمة الحديثة ؟

اری بان رد فعل السعودية علی الانتقادات الكندية المعلنة حول السجل السعودي في مجالات حقوق الإنسان وقيام السعودية المتكرر باعتقال الناشطين في هذا المجال هو رد فعل مبالغ فيه وربما لو ردت السعودية علی الانتقادات الدولية لها في هذا المجال بذات الطريقة لدخلت في صراعات لا اخر لها مع دول مختلفة وعلى رأسها ​الولايات المتحدة​ والدول الأوروبية.

وعن تأثير الأزمة السياسية علی العلاقات الاقتصادية بين البلدين فأشير الى انه ونتيجة حجم التجارة المتواضع بين البلدين حيث قدرت قيمة الصادرات الكندية الی السعودية بحدود 1.12 مليار دولار عام 2017 مقابل صادرات سعودية بلغت 89 مليون باستثناء صادرات ​النفط​ للعام نفسه، أي أن الميزان التجاري في هذه السلع والخدمات هو لصالح كندا بفارق قيمته 879.8 مليون دولار وحجم الصادرات الی السعودية لا يشكل سوی ما نسبته 0.24% فقط من الصادرات الكندية عام 2016.

وقدرت البيانات الرسمية السعودية حجم التبادل التجاري بين البلدين، خلال السنوات العشر الأخيرة، بنحو 134 مليار ريال وتساوي 35.7 مليار دولار أميركي، ولكن اذا نظرنا الی مجموع العلاقات الاقتصادية بين البلدين والتي تشمل واردات كندا من ​النفط السعودي​ التي تشكل حوالي 10% من وارداتها النفطية وبكمية تتراوح ما بين 75-85 الف ​برميل نفط​ يوميا، ليس من الصعب علی كندا تعويضها من مصادر خارجية آخری لكن السعودية من جانبها لم تعلن عن نيتها إيقاف الإمدادات النفطية الی كندا.

والإجراءات السعودية تشمل قرارا بإيقاف ابتعاث الاف الطلبة من مختلف التخصصات الی الجامعات والمعاهد في كندا وتحويلهم الی دول آخری حيث يقدر عددهم بأكثر من 15 ألف طالب سعودي، بينهم 800 من الأطباء والأخصائيين المقيمين هناك وحسب صحيفة "ذي فاوتشر" الكندية منهم حوالي خمسة آلاف طالب سعودي وصلوا إلى كندا عام 2015 فقط من الطبيعي أن تكون نفقات التعليم والمعيشة وغيرها لكل هؤلاء الطلاب تدر مئات الملايين من الدولارات علی الاقتصاد الكندي وخاصة قطاع التعليم العالي.

- ما هي ابرز القطاعات الاقتصادية المتضررة في كندا من جراء القرار السعودي بتجميد أي تبادل تجاري أو استثماري بين البلدين ؟ وهل ستطال هذه الاجراءات النفط ؟

يمكننا النظر الی الصفقة العسكرية لتزويد السعودية بالأسلحة والآليات والأجهزة العسكرية التي قدرت بحوالي 15 مليار دولار والتي يجري فعليا إنتاجها، بانها هي الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة للطرفين والتي تشمل ادخال المليارات من الدولارات نتيحة عقود ​الصناعة​ والصيانة والتدريب ولمدة 14 عاماً، وربما تكون هذه الصفقة والانتقادات الموجهة للحكومة الكندية من الداخل حول كونها معدات تستخدم في السعودية و​اليمن​ ضد المعارضة وفي انتهاك حقوق الإنسان.

اما حجم الاثر في حال الغاء او ايقاف هذه الصفقة فقد أعلنت شركة "جنرال دايناميكس لاند سيستمز" الكندية، أن قرار السعودية بتجميد العلاقات التجارية بين البلدين، اذا طال هذه الصفقة والتي ستبيع بموجبها كندا 928 مركبة عسكرية مدرعة خفيفة وثقيلة جارٍ تصنيعها حاليا سيؤدي إلى فقدان 2470 موظفاً جديداً وظائفهم، عينتهم الشركة من أجل تصنيع هذه المركبات.

وتجدر الاشارة الی وجود استثمارات سعودية في الشركات الكندية بمبلغ يقارب 6 مليار دولار، منذ عام 2006، أما بخصوص من سيكون الخاسر الأكبر بين الطرفين فأری بأن السعودية ربما تكون نظريا قد حرمت كندا من بعض الإيرادات الناتجة عن التبادل التجاري والبعثات العلمية وشراء الأسلحة ولكن الاقتصاد الكندي قد لا يتضرر بالشكل الذي قد يعتقده البعض لأن حجم هذه التبادلات التجارية هو هامشي بالتأكيد ولكن السعودية ستخسر كثيرا من حيث فقدان ثقة دول كثيرة سبق وأن اصطدمت معها مثل السويد و​ألمانيا​ حول قضايا حقوق الإنسان والتي ظهرت آثارها عن تراجع كبير في حجم ​الاستثمارات الاجنبية​ الی السعودية في العام 2017 قياسا بالأعوام التي سبقته فتكون بهذه الحالة السعودية هي الخاسر الأكبر علی المدی البعيد.

- كيف كانت ارتدادت الازمة السياسية بين البلدين على اسواق المال وعلى الدولار الكندي ؟

كان هناك تاثير محدود علی سعر صرف العملة الكندية إذ شهد الدولار انخفاضاً بنسبة 0.5% فقط، ليصل إلى 1.3120 مقابل ​الدولار الأميركي​ ثم عاد ليرتفع في اليوم التالي بصورة طفيفة 0.3% حيث سجَّل ​سعر صرف الدولار​ الكندي مستوى 1.3020 في بداية التداول الخميس 9 آب 2018

أما في تورونتو، فقد أغلق مؤشر S&P/TSX المركَّب يوم الأربعاء، بارتفاع 0.2% عند مستوى 16.315، كما انخفض العائد على السندات الحكومية ذات 10 سنوات بمقدار نقطة أساسية واحدة، ليصل إلى 2.36% .

- برأيك هل سنشهد في الفترة المقبلة مزيد من التصعيد في العلاقات بين البلدين او هناك توجه نحو حل الازمة ؟

ان احتمال التصعيد في الخلاف امرا واردا خاصة مع وجود عقلية في السعودية تتحسس من كل انتقاد يأتي لها من الخارج وخاصة من الدول التي لا تعتبرها مهمة لها قياسا بعلاقاتها مع الولايات المتحدة والتي لا تثير انتقاداتها الرسمية لانتهاكات حقوق الإنسان أي رد فعل سعودي يسبب ارتباطها بالإدارة الأميركية بشكل محوري ووجودي، بينما لا تشكل كندا والتي هي اصلا علی خلاف ذات طابع اقتصادي وسياسي مع الإدارة الأميركية الحالية، لذلك قد يقود مثل هذا النمط في الإدارة السياسية للسعودية الی مزيد من التصعيد مع كندا استنادا الی فكرة الاستقواء بالطرف الأميركي الذي فرض عليها عقود واستثمارات بقيمة وصلت الی ما يقارب نصف تريليون دولار أميركي.