لم تشكّل عودة الرئيس الحريري من اجازته القصيرة أي تطوّر أو تقدّم في موضوع تشكيل الحكومة العتيدة حيث لا تزال المفاوضات متعثرة والخلاف هو سيّد الموقف.

وعلى الرغم من الحاجة الملحة لإنجاز هذا التشكيل بسبب تراكم العديد من الملفات وخاصة الإقتصادية منها، إلا ان تقاسم الحصص بالنسبة للأحزاب السياسية يبدو اهم بكثير من الأوضاع الإقتصادية المتدهورة .. إذ يتعامل معظم الأطراف مع هذا الملف على قاعدة "النكايات"، وما حادثة رفض حركة أمل لرسوّ الباخرة التركية في الزهراني ونقلها إلى منطقة الزوق، إلا دليلا قاطعا على السطحية و"الولدنة" في التعامل مع ملفات ترتبط بمصالح الناس وبالخدمات العامة.

من جهة أخرى، يستمر الغموض حول الوضع المالي والنقدي الذي قد يتحول إلى أزمة مستفحلة، خاصة بعد تحذيرات ​صندوق النقد الدولي​ من إنّ ​الاقتصاد اللبناني​ يتجه في مسار لا يُمكن تحمّله، مما يتطلّب تحركاً طارئاً لاستعادة ثقة المستثمرين، كما يجب التشدّد في المالية العامّة. وأشار الصندوق إلى حجم القرارات المكلفة سياسياً، التي يجب على لبنان اتخاذها من أجل إنعاش الاقتصاد.

هذا الواقع الأليم يطرح جملة من التساؤلات، واهمها مدى قدرة هذه السلطة السياسية المتخبطة فيما بينها على تجاوز الخلافات وإتخاذ القرارات اللازمة والضرورية لإنعاش الإقتصاد ؟ وهل مازال عامل الوقت في صالحنا حتى اللحظة ؟ ما هو مصير مؤتمر "سيدر" ؟ وهل نتجه فعلا نحو الإنهيار والإفلاس ؟

أسئلة كثير أجاب عنها، مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. ​سامي نادر​، في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

في ظل الخلاف الكبير حول الحصص الوزارية، وهل يمكن الإعتماد برأيك على هذه السلطة المتخبطة لإتخاذ القرارات والخطوات اللازمة والضرورية لإنعاش الإقتصاد ؟

اعتقد ان الأزمة الحالية ليست ازمة طبقة سياسية حاكمة فقط، بل هي تتعدى ذلك لتصل إلى أزمة نهج يمكن إختصاره بنهج المحاصصة، وهذا النهج هو نتيجة قبيحة لتجّذر الواقع الطائفي في لبنان.

هذا الواقع أدخلنا في أزمة نظام بتقديري، وأزمة في إتفاق الطائف بحدّ ذاته، فأين هي قواعد الطائف من عملية تشكيل الحكومات ؟ .. ففي لبنان اليوم نجد قراءات مختلفة لأطراف عدّة عن كيفية تشكيل الحكومات، فهناك أطراف تعتبر ان صلاحية تشكيل الحكومة هي بيد الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية، في حين ما نراه على أرض الواقع هو أن كل طرف وكل حزب سياسي يتدخّل في تشكيل الحكومة ويحدد حصص، ويكشف عن إتفاقات وصفقات سياسية تمت حتى قبل الإنتخابات النيابية!!

كل هذه المتاهات وهذا النهج المتبع أدخلنا في أزمة نظام كبيرة، وعملية تهميش للدستور .. ولهذا الامر تداعيات خطيرة جدا، خاصة ان هناك نسف للعقد الإجتماعي الذي قد يوصلنا إلى صراع لا نهاية له، وهذا ينعكس بدون شك على الإقتصاد الوطني.

ما هو مصير مشاريع مؤتمر "سيدر" في حال إستمرار الخلاف السياسي وتعطيل تشكيل الحكومة ؟

الكل يعلم أن الإستثمارات المطروحة في مؤتمر "سيدر" مربوطة بإصلاحات كثيرة فرضها علينا ​المجتمع الدولي​، إلا ان ​الموازنة​ التي ذهبنا بها إلى "سيدر" لا تتلاقى مع الإصلاحات المطلوبة، فأين هو ضبطت عجز الخزينة في موازنة 2018؟ وأين الرؤية لمعالجة ما يسمى بتوأمة العجزين ؟ .. نحن اليوم نعاني من عجز خزينة ومن عجز في ميزان المدفوعات أيضا للسنة السابعة على التوالي، وهذا أمر خطير جدا ويستدعي دق ناقوس الخطر.

الأمال كانت معلقة على الحكومة التي يتم تشكيلها للبدء بإصلاحات عديدة من اجل ملاقات ومواكبة مؤتمر "سيدر" بهدف الحصول على تلك الإستثمارات التي أعتبرها بصيص الأمل الوحيد. ولكن إستمرار الحال على ما هو عليه يجعل مصير "سيدر" وإستثماراته مجهولاً.

بعد تحذيرات صندوق النقد الدولي بشأن الوضع المالي والنقدي وضرورة التحرك الطارئ لمحاولة إنعاش الإقتصاد .. هل تعتقد ان الوضع خطير لهذه الدرجة من الناحية المالية والنقدية ؟

لا شك ان الوضع خطير للغاية على الرغم من إمتلاكنا لإحتياطي نقدي كبير كما يقول البعض، فالإحتياطي النقدي موجود بلا شك، وقد يساعد على صمود ​الوضع النقدي​ لسنتين او ثلاث سنوات، ولكن كلفة هذا الواقع كبير جدا على الإقتصاد، خاصة ان الفوائد وصلت إلى 15% ومازالت ترتفع .. وهذا يعتبر عناوناً للجمود المطلق.

فأين هي الدورة الإقتصادية ؟ واين فرص العمل؟ وأين نسب النمو ؟ وما هي كلفة كل ذلك على شبكة الأمن الإجتماعي التي لا يمكن حمايتها إلا من خلال نسب نمو مرتفعة ؟ .. كل هذه الامور غير موجودة، في ظل نسب فوائد عالية جداً، وهذه الفائدة هي الثمن الذي ندفعه من أجل الإبقاء فقط على الإستقرار النقدي. مع العلم ان هذه السياسة لا يمكن الإستمرار بها إلى ما لا نهاية، فهي لن تستطيع تأخير الكارثة سوى سنتين أو ثلاث سنوات.

هل يتجه لبنان فعلاً نحو الإفلاس والإنهيار؟

بالطبع، نحن نتجه اليوم نحو ضرب الأساسات التي يقوم عليها الإقتصاد المنتج. فلا شك ان الإقتصاد المنتج يحتاج إلى إستقرار نقدي، ولكنه بحاجة أيضا إلى أسعار فوائد مقبولة، وإلى قانون عمل منصف، وإلى إستقرار سياسي، وعقد إجتماعي جديد وإعادة توزيع للثروة، وإلى شبكة أمان، وإلى إستثمارات في البنى التحتية ... فالإستثمارات الأخيرة التي قمنا بها في البنى التحتية تمت منذ 30 سنة تقريبا، وهذا امر غير مقبول.