لم يعد خفيّا على أحد ان ​الوضع النقدي​ في لبنان ولم يعد كالسابق، على الرغم من تطمينات السلطة وحاكمية ​مصرف لبنان​، وهناك دلائل كثيرة على ذلك، من أبرزها تأخر صدور تقرير ​صندوق النقد الدولي​ بعد مشاورات المادة الرابعة مع لبنان لعام 2018، ووضع مسودة التقرير منذ شباط الماضي، ما يطرح تساؤلا حول سبب التأخر في إصدار هذا التقرير، خاصة ان هناك حديث عن إعتراض ​حاكم مصرف لبنان​ رياض سلامة على مضامينه.

ومن الدلائل أيضا توقف القروض الإسكانية المدعومة منذ فترة، وعروض ​المصارف​ الخيالية لمحاولة حث الزبائن على تجميد الأموال لخمس سنوات ب​الليرة اللبنانية​​ مقابل فائدة فلكية تصل إلى 15%.

كل هذه النقاط وغيرها، تنذر بوجود خطر كبير على الوضع النقدي، مترافقا مع تراجع ملحوظ في كافة المؤشرات والقطاعات الإقتصادية، وفي ظل عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة وبالتالي عرقلة الخطوات الإصلاحية الموعودة التي ملأت البرامج الإنتخابية للمرشحين والأحزاب خلال فترة الإنتخابات.

هل فعلا لبنان في وضع نقدي سيء يدعو إلى القلق ؟ ولماذا لا يتم التوجه نحو تغيير جذري في السياسته النقدية الحالية المتبعة منذ التسعينيات ؟ ما هو تأثير عرقلة تشكيل الحكومة على الوضع الإقتصادي بشكل عام؟ وهل يتجه لبنان نحو الإفلاس ؟

أجاب عن هذه الأسئلة الخبير الإقتصادي د. ​كامل وزنة​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد". 

هل فعلا لبنان في وضع نقدي سيء يدعو إلى القلق ؟ وهل التطمينات من حاكم مصرف لبنان حقيقية أم تصريح إعلامي لتهدئة الأمور ؟

لوصف الوضع الحالي في لبنان، يجب الحديث عن منحيين، المنحى الأول هو سياسة مصرف لبنان المتبعة لحماية الليرة اللبنانية وتثبيت سعر الصرف، فكل السياسات التي إتبعها المصرف والقرارات التي إتخذها في السنوات الماضية كانت تهدف لحماية الليرة، وهذا الموضوع مازال قائما حتى اليوم خاصة أن لدى مصرف لبنان إمكانيات وإحتياطات هائلة للتدخل في الأسواق وحماية العملة المحلية. ولكن يجب الإشارة هنا إلى انه حوالي ثلثي الودائع الموجودة في لبنان هي بالدولار (67% تقريبا)، والثلث الأخر فقط هو بالليرة اللبنانية، وهذا يعني أن الحماية التي يقوم بها المصرف هي لثلث حجم الودائع فقط.

المنحى الثاني الذي يجب الإشارة إليه هو الجزء الأخر من الإقتصاد والذي يوازي أهمية العملة الوطنية، والمتمثل بالنمو والسكن وفرص العمل والفوائد والقطاعات الإنتاجية وغيرها .. فكافة المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية اليوم هي سلبية ونحن نعيش في حالة الركود، وتكلفة الإستثمار أصبحت مرتفعة جداً. فأحد البنوك المحلية يقدّم فائدة للمودعين بالليرة اللبنانية تصل إلى 15%، وهذا مؤشر خطير، ويعني أن تكلفة الإستثمار اليوم عالية جدا.

إستنادا إلى ما سبق، يمكن وصف الوضع الحالي وكأنه شخص يحاول المحافظة على رأسه فقط ، في حين يترك جسمه من الأسفل مريض وعاجز عن الحركة، فلا يكفي أن نستمر ب​السياسة النقدية​ الحالية دون النظر للإقتصاد وللقطاعات الإقتصادية .. فعادة الإقتصاد هو من يحمي الليرة، وليست الليرة هي من تحمي الإقتصاد، فحجم الإنتاج وحجم النمو وحجم التبارل التجاري وحجم ​القطاع السياحي​ وحجم الثقة والصناعة والزراعة هي من تصنع إقتصاد قوي وعملة وطنية قوية .. ولكن للأسف السياسة المتبعة في لبنان سعت إلى حماية الليرة فقط، وأهملت القطاعات الإقتصادية.

وكل هذا يحصل في ظل شلل سياسي غير مقنع، وتوتر إقليمي خطير جداً، ينذر بتطورات كبيرة على مستوى المنطقة ككل، مما سينعكس سلبا على الوضع الداخلي اللبناني بدون أدنى شك.

هل تعتقد ان لبنان بحاجة إلى تغيير سياسته النقدية الحالية ؟ وهل من مخاطر لتغيير هذه السياسة وإعتماد سياسات بديلة ؟

بدون أدنى شك نحن بحاجة لإعادة النظر بالسياسات المتبعة حاليا، فمضمون مؤتمر "سيدر" يؤكد ذلك، حيث ان الأموال التي سيتم إستدانتها هي لدعم القطاعات الإنتاجية، فبدون التحول إلى إقتصاد منتج لا يمكن خلق فرص عمل ولا نمو ولا أي حركة إقتصادية حقيقية.

إذا هذا يثبت أن سياسات لبنان المالية أهملت الإستثمارات في القطاعات الإنتاجية منذ عشرات السنين، وكان التركيز فقط على السياسة النقدية المتبعة من مصرف لبنان لتثبيت سعر الصرف .. وإذا نظرنا إلى الموازنات نجد ان 3 إلى 4% فقط من ​الموازنة​ مخصص للإستثمارات، في حين أن معظم الاموال تذهب للرواتب والأجور، ولدعم ​شركة كهرباء لبنان​، إضافة إلى خدمة الدين العام.

من هنا يجب العمل على تحريك الإقتصاد من خلال العمل على تحسين وتفعيل السياسة المالية، فحماية العملة من خلال السياسة النقدية هي جزء من الإقتصاد وليست "كل الإقتصاد"، لذلك يجب إتباع سياسة إنفاقية وضرائبية حكيمة ومدروسة لدعم القطاعات الإنتاجية.

كيف ينعكس إستمرار عرقلة تشكيل الحكومة على الوضع بشكل عام ؟

هذه النقطة هي ام المشاكل، فغياب الحكومة في الوقت الراهن يعرقل الكثير من الخطوات والقرارات المطلوبة والملحة لمحاولة إعادة الامور إلى المسار الصحيح، خاصة ان لبنان إلتزم بالكثير من الوعود في مؤتمر "سيدر". أضف إلى ذلك ان تفعيل السياسات المالية ومحاولة دعم القطاعات الإنتاجية لا يمكن ان يحصل بدون سلطة تنفيذية، فنحن اليوم غير قادرين على تعيين موظف واحد أو إتخاذ أي قرار.

وهل يتجه لبنان نحو الإفلاس ؟

لا يمكن القول بان لبنان قريب من الإفلاس ولكنه ليس بعيداً أيضا.

هذا البلد لديه قدرة كبيرة على التكيف والنهوض الإقتصادي، ولكن ما نحتاجه هو أشخاص قادرين على قيادة البلد، وعلى وضع خطة إنقاذية لإدارة هذا البلد بالشكل الصحيح .. وإلا فإن كل شي محتمل.