تعددت مجالات عمله، فأغنته بالخبرة التي تسلّح بها لتأسيس مشروعه الخاص..

شخصيتنا اليوم إنتقلت من عالم السياسة إلى الصناعة ليتسلم فيها منصب نائب المدير العام لجمعية الصناعيين. طموحه لم يسمح له بأن يكتفي بمنصبه هذا فبعد عمله على مشروع ضخم يُعنى بيبئة البحر المتوسط، تسلم منصباً مرموقاً في منظمة العمل الدولية ليشرف فيها على القطاع الخاص في 12 دولة في المنطقة العربية.

هذه الخبرات إستثمرها في تأسيس مشروعه الخاص في بلده لبنان بعد أن جال العالم باحثاً عن فرص جديدة تُرضي طموحه اللامتناهي.

ولنتعرف أكثر على هذه الشخصية النموذجية كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "DMA" هشام أبو جودة الذي شاركنا أبرز محطات حياته المهنية وقدّم للشباب نصائح من منطلق مسيرته الخاصة.

-كيف تختصر مسيرتك الأكاديمية؟

تخصصت في مجال العلوم السياسية في جامعة "Haigazian" ومن بعدها تابعت رسالة الماجستير في الجامعة الأميركية في بيروت، ولا زلت حتى الساعة أتابع دراستي لأنني أطمح للحصول على شهادة الدكتوراه من الجامعة اللبنانية.

-من أين إنطلقت رحلتك المهنية؟

عملت في مجال دراستي، وتسلّمت مسؤوليات سياسية رغم سني اليافع حينها، إذ كنت بعمر الـ25 عاماً. من بعدها إنتقلت إلى جمعية الصناعيين كمدير للعلاقات العامة، ومن بعدها تطورت لأصبح نائب المدير العام للجمعية.

خلال مسيرتي داخل الجمعية التي إستمرت 12 عاماً تسلّمت مسؤوليات تُعنى بالتنمية المستدامة والبيئة وكل ما يتعلق بالشق الإقتصادي-الإجتماعي،حتى أصبحت ممثلاً للقطاع الخاص المتوسطي في أحد البرامج الأوروبية المختصة بالبحر الأبيض المتوسط.

-لماذا قررت أن تغيّر مجال عملك بشكل جذري من السياسة للصناعة؟

علينا أن ندرك أولاً أن إطار عمل كل من السياسة والصناعة يتمحور حول الشأن العام والسياسات العامة. وبالتالي عملي في المجال الصناعي يُعنى بالتطوير الإقتصادي.

-بعد هذا التغيير، لاقت مسيرتك المهنية قفزة نوعية جديدة بتسلمك منصباً بارزاً في منظمة العمل الدولية، هل لك أن تشرح لنا أكثر عن هذه المرحلة؟

في العام 2007 سنحت لي الفرصة أن أتسلم منصب "Senior Specialist for Employers Activities in the Arab Region" في منظمة العمل الدولية "ILO" ، التي تعتبر أحد منظمات الأمم المتحدة. وهي المسؤولة عن كل الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل، المعايير، قضايا الضمان الإجتماعي وغيرها الكثير.

طريقة إدارة المنظمة تعتبر ثلاثية الأطراف، عمّال، أصحاب عمل وحكومات، لكل جهة ممثلين في مجلس إدارتها لتنظيم سير الأمور.

حينها كنت مسؤولاً عن الأعمال المتعلقة بأرباب العمل ضمن المنطقة العربية التي تضم 12 دولة.

في العام 2010 قررت أن أنسحب من المنظمة.

-بعد تسلّمك لمناصب قيادية على صعيد المنطقة العربية، إلى ماذا كان يتطلع هشام أبو جودة؟

في هذه المرحلة لم أشعر أني متقبلاً لفكرة إنضمامي لمؤسسة أو منظمة، وقررت أن أتجه لتأسيس مشروع خاص بي يحمل إسم "Development Management Advisors" -DMA-.

هذه المرحلة عادة تأتي بعد عدة تجارب وخبرات يجتازها الفرد ضمن مسيرته المهنية.

-ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها عند تأسيس "DMA"، وكيف تخطيتها؟

في البداية كنا قد وضعنا خطة على مستوى المنطقة العربية، ولكن في العام 2011 تغيّر حال المنطقة بشكل كلي، ومما لا شك فيه أن الأزمات التي واجهتها الدول العربية كمصر وتونس حينها كان لها تأثير كبير على المنطقة بشكل عام.

وعندها لم يكن لدينا خيار آخر سوى التركيز على السوق اللبناني، الذي يحظى بمنافسة عالية جداً رغم صغر حجمه.

- إنطلاقاً من مسيرتك المهنية الغنية التي مرّت بالعديد من المجالات والمناصب، ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب اللبناني؟

منذ عدة سنوات، قمت بدراسة للسوق اللبناني قدّمتها لـ"UNDP" ومجلس النواب، وعنوانها "دور مجلس النواب واللجان النيابية في زيادة فرص العمل للشباب في لبنان"، وإنطلاقاً من ذلك من الواجب أن نوضح أن المشكلة لا تنبع من عند الشباب، ففي لبنان ضعف في ثقافة العمل، وهي التربية التي ينشأ عليها الشاب ليكون قابلاُ لخوض سوق العمل بهدف الإنتاج.

مشكلة العمل في لبنان ثقافية بإمتياز، لأن الشاب اللبناني منذ صغره ينشأ على مفاهيم محددة ومحدودةز يزرع فيهم الأهل أفكار معينة مثال على ذلك، أن الهدف من العمل هو إما الحصول على الثروة وكأن في كل شاب لبناني مشروع مليونير، أو أن يكون هذا الشاب مشروع مركز إجتماعي نتيجة الإختصاص الذي سيدرسه، وكما نعلم أنه في لبنان تُختصر الإختصاصات الدراسية بالتالية: طبيب، مهندس، محامي، صيدلي، أو ضابط. وكأن كل شاب يتخصص في مجال آخر يعتبر أقل من عادي.

أما العنصر الثالث الذي يُزرع في شبابنا من ضمن المفاهيم المؤسسة لشخصيتهم أنه سيترأس زعامة معينة في منطقته أو ضمن طائفته.أما رابعاً فهي كيف ننظر لأنفسنا تجاه الآخرين في لبنان، وهي نظرة تتميز بالفوقيّة علي باقي المواطنين وذلك يتحدد بحسب المكانة الإجتماعية للعائلة بحسب تاريخها وطائفتها. وبالتالي كل هذه العناصر التي تكوّن شخصية الشاب اللبناني، تجعل من المستحيل أن نعيد الشباب إلى أرض الواقع.

تجدر الإشارة إلى أن الدراسات التي قمنا بها أوضحت أنه حوالي 60% من الأطباء في لبنان، مدخولهم أقل من من يعمل في المهن الحرة، وبالتالي باتت مجالات الإختصاص في لبنان "prestige" ليس إلا، رغم أن نقابات المهن في لبنان تصدر سنوياً أرقاماً تكشف حاجة السوق اللبناني لإختصاصات معينة، إلا أن المشكلة في النظام التربوي الذي لا يرتبط بأي شكل من الأشكال بسوق العمل للأسف!

ومن يعتقد أن سوق العمل هو سوق عالمي، أقول له هذا المفهوم منهجياً غير صحيح، فإن مؤشر الهجرة يعتبر مؤشراً إقتصادياً سلبياً وبالتالي هذا الشاب اللبناني الذي إستُثمر فيه داخل وطنه، يصل لعمر قادر فيه على الإنتاج ويتجه للإنتاج في بلد آخر، وكل الحديث عن عوائد المغتربين غير كاف لتغطية هذه الخسارة!

وبما أننا لسنا قادرين على تغيير النظام التربوي حالياً أود أن أقدم للشباب توصية أقول فيها:" لا تصبح أسير الشهادة التي حصلت عليها"، وأطلب منه أن يتطلع لمتطلبات سوق العمل. أما ثالثاً، أود أن أذكّره بأن الشهادة وُجدت لتوسيع الرؤية فلا تحدّ نفسك ضمن مجال معيّن.

كما أوصي شباب لبنان بأن يندرجوا ضمن السوق العمل فور تخرجهم من الجامعة، لو مهما كانت الوظيفة، لأنهم إن لم يفعلوا سيعتادوا على حياة الخمول، وكما تظهر دراسات أنه من يعمل يستطيع أن يحصل على فرص عمل أكثر من العاطل عن العمل.