أشار وزير الإقتصاد رائد خوري، خلال كلمةٍ له في "منتدى الإقتصاد العربي" الذي ينعقد في فندق "فور سيزونز" لليوم الثاني على التوالي، إلى ان " الجلسة السادسة لهذا المنتدى تأتي بعد سلسلة من الجلسات ألقت الضوء على التطورات الاقتصادية والاستثمارية في المنطقة لتتمكن هذه الدول من تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي المرتجى في ظل التغيرات الهائلة التي تفرضها سرعة تطور ​تكنولوجيا المعلومات​ و​الاقتصاد الرقمي​".

وأضاف خوري: "كانت هذه الجلسات بمثابة تمهيد لموضوع هذه الجلسة التي تتمحور حول مستقبل لبنان الاقتصادي للأعوام الخمسة القادمة مع التركيز على بعض القطاعات الإنتاجية التي يجب أن يعمل لبنان على تنميتها وتعزيزها وتطويرها وفقا للدراسة المعمقة التي قامت بها شركة ​ماكنزي​"، مشيراً إلى أن "الخطة تهدف بشكل رئيسي إلى سد ثغرة قائمة في التخطيط الاستراتيجي لوجهة ​الاقتصاد اللبناني​ المستقبلية من خلال تحديد رؤية لبنان الاقتصادية الشاملة للأعوام الخمس القادمة وتفعيل القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة لإفادة كافة المناطق اللبنانية ووضع الخطوات الإجرائية الكفيلة بتحقيقها".

وأوضح أن "الدراسة تمت بشكل علمي وعملي راعت فيه كافة الظروف والمعطيات ، آخذة بعين الاعتبار اهتمامات القطاع الخاص و إمكانيات القطاع العام وحاجات المواطن اللبناني الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية. كما  راعت مقررات مؤتمر سيدر - باريس CEDRE 2018 وما تضمنه من مشاريع وإجراءات إصلاحية وأصبحت  هذه  الخطة الاقتصادية مطلباً جوهرياً وركناً أساسياً من أركان نجاح تنفيذ الالتزامات الدولية بهذا الخصوص إلى جانب برنامج الاستثمار الرأسمالي CIP والإصلاحات المالية والتشريعية".

وتابع: "خلال تحضير الخطة، قمنا بالتشاور مع كافة الأفرقاء المعنيين من وزارات وإدارات عامة  وهيئات اقتصادية وقطاع خاص ومجتمع مدني ومنظمات دولية ذات الصلة لنشكل تصورا جامعا ومتكاملا ووضع خارطة طريق اقتصادية واضحة المعالم والخطوات"، لافتاً إلى ان "العنوان الرئيسي لهذه الخطة، إذا توخينا التبسيط والإيجاز، هو رفع حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى 6%،  وخلق فرص عمل جديدة ومستدامة في قطاعات إنتاجية واعدة تصل إلى 360 ألف فرصة ، في إطار حوكمة إدارية فاعلة".

ولفت إلى أن " الدراسة تبيّن بشكل واضح دَوَران الاقتصاد اللبناني في حلقة مفرغة حيث أن الاعتماد الرئيسي للمداخيل والتدفقات المالية يتمحور حول تحويلات اللبنانيين في الانتشار والتمويل المتقطع للمانحين والاستدانة...تصب هذه المداخيل في قطاعات ذات إنتاجية منخفضة تتركز حول الاستهلاك والعقارات ورواتب القطاع العام ، الأمر الذي ينعكس سلبا على النمو الاستثماري وخلق فرص عمل جديدة وتنمية قطاعات تكنولوجية حديثة...تبين لنا أن مساهمة القطاعات المنتجة من الناتج المحلي الإجمالي لا تتعدى ال 14% ونتطلع إلى رفع هذه النسبة إلى 31%".

وقال خوري: "لاحظنا أن موازنات الدولة السنوية نمطية تتمحور حول تأمين الرواتب ومصاريف الوزارات والإدارات دون أن تلحظ الجانب التنموي والتطويري المتعلق بتحسين البنية التحتية وتطوير التشريعات و تحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الخارجية والداخلية ورؤوس أموال الانتشار وتوجيهها نحو قطاعات إنتاجيه، وبمقارنة سريعة مع بعض الدول التي تتشارك مع لبنان بالخصائص ( مساحة ، عدد سكان ، وانتشار , وموارد طبيعية محدودة) مثل ايرلندا و هونغ كونغ وجورجيا وسويسرا وسنغافورة يتبين أن هذه الدول اتبعت صيغة نجاح اقتصادي تعتمد على عدة عوامل أهمها:

• اعتماد خطة اقتصادية وطنية متوسطة وطويلة الأمد، • تحديد القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية والتي تعتمد على الحداثة والمرونة • تمكين راس المال البشري الوطني والمحافظة عليه ليتماهى مع متطلبات السوق من خلال  برامج تدريب وتعليم متطورة،

• تفعيل عمل المؤسسات الحكومية والإدارات وتطوير الأجهزة الإدارية والرقابية واعتماد الكفاءة والشفافية والنزاهة كمعايير أساسية لضمان عمل الحكومة بفعالية والحد من الفساد، • تأمين بنية تحتية تنافسية وبيئة أعمال جاذبة للريادة والاستثمار."

وأردف القول: "ومن ضمن هذا الاطار تمكنت الخطة الاقتصادية من وضع مؤشرات  محددة لرصد التطور في تحقيق الأهداف والمتعلقة ب: البنية التحتية ، بيئة الأعمال، جودة المعيشة ، الحوكمة، وإدارة المالية العامة والسياسة النقدية"، موضحاً أنه "وبعد تحليل لأكثر من عشرين قطاع، تمّ تحديد ستة قطاعات واعدة ووضع لها تطلعات ومؤشرات إداء قابلة للقياس وشرح تفاصيل الأدوار الاستراتيجية لهذه القطاعات إلى جانب الممكنات الشاملة والمبادرات المطلوبة لتحقيق هذه التطلعات".

وقال: "في الواقع، تتألف هذه القطاعات من: أولا: الزراعة، سلة الغذاء الشرق أوسطي حيث ركزت الخطة على النقاط التالية: الاستفادة من الامكانات التصديرية الإقليمية للمزارعين التجاريين عبر تحسين معايير الجودة والانتقال إلى المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية.

ثانياً: رفع إنتاجية صغار المزارعين للمحاصيل الحالية من خلال اعتماد التكنولوجيا الحديثة في الأساليب الزراعية وتغيير أنواع البذور والإرشاد الزراعي.

ثالثاً: إنشاء مناطق لزراعة القنب الهندي لأغراض طبية من ضمن إطار قانوني تنظيمي شامل

رابعا: الخدمات المالية، استهداف العملاء ذوي الأرصدة المالية الضخمة والتحول إلى وجهة خارجية لإدارة الاستثمارات وتقديم الخدمات من خلال: 1. تطوير القنوات الرقمية في القطاع المصرفي وتوفير البدائل للعملاء، 2. تطوير القطاع وترسيخه من أجل تمكين وتمويل برامج التنمية الاقتصادية الوطنية، 3. إنشاء مراكز التميز المتخصصة في مجالات محددة (تمويل المشاريع، تقديم الخدمات الرقمية والتحليلات ، الدراسات الاكتوارية، التكنولوجيا المالية والبحوث).

خامسا: اقتصاد المعرفة والإبداع، واحة السليكون في الشرق الأوسط من خلال: 1. الاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز الانتاجية في القطاعات ذات الاولوية ليصبح الاقتصاد قائما على الابتكار، 2. الارتقاء بلبنان إلى وجهة إقليمية رائدة بعلامة تجارية مميزة تقدم خدمات التعاقد الخارجي بقيمة عالية وليصبح مركزا للبحوث والتحليلات ، 3. التحول الى مركز ابداع اقليمي بما في ذلك الاعلام والإنتاج الوثائقي، وجذب الطلاب الاقليميين من مختلف الاختصاصات.

سادسا: الانتشار اللبناني • أحاطت الخطة بأهمية تقوية الرابط بين لبنان والمنتشرين من كافة الأجيال للمساهمة بشكل أكبر في نموه كونه أحد المحركات الأساسية لنمو الاقتصاد اللبناني وتلحظ الخطة الأطر التي ستتبع في تعزيز هذه الروابط وتوجيه الاستثمارات وترويج الصادرات اللبنانية، • وتلحظ الخطة وضع أسس لمتابعة هجرة اليد العاملة اللبنانية الكفؤة كما هجرة الأدمغة ومتابعة تطورها للاستفادة من مقدراتها وخبراتها المحصّلة في الخارج لإعادة الاستفادة منها في تنمية وتطوير النظم في لبنان".

واشار خوري إلى "الاهتمام بالعنصر البشري اللبناني الذي نعتبره الثروة الحقيقية الوطنية التي يجب الاستثمار في تطويرها آخذين بعين الاعتبار النمط الفائق السرعة في التطور الرقمي والتكنولوجي وما يستتبعه من تغيرات في متطلبات السوق التوظيفية وخلق فرص عمل حديثة تراعي هذه المعطيات".

وأضاف: "تحتوي الخطة على ما يقارب المئة وخمسون مبادرة وخطوات تنفيذية تشمل القطاعات الستة هذه والتي سيتم إطلاقها على ثلاث مراحل وتؤمن توازنا على مستوى كافة المناطق اللبنانية. ويرتكز تنفيذها على ثلاث مكونات أساسية لتأمين حسن تنفيذها:

• إطلاق مشاريع البنية التحتية ( النقل العام، تأهيل مطار بيروت، الطريق السريع من بعلبك إلى الحدود السورية، شبكات الألياف الضوئية ، منطقة تكنولوجيا البناء ، مجمع مركز المعرفة في بيروت، تأهيل الطرق والأرصفة في بيروت وجبيل وصور، المدن الصناعية ، المنطقة الحرة في طرابلس)

• تحسين جودة المعيشة (النقل، إدارة النفايات، معالجة التلوث، تنظيم مدني، حوكمة) • إصلاح قطاع الطاقة بشكل جذري (تنفيذ خطة الكهرباء الموضوعة في العام 2010 ، الحد من الخسائر في التوزيع والجباية، اعتماد الطاقة المتجددة)."

وأكد أن "الخطة تتضمن توصيات لعدد من المشاريع المحورية والسريعة التنفيذ تساهم بتحريك الاقتصاد على المدى القريب"، مشدداً على أن "تنفيذ هذه الخطة يعتمد بشكل أساسي على تبنيها من قبل الحكومة اللبنانية ووضع الآليات الإدارية والتمويلية اللازمة لسرعة التنفيذ والرقابة والمراجعة الدورية للمؤشرات الموضوعة وتأمين الشفافية منعا للهدر والفساد. وذلك من خلال العمل على ثلاث ممكنات حكومية ضرورية لضمان حسن تنفيذ الخطة:

• تمكين الإدارة العامة من القيام بدورها الرقابي والتنفيذي وفقا لمعايير حديثة تتلاءم مع ذهنية ومرونة القطاع الخاص،

• اعتماد قواعد وسياسات مالية حديثة لخفض العجز المالي بنسبة 1% سنويا ، وتنمية الإيرادات العامة ،وترشيد موازنات الإدارات وفقا للأولويات الاقتصادية، • تسريع الآلية التشريعية ونمط إقرار القوانين خاصة تلك المتعلقة بتحسين بيئة الأعمال وتحفيز الصادرات وجذب رؤوس الأموال الأجنبية".

وكشف أنه"من المرتقب اطلاق الدراسة بنسختها النهائية بمجرد التصديق عليها من قبل الحكومة المقبلة وذلك لبدء تطبيق منهجية عمل متكاملة للقطاعين العام والخاص تراعي التناغم بين سائر القطاعات الاقتصادية من خلال إنشاء آلية تعنى بمتابعة التنفيذ وضمان تحقيق الأهداف الموضوعة".

وختم خوري بالقول أن "الوقت يداهمنا والوقت عنصر أساسي لنجاح أي خطة مستقبلية سيما أن الموارد المالية العالمية أصبحت محدودة والطلب عليها مرتفع ووضعنا الاقتصادي حرج. لذا تحركنا يجب أن يكون سريعاً ومُمَنهَجاً إنقاذا لوطننا وحماية لاقتصادنا".