يبدو ان التوتر في ​بريطانيا​ في ملف "البريكست" وصل الى اوجّه في الايام القليلة الماضية، حيث شهدت البلاد عاصفة من الاستقالات كان لها وقع كبير على الساحة الداخلية والعالمية، 3 استقالات في غضون 24 ساعة جاءت اعتراضا على استراتيجية حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي لـ"بريكست" والتي تقضي الى الحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع ​الاتحاد الأوروبي​ بعد خروج بريطانيا من التكتل، من خلال اقامة منطقة تبادل حر واتحاد جمركي جديد مع باقي الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد ، استقالات وضعت مصير ماي على المحك خاصة وانها تسعى الى وضع اللمسات الاخيرة للانسحاب، فاستقالة وزير "البريكست" ديفيد ديفيس والتي تلتها استقالة وزيرى الخارجية بوريس جونسون ونائبه ستيف بيكر الذى يحمل درجة وزير الأمر زادت من الامور تعقيدا وجعل مصير الحكومة غامضا ، وعمّق من حجم الأزمة السياسية فى ​المملكة المتحدة​ وزاد من فرص التصويت بحجب الثقة من ماي ، في حين أكدت المفوضية الأوروبية أن هذه الاستقالة لا تشكل بالنسبة إليها مشكلة للمفاوضات.

واعلن رئيس "البريكست" ديفيس عقب استقالته ان سياسات رئيسة الوزراء تيريزا ماي تقوض المفاوضات مع ​بروكسل​ بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وأن البرلمان لن يستعيد السلطات بشكل حقيقي بعد ترك الاتحاد الأوروبي وان التوجه العام للسياسة سيترك البلاد في موقف تفاوضي ضعيف وربما يكون موقفا لا مهرب منه وأن النتيجة الحتمية للسياسات المقترحة ستجعل السيطرة المفترضة للبرلمان أمرا وهميا وليس حقيقيا.

كما هاجم وزير الخارجية المستقيل، خطة ماي علانية، وأعرب عن مخاوفه من أن حلم خروج بلاده من الكتلة يموتوان البلاد في ظل خطة ماي، تتجه إلى وضعية مستعمرة.

"البريكست" : فرص كبيرة للازدهارالاقتصادي والتخلص من اعباء اللاجئين والمهجرين:

يعيش البريطانيون اليوم حلم الانفصال عن الاتحاد الاوروبي،والذي ظهر واضحا في الاستفتاء الذي اجرته البلاد في حزيران 2016 حيث انحاز الاغلبية لما بات يعرف بالـ"الربكست" تاركين ترتيبات الأمر للمفاوضات والاتفاقات بين حكومتهم ومؤسسات الاتحاد، واليوم وبعد مرور حوالي العامين على هذا الاستفتاء يأمل المفاوضون البريطانيون والأوروبيون في التوصل إلى اتفاق حول شروط الانسحاب البريطاني ووضع خطة للعلاقات التجارية المقبلة ، وفي 29 اذار الماضي ، بدأت البلاد رسميًا عملية الخروج من الاتحاد، من خلال تفعيلها “المادة 50″ من اتفاقية لشبونة، التي تنظم إجراءات خروج الدول الأعضاء، التي تنتهي بشكل كامل في 2019.

وعلى ضوء الانقسامات والاحتجاجات التي شهدتها المملكة مؤخرا رحبت أوساط الاقتصاد والمال من جهتها بمشروع رئيسة الوزراء تيريزا ماي ورأت أنه يتضمن منعطفا طفيفا نحو "بريكست" أقل تشددا والذي يلبي رغباتهم، في حين لا يزال عالم الأعمال حذرا بعد استقالة ديفيس ويأمل تجنب ​الحكومة البريطانية​ استقالات أخرى قد تضعفها أكثر.

ولا طالما كانت عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي موضع جدل منذ انضمامها إلى السوق الأوروبية المشتركة، حيث يعتبر البعض ان هذه العضوية من شأنها ان تضعف السيادة البرلمانية للمملكة المتحدة، وربما تكون الاسباب كثيرة دفعت نسبة 51.9% من الشعب البريطانيا الى تأييد "البريكست" ولكن السبب الابرز لهذه القرار يتمثل بضبط الهجرة والتخلص من عبء اللاجئين والمهاجرين، حيث ان الخروج من الاتحاد سيمكّن بلادهم من اتباع نظام جديد يحد من السماح للمهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي بالدخول إلى بريطانيا، على اعتبار ان الخروج سيحرر البلاد من الأنظمة والقواعد الأوروبية والبيروقراطية غير الضرورية.

وزادت الهجمات الإرهابية في بعض الدول الأوروبية رغبة المواطن البريطاني في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي على اعتبار ان الانفصال من شأنه ان يوقف اتفاقية الحدود المفتوحة بين الدول، مماسيحد من حركة المواطنين الأوروبيين، و يحول دون مجيء الإرهابيين إلى بريطانيا.

كما يبرز الشق الاقتصادي والوعود بالازدهار والرخاء من ابرز اسباب الانفصال، فالمواطن البريطاني يتصور ان الانشقاق سيمكن بلاده من إقامة علاقات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي دون خضوعها لقوانين الاتحاد، حيث يمكنها عمل اتفاقيات تجارية مع دول مهمة مثل أميركا والهند والصين، بالإضافة لمساعي إقامة منطقة تجارة حرة ، والحصول على مقاعد في مؤسسات عالمية، كانت خسرتها بسبب انضمامها للاتحاد الأوروبي كمنظمة ​التجارة العالمية​، كما أن هذا الخروج من الاتحاد الأوروبي سيبسط القوانين الوطنية البريطانية، وأنه لن يكون هناك سيطرة من قبل القوانين الأوروبية الاتحادية، وهو ما سيساهم في إعادة السيطرة على قوانين التوظيف والخدمات الصحية والأمن.

من جهة اخرى يبدي قطاع المال والاعمال في بريطانيا بالاضافة الى قطاعات اخرى قدرا من القلق خوفا من تأثيرات الخروج من الاتحاد الأوروبى معتبرين ان هذه الخطوة من شأنها ان تؤثر على حجم العمالة الوافدة التى تمثل العمود الفقري للأعمال فى البلاد الذي يقوم على التجارة والسياحة والصناعة، فضلا عن الخدمات، وهى قطاعات تتطلب أعدادا من العاملين توفرها بنود حق التنقل والإقامة التى تنتهى بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما اعلن اتحاد التجزئة البريطاني (BRC)ان المملكة المتحدة لا تخضع حاليًا لأي من عناصر التحكم و إذا غادرت الاتحاد الأوروبي بدون صفقة ، فسوف يتغير ذلك. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في الإدارة بالنسبة لمعظم السلع وخطر حدوث تأخيرات كبيرة على الحدود ، ومن الممكن ان تزيد تكلفة استيراد المنتجات الغذائية والمشروبات من الاتحاد الأوروبي بنسبة تصل إلى 29 % ، ويمكن أن تواجه السلع غير الغذائية زيادات تصل إلى 7 % في حالة الملابس والمنسوجات.