بعد إنتهاء الإنتخابات النيابية الأخيرة، حرصت معظم الأحزاب والتيارات والقوى السياسية على التصريح والتذكير في كل مناسبة، بضرورة تشكيل الحكومة الجديدة بأسرع وقت ممكن، خاصة ان هناك عشرات بل مئات الملفات العالقة التي تحتاج إلى قرارات سريعة وإلى الكثير من العمل الجاد. أضف إلى كل ذلك الوعود التي قطعها لبنان امام المجتمع الدولي في مؤتمر "سيدر"، بالبدء بعدد كبير من الإصلاحات الجدية والجوهرية، مقابل الحصول على الدعم المالي الضروري لإنعاش الإقتصاد وتحسين البنى التحتية وجذب الإستثمارات من جديد.

واليوم، وبعد أكثر من شهرين على إنتهاء الإنتخابات النيابية، وتكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، مازال لبنان يتخبّط في دوامة الحصص الوزارية، وقد ضربت القوى السياسية عرض الحائط مصير البلد ومستقبله، في سبيل الحصول على حقيبة وزارية من هنا أو من هناك.

وفي ظل التحذيرات الكثيرة التي نسمعها من المؤسسات الدولية ومن الخبراء الإقتصاديين بأن لبنان بات قريباً جدا من الإنهيار المالي والإقتصادي، ما لم تتخذ السلطة الخطوات والإصلاحات المطلوبة والضرورية واللازمة، يبقى مصير البلد معلقاً إلى حين إتفاق القوى السياسية على الحصص والمقاعد الوزارية.

فهل بات لبنان قريباً بالفعل من الإنهيار المالي والإقتصادي ؟ وماذا لو حصل الإنهيار فعلاً ؟ هل خطّة "ماكينزي" التي تم وضعها قادرة على إنتشال لبنان من المشاكل الإقتصادية المتراكمة؟ وهل الحكومة المنتظرة قادرة فعلا على تطبيق الإصلاحات المطلوبة ؟ كيف ينعكس هذا التخبط على موسم الصيف ؟ وماذا عن نسب النمو المتوقّعة ؟

أسئلة كثيرة اجاب عنها الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة في هذه المقابلة مع "الإقتصاد":

بداية ، هل بات لبنان قريباً بالفعل من الإنهيار المالي والإقتصادي ؟ أم ان ما يشاع لا يتعدّى التهويل؟

الكلام الذي نسمعه عن إمكانية حدوث إنهيار إقتصادي ومالي في لبنان، هدفه التهويل والتخويف والضغط السياسي ليس أكثر .. فالمشكلة في لبنان اليوم ليست مشكلة إقتصادية، بل هي مشكلة "إدارية فسادية سياسية" إذا صح التعبير، تنعكس على الإقتصاد.

فالوضع الإقتصادي متشنّج بدون شك، والقطاعات الإقتصادية في حالة ركود وتراجع وهناك تعثّر إقتصادي ومالي، ولكن السبب الرئيسي هو سوء الإدارة والفساد المستشري في مؤسسات الدولة. لذلك اعتقد ان كلمة إنهيار إقتصادي هي كلمة كبيرة جدا وفضفاضة.

ولكن هذا الحديث لا يعني أنه لا يوجد مشكلة في التأخر بتشكيل الحكومة، فالحكومة يجب ان تتشكل بأسرع وقت ممكن، ومن واجب السلطة السياسية والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة بغض النظر عن الأوضاع الإقتصادية.

هل خطّة "ماكينزي" قادرة على إنتشال لبنان من المشاكل الإقتصادية المتراكمة؟

بإعتقادي أن خطّة "ماكينزي" لم تقدّم أي شيء جديد، فكل النقاط التي تضمنتها الخطة هي مشاكل نعرفها جميعاً، والكل على دراية بمكامن الخلل وبأماكن الهدر الفساد وغيرها من الأمور الاخرى. ولكن تكليف "ماكينزي" جاء بهدف إعطاء الدولة موقف قوي خلال المفاوضات الخارجية، خاصة ان إسم "ماكينزي" له ثقل كبير على المستوى العالمي.

ورغم ذلك، فإن المبلغ الذي تم دفعه لهذه الشركة كبير جدا، مقارنة بالدراسة أو الخطة التي قدّمتها للبنان.

في ظل الخلافات السياسية التي نراها خلال تشكيل الحكومة .. هل تعتقد ان الحكومة المنتظرة قادرة فعلا على تطبيق الإصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي؟

الطريقة التي يتم فيها تشكيل الحكومة، وتقاسم الحصص الذي يحصل علناً وعلى وسائل الإعلام هو امر لا يبشّر بالخير بدون شك، فهذه الطريقة في تشكيل الحكومات لن تساعد في رفع إنتاجية الحكومة بل على العكس، وبالتالي سيكون هناك صعوبات كبيرة امامها لإتخاذ القرارات المناسبة فيما يتعلّق بالفساد والهدر والبدء بالإصلاح الحقيقي.

لذلك اعتقد ان العمل يجب ان يتركز على تشكيل حكومة متجانسة بدلا من تقاسم الحصص، وعلى بعض القوى السياسية ان تبقى خارج الحكومة، وأن تشكل معارضة فعلية قوية قادرة على محاسبة الحكومة الجديدة ومراقبتها. فإذا كانت كل القوى السياسية ممثَلة في الحكومة، فمن سيحاسبها إذا على قراراتها.

هل ترى إنعكاسات سلبية لهذا التخبط السياسي على موسم الصيف الجاري ؟

لا اعتقد ان هناك تأثير كبير للخلافات السياسية الراهنة على موسم الصيف، فالسياح والمغتربين عادة يبداون بالتخطيط لموسم الصيف من شهر أذار، وبالتالي فإن الراغبين بالقدوم قدّ إتخذوا قرارهم منذ فترة، ولكن حتى الان لا نرى حركة مرضية بالنسبة للسياح الأجانب والعرب، وحتى المغتربين أيضاً.

وبرأيي أن لبنان لا يعمل بالشكل المطلوب لإستقطاب السياح، خاصة انه لا يسعى لمنافسة الأسعار التي تقدّمها الدول المجاورة كتركيا ومصر وقبرص، إذ ان الأسعار في لبنان مازالت مرتفعة للغاية، مما يحد من عدد السياح الراغبين بالقدوم، خاصة ان الدول المذكورة تقدّم نوعية فاخرة جدا من السياحة والضيافة.

ما هي توقعاتك لنسب النمو نهاية 2018؟

لا اعتقد ان النمو سيتخطى النسبة التي تحدث عنها صندوق النقد الدولي، وهي 1.5% أو 2% كأقصى حدّ. وعلى الرغم من ان هذه النسب غير كافية لإقتصاد يعاني من مشاكل متعددة كإقتصادنا، ولكنه يبقى أمرا مهما أننا مازلنا قادرين رغم الظروف على إبقاء نسب النمو إيجابية وليست سلبية.