شخصيتنا اليوم تتحدث عن رجل لبناني تشكلت خبرته من خلال الثغرات المهنية التي إكتشفها في شخصيته والمشاكل التي مرّ فيها.. يعتبر أن العراقيل كانت سبباً في تطوره المهني.. لا بل يعتبرها فرصاَ ممهدة لنجاح أكبر في المستقبل..

خبرته تكونّت من تنوّع المجالات التي عمل فيها.. وصولاً إلى كونه الآن شريك في مشروع بيروت الضخم "Beirut Joint" ضمن ​مطعم​ ومقهى "جنينة فريد" ولنتعرف أكثر على مسيرة هذا الشاب كان لـ"الإقتصاد" لقاء حصري مع رشاد وهبة الذي شاركنا أبرز المحطات المهنية التي مرّ بها وإستفاد منها.

- كيف تختصر مسيرتك الأكاديمية وصولاً إلى بداية رحلتك المهنية؟

رغم أن مسيرتي الأكاديمية تعتبر بعيدة كل البُعد عن نشاط عملي اليوم، إلى أنني إكتسبت منها خبرة غنية يمكن إستغلالها في العديد من المجالات.

تخصصت في مجال ​التصميم​ الغرافيكي في جامعة "AUL" . وإرتبطت بداية مسيرتي المهنية بدراستي إذ بدأت بالعمل قبل تخرجي بـ3 أعوام ضمن مشروع للعائلة كان يُعنى بتصميم أغلفة الكتب قبل نشرها، وكنا نتعامل مع وزراة الثقافة الليبية، توقف عملنا معها أثر الأزمة الليبية.

تأثرت بهذا الوضع على الصعيد النفسي، إذ لم أعد قادراً على تقبّل فكرة العمل في مجال التصميم الغرافيكي بشكل فردي أو حرّ خاصة بعد تعاملنا لسنوات طويلة مع الدولة الليبية.

من جهة آخرى، عندما يتعامل الفرد مع دولة أو هيئة رسمية عادة ما تكون الشروط كثيرة مما بطبيعة الحال يحدّ من حرية المصمم ومن روحه الإبداعية.

شعرت حينها أنني بحاجة ماسة لتغير مجال عملي، وعندها إنتقلت إلى مجال الإلكترونيات، وكل ما يتعلق بالهواتف المحمولة وصيانتها.

برأيك ما هي أبرز العناصر التي تحدد مسار الحياة المهنية للفرد؟

برأيي مسيرة الفرد لا تتحدد فقط بشهادته الجامعية أو بخياراته المهنية، فالوضع الإجتماعي يلعب دوراً كبيراً في التأثير على عملية إتخاذ القرارات المصيرية. فعلى الصعيد الشخصي، ترعرعت في أسرة مستواها المادي كان يُعتبر ممتازاً ونظراً للظروف القاسية تراجع هذا المستوى تدريجياً خاصة مع بزوغ الأزمة الليبية، الأمر الذي دفعني إلى تأسيس مشروع صغير في مجال الإلكترونيات.

من بعدها إنتقلت إلى مجال الأغذية والمشروبات "F&B" وكانت فرصة غير متوقعة حينها.

إستحوذت مع مجموعة من الأشخاص على مطعم في منطقة الحمرا كان يُدعى "إم ملحم". هذه الفرصة سمحت لي أن أكتشف مزايا جديدة كان عليّ تطويرها في أسلوبي الإداري.

-هل شكلت عملية حصد رأس المال مشكلة أثرت على سلاسة سير المشروع؟

بالطبع، لم تكن بالمهمة السهلة! ولكن كان عليّ أن أتحمل هذه المسؤولية ولم يكن لدي ما أخسره حينها، فمن واجبي أن أسعى لتطوير ذاتي، خاصة أن ظروفنا الإجتماعية في المنزل تغيّرت وتغيّرت معها نظرتي للحياة المهنية الجديّة.

ما هي أبرز العراقيل التي واجهتها خلال مسيرتك المهنية وكيف تخطيتها؟

كل ما مررت به أعتبره كان أساساً داعماً لوصولي إلى ما أنا عليه اليوم. فقد حوّلت أخطائي السابقة إلى حصن متين يحميني من الوقوع فيها مجدداً ويدفعنا للإستمرار.

أعتبر أن أخطائي السابقة نتجت عن سوء فهم الحياة المهنية الواقعية، فمن جهة لم أدرك مدى جدية التدقيق في الشق المادي من حيث الإيرادات والنفقات.

ومن جهة آخرى، إتخذت بعض القرارات في أوقات لا تتناسب مع أهدافها المهنية، ومنها إعادة تصميم المطعم من الألف إلى الياء، الأمر الذي تطلب إغلاق المكان لمدة طويلة لم نتمكن فيها على تحمّل الأعباء المالية ومواكبة مستجدات المنافسين.

إستفدت من هذه التجربة على كل الأصعدة الإجتماعية والمهنية، وكانت بمثابة بوابة الإنطلاقة إلى العالم العملي الفعلي الذي يتطلب دقّة عالية وقدرة على التحمل وبالطبع خبرة.

-كيف إنتسبت إلى مجموعة "Beirut Joint " ضمن مطعم ومقهى "جنينة فريد" ؟

علمت بمشروع "جنينة فريد" العام الماضي وأعجبت بفكرة المشروع. كنت أسعى للإستحواذ على أحد الأكواخ الموجودة في المشروع المخصصة لبيع الأطعمة السريعة.

بعد إجتماعي مع أصحاب المشروع تغيرت الخطة كلياً وعُرض عليّ أن أبدأ ضمن مطعم ومقهى "جنينة فريد" عبر وجبات خفيفة كالصاج.

أعجب القيّمين على المشروع بالأصناف التي عرضناها ضمن لائحة الطعام.

وما لا أنساه حينها هي اللحظة التي أعجب فيها المسؤولون بعملنا بعد أن تذوقوا صنف فريد أصرّيت على ضمه ضمن لائحة الطعام، وهو عبارة عن إختراع كانت الوالدة تعدّه لنا في المنزل.

والدتي التي أعتبرها موسوعة في الطبخ، دون أن تدري كانت السبب في تسلمي لمطعم "جنينة فريد" بالكامل عوضاً عن شق الصاج فقط.

-من خلال مسيرتك المهنية، ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب الذين تشاركهم نفس الشريحة العمرية؟

قبل أن أنصحهم أود أن أروي لهم قصة صغيرة ساهمت في تغيير نظرتي للحياة. لقد تركت لبنان في مطلع هذا العام وإتجهت إلى أبيدجان للحصول على مصادر دخل جديدة بهدف متابعة مشروع "جنينة فريد".

بقيت في أبيدجان لمدة شهرين، وقمت بدراسة لسوق الـ"F&B".

هنالك واجهت العديد من المشاكل التي لم تسمح لي في التركيز الكلي على العمل، وعدت إلى وطني مع دراسة مفصلة عن هذا السوق الأجنبي.

فور عودتي إلى بيروت إتجهت مباشرة إلى "جنينة فريد" ولم أحظى بفرصة لزيارة أهلي، وهذا كله بهدف إنجاح هذا المشروع الذي أؤمن به.

قدم لي أهلي كل الدعم بعد أن عايشوا معي كافة الصعوبات، وبالتالي كانوا أول الداعمين لي وأكثر المتفهمين لهذه الجهود رغم الساعات الطويلة والأسابيع التي قضيتها بعيداً عنهم.

لن تكون فحوى رسالتي للشباب بأن لا يتركوا بلدهم، بل أدعوهم للسفر ولإكتشاف الأسواق الخارجية إذا سنحت لهم الفرصة، ولكني أقول لهم "إذا إتيحت لكم الفرصة بإثبات ذاتكم داخل وطنكم أتمنى ألا تخسروها".

كما أدعوهم لإستغلال الثورة الرقمية التي إجتاحت العالم وألا يحدّوا أنفسهم وطاقتهم المهنية ضمن نطاق ضيق فالعالم بات "قرية كونية" كما يُقال.

للأسف، عادة ما يتذمر جيل ​الشباب​ من وضع البلد بحجة أنه لا مكان للتطور فيه، أما أنا فأعتبرها أعذار واهية لا أكثر، فلا يوجد أي بقعة على هذه الأرض لا يمكن للإنسان أن يستثمر فيها، ويطورها بتطوير نفسه وعمله.

ومن هنا، لابد من وجود أمل للإستمرار فـ "تشبثوا بالأمل"، وطبعًا هذا الكلام ليس عبثيًا، فإنطلاقًا من تجربتي الشخصية مررت بالعديد من المراحل القاسية التي فقدت فيها الأمل والحافز للمتابعة، ولكني إكتشفت حينها أن الحياة لا يمكن أن تستمر من دون ​الطاقة​ الإيجابية التي تنبع من داخل الشخص، ليبصر من خلالها النور ويصل إلى الطريق الصحيح.

وعندما يُدرك الإنسان أن كل ذرة في هذا الكوكب لها دور فريد، لن يتخلى عن دوره وسيؤمن بأهميته. فنحن كبشر نملك كل ما نحتاجه للنجاح، المكان أو البلد لا يحدد هذا الأمر، وأنا أؤمن بأننا قادرين على تخطي الحواجز.