خاص ــ الإقتصاد

عملية احتيال ​محكمة​ ومدبرة، نسج خيوطها ثلاثة عراقيين في ​بغداد​، وشرعوا بتنفيذها في بيروت، تمثلت بتزوير ايصالات بوديعة مصرفية، تبلغ قيمتها 800 مليون دولار أميركي، زعم أبطالها أن الأموال تعود الى نظام الرئيس ​العراق​ي الراحل صدام حسين الذي إعتاد على ​تهريب الأموال​ وايداعها بأسماء أشخاص مقربين منه، بغية استعادتها في الوقت المناسب، الا أن الأجهة القضائية والأمنية في لبنان كشفت ملابساتها وأوقفت أحد المتورطين فيها.

وفي تفاصيل العملية، تقدّم أحد كبار ​المصارف اللبنانية​ بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية، عرض فيها أنه تلقى في الخامس من شهر تشرين الأول الماضي، إنذاراً موجهاً اليه من المدعى عليه العراقي "ماهر. ر" بواسطة الكاتب في بيروت، يزعم فيه الأخير أن له حساباً مصرفياً مشفراً في المصرف، وأنه سسلّم المصرف في العام 2001 مبلغاً مالياً تبلغ قيمته 800.000.000 دولار أميركي (ثمانماية مليون دولار) على دفعتين، كل دفعة بقيمة 400.000.000 دولار، وأبرز صورتي ايصال منسوبتين لإثنين من مدراء المصرف المذكور، تشير الى إستلام المديرين المبلغ المذكور، وانتهى الى المطالبة بتسليمه هذا المبلغ مع الفوائد القانونية.

وأمام خلو المصرف من اي ايصالات مشابهة، وعدم تسلّمه أموالاً بهذه القيمة الباهظة جداً، كشف المصرف في شكواه أن الإيصالين المزعوم صورهما عنه مزورين، وغير صادرين عن أي من فروعه ولا عن المديرين المنسوب اليهما توقيعهما، وأن ليس هناك وديعة من أي نوع كان ولا تسليم لأموال، وأن المدعى عليه يحاول استعمال الإيصالين المزورين بهدف الإبتزاز والإحتيال.

خلال التحقيقات التي أجريت بناء على هذه ​الشكوى​، عممت ​شعبة المعلومات​ في قوى الأمن الداخلي في 13 تشرين الثاني الماضي، بلاغ بحث وتحرٍ بحق "ماهر . ر" الذي لم يحضر الى التحقيق،  وفي 24 من الشهر نفسه تم ​توقيف​ المدعى عليه في ​مطار بيروت الدولي​ أثناء قدومه من بغداد، فتمت احالته على شعبة المعلومات، وخلال التحقيق معه أفاد أنه قبل ثلاثة أشهر وأثناء وجوه في منزله في ​كركوك​، تلقى اتصالاً ​هاتف​ياً من أحد أصدقائه العراقيين، وهو "فؤاد. م"، ي​علم​ه فيه ان المدعى عليه "سلام. ح" أخبره أنه بحوزته مستندات تثبت وجود وديعة مالية لصالحه في البنك اللبناني (المدعي)، قيمتها 800.000.000 مليون دولار أميركي، ويتوجب عليه الإنتقال الى بيروت بغية المطالبة بالمبلغ والإستحصال عليه، وهو سيتولى دفع كافة نفقات السفر.

وفي سياق الإعترافات التي أدلى بها، وأوضح "ماهر" أنه سأل "فؤاد. م" عن مصدر هذا المبلغ الكبير خاصة وأنه لا يملك أي ودائع مصرفية في الخارج، فأجابه  الأخير بأن النظام العراقي السابق إعتمد طريقة لإخفاء الأموال وايداعها في حسابات أشخاص عراقيين دون علمهم، بغية استردادها لاحقاً في حال نشوب أية ازمات أو حروب، وأن من يتولى ايداعها هم أشخاص في الإستخبارات العراقية. وأكد "ماهر" أنه توجه بعد ثلاثة أيام الى بغداد للقاء "فؤاد. م" الذي كان زوده برقم هاتف خليوي لشخص يدعى "عبد الحكيم"، وهو الشخص الذي كان مكلفاً بإجراء الترتيبات اللازمة للسفر الى لبنان، وبالفعل التقى به في بغداد وكانت المرة الأولى التي يلتقيه، حيث اصطحبه الأخير الى منزله الخاص وجلسا لبعض الوقت، ثم نقله الى منزل "فؤاد"  داخل بغداد، وبعد ايام عدة توجه هو وفؤاد وعبد الحكيم الى ​مطار بغداد​، وكان بإنتظارهم المدعى عليه "سلام. ح"، حيث استقلوا طائرة نحو بيروت، وبوصولهم كان بإنتظارهم شخص من الجنسية اللبنانية معروف بإسم "أبو سيف" نقلهم الى أحد الفنادق في بيروت.

في اليوم التالي حضر "أبو سيف" الى الفندق، وإصطحب "فؤاد. ر" و"سلام. ح" بسيارته الى مكتب أحد المحامين، وأبرز سلام للمحامي المستندات الموجودة لديه، وتم الحديث عن اقتسام الحصص المتعلقة بالمبالغ المزعوم ايداعها في البنك المدعي، وبعدها بلحظات حضر الكاتب العدل وجرى تنظيم عقد بين "فؤاد" والمحامي المذكور، يتيح للأخير مهمة التواصل مع البنك ومراجعته للإستحصال على المبلغ المالي، وأثناء قيامه بالتوقيع على العقد طلب المدعى عليهما "فؤاد. م" و"سلام. ح" من المحامي أن يقوم باعتماد التوقيع نفسه الموجود على الايصالين المسلم بموجبهما المبلغ الى البنك، وكانت المرة الأولى التي يطلع فيها المحامي على الايصالين، حيث لاحظ أن التوقيع غير عائد له ولا يخصه وقام بإخبارهما بذلك، وقد أجابه "سلام" أن مندوب السلطات العراقية كان يقوم بنفسه بالتوقيع عن الأشخاص المنوي ايداع الأموال في حساباتهم.

وأضاف "ماهر. ر" أن المدعى عليهما "فؤاد. م" و"سلام. ح" غادرا الفندق بعد استكمال إجراءات العقد، ولم يتكلم بعدها مع المحامي او يلتقي به، وأن "فؤاد" طلب منه العودة الى العراق، وأن الايصالين موضوع الدعوى المتعلقين بتسليمه مبالغ مالية لمديرين في المصرف المذكور غير موقعين  من قبله، ولم يسبق له أن نظمهما ولا علم له بوجودهما قبل عرضهما عليه من قبل "سلام" وأنكر أي دور له بعملية تزوير أي مستند أو توقيعه.

قاضي التحقيق في بيروت فريد عجيب، الذي أجرى تحقيقاته في هذه القضية، إعتبر أن المدعى عليهم "ماهر. ر" (موقوف وجاهياً) و"فؤاد. م" و"سلام. ح" (فارين من العدالة وصدرت بحقهما مذكرتا توقيف غيابيتين) أقدموا بالإشتراك في ما بينهم على إصطناع ايصالين مزورين نسبوا صدروهما الى المصرف المدعي، وزعموا أنهم أودعوا بموجب كل ايصال مبلغاً بقيمة 400.000.000 دولار، وأقدموا على استعمال المستندين المزورين للإستيلاء على أموال البنك بالطرق الإحتيالية، وذلك سنداً لمواد في قانون العقوبات تنص على السجن ثلاث سنوات، وأحالهم على القاضي المنفرد الجزائي في بيروت لمحاكمتهم.