ينتظر ال​لبنان​يون حتى اليوم تشكيل الحكومة التي مرّ على تكليف رئيسها 20 يوماً دون أن تبصر النور حتى الآن. ويأتي ذلك في الوقت الذي تشكّلت في حكومتين جديدتين في كلًّ من ​إسبانيا​ و​الأردن​ (التي شهدت احتاجات واسعة) في غضون أيام بعد تكليف رؤساء جدد.

ليس في الأمر أن لبنان يتأنى في اختيار الكفاءات لشغل المناصب بل إن الأحزاب اللبنانية لازالت تتباحث في الحصص والتوزيعات الطائفية. كيف سيؤثر هذا الأمر على الإقتصاد؟ وما هي أولويات الحكومة المرتقبة؟

لمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع مع الخبير المصرفي ​عادل حمدان:

ما هو أثر تأخّر تشكيل الحكومة على ​الإقتصاد اللبناني​؟

كالعادة في كل مرحلة من مراحل تشكيل الحكومات، يعقد اللبنانيون آمالاً على الحكومة الجديدة بمبادراتها المرتقبة لاتخاذ خطوات تُحرّك العجلة الإقتصادية، التي هي الهاجس الأكبر لدى كافة الفئات الإجتماعية، ولدى الطبقات الفقيرة وما دونها على وجه التحديد؛ كما وتضبط عمليات الهدر والمصاريف غير المنتجة في الإدارات العامة للدولة؛ وتدرس وضع المشاريع الحيويّة المنتجة قيد التنفيذ، ك​الكهرباء​ و​الماء​ وإنشاء السدود، ووسائل النقل العام، كما وإنعاش القطاعات السياحية والزراعية والصناعية، واقتصادات المعرفة والتكنولوجيا، وغيرها الكثير.

أما الأثر الذي يتركه التأخّر في تشكيل الحكومة على الإقتصاد اللبناني فهو، إذا ما اعتبرنا الأمور أنها تسير في منحاها الطبيعي، والتأخّر في تشكيل الحكومة سيُوقف قرارات حيوية بإنشاء مشاريع جديدة وإصدار قوانين، وما شابه...فأثر التأخّر يكون كبيراً جداً ويُدخل البلد في مرحلة جديدة من مراحل الإنكماش الإقتصادي والمستمرّ منذ ما يقارب العشر سنوات.

من ناحية أخرى، ونحن على أبواب فصل الصيف و​السياحة​ التي تُعتبر من المصادر المهمّة لتعزيز ​الناتج المحلي​ الإجمالي GDP ، ولها أثرها المباشر على الإقتصاد تاريخيّاً وفي الوقت الحاضر، فإن التأخّر في تشكيل الحكومة سيكون له تأثيره، ولو نسبيّاً على القادمين العرب والأجانب في آن، للسياحة في لبنان. أما في حال تأليفها، فسيكون ذلك حافزاً بالتأكيد، ومشجّعاً لقدوم المزيد منهم، وبخاصة من ​الدول العربية​ الشقيقة .

تأخر تأليف الحكومة، يجعل منها حكومة تصريف أعمال، علماً بأن الحاجة ماسّة إلى اتخاذ قرارات أساسيّة، فيما يتعلّق بموضوع الكهرباء مثلاً، أو شؤون النازحين وإقاماتهم التي تحتاج إلى توافق حكومي لمواجهة الإرادة الدولية التي يبدو أنها " لا تُريد عودتهم إلى ​سوريا​ في الوقت الحاضر"، كما ورد على لسان دولة الرئيس الفرزلي نائب رئيس المجلس النيابي مؤخّراً.

طلب من الدولة في "سيدر" خفض العجز بنسبة 5%، هل ستتمكّن الحكومة الجديدة من القيام بذلك؟

كما سبق وأشرنا في مقابلة سابقة بأن مؤتمر "سيدر" سوف تكون له شروطه، كما هي الحال الطبيعية لدى أي من الجهات أو ​المصارف​ الدوليّة المموِّلة. فالتمويل له شروطه، وال​قروض​ الميسّرة أيضاً، والهبات رغم ضآلتها سيكون لها أيضاً إعتباراتها، إن لم نقل شروطها، وهذا ما بدا واضحاً من خلال نتائج المؤتمر التي بدأت بطلب تخفيض العجز، وأيضاً شروطه المنظورة أوغير المنظورة التي سوف تظهر تباعاً، وذلك للتمكّن من إستفادة لبنان من القروض موضوع المؤتمر.

أما فيما يتعلّق بقدرة الحكومة على تخفيض العجز بنسبة 5 %، فالجواب نعم سوف تتمكّن الحكومة من إيفاء هذا الشرط نظراً لما يلي:

أقرّت الحكومة ​موازنة​ العام 2018 بعجز قدره 4.8 مليار دولار كما صرًح وزير المالية في حينه، أي أقلّ ب 145 مليون دولار عن العام السابق، بذلك تكون نسبة خفض العجز حوالي 3%. إذاً، فطلب "سيدر" خفض العجز بنسبة 5 % لن يكون، من وجهة نظرنا، على هذا القدر من الصعوبة إذا ما رافق ذلك بعض أو كل من الأمور التالية في حدّها الأدنى:

- ترشيد النفقات غير المجدية في الإدارات العامة للدولة؛

- وقف الهدر غير المبرّر في بعض المصاريف الداخلية منها أو الخارجية؛

- درس إمكانية إلغاء الرواتب التي تُصرف إلى النوّاب السابقين، أو تخفيضها؛

- أسوة بغيرها من المؤسسات، ينبغي وجود رقابة على صلاحيات الصرف في مؤسسات الدولة كي لا تُستعمل في غير المجالات التي مُنحت من أجلها؛

- عدم تحميل الدولة أية أعباء إضافية خارج الإطار التي تتطلّبه بعض المشاريع في تلزيمها، أو خلال مراحل التنفيذ لهذه المشاريع.

برأيك، ما هي القوانين ذات الأولوية من الناحية الإقتصادية في ​مجلس الوزراء​ القادم؟

من الأولويات البديهيّة لإعادة تفعيل العجلة الإقتصادية، هي إصدار القوانين اللازمة لها، فالقطاعات الإقتصادية كافة تعاني من تباطؤ أصبح على درجة عالية من المخاطر،

فالقطاع العقاري مثلاً يحتاج إلى دعم، وقد بدأنا نسمع بإفلاسات لشركات عقارية كبيرة لم تتمكّن من الإيفاء بالتزاماتها لدى المصارف، ولا الإيفاء تجاه زبائنها مشتري الشقق أوالأقسام في مشاريعهم العقارية. كما يجب أن يستمر دعم الفائدة على القروض الإسكانية لتمكين الفئات المتوسّطة على الأقل من شراء الشقق وإنعاش العقار في حدوده الدنيا.

- والقطاع الصناعي الذي يستمرّ في تراجعه، سبق لجمعية الصناعيّين أن طالبت بقوانين تضمن الحدّ الأدنى لاستمرار هذا القطاع وتفعيل الإنتاج، وإيجاد الأسواق لتصريفه، إن على الصعيد المحلّي أو إلى الخارج.

- و​القطاع السياحي​ الذي يستمر بمعاناته، وبخاصة في المناطق الجبلية وأماكنها السياحية شبه الفارغة على مدار السنة، كما ومراكز التزلّج التي تعمل في حدودها الدنيا؛

- والقطاعين الزراعي والتجاري هما بحاجة أيضاً إلى فتح أسواق جديدة وتبادل تجاري مع بعض الدول من خلال روزنامات تُعدّ لهذه الغاية؛

- ​قطاع الإتصالات​ و​الإنترنت​، بحاجة إلى تفعيل وإعادة تنظيم، ناحية السرعة والكلفة التي يتكبّدها المواطن، مقارنة مع تلك التي تُقدّمها بعض الدول الأخرى المتقدّمة منها أو تلك الناشئة في هذا المجال.

كل ذلك بحاجة إلى قرارات حكومية، وقوانين ترعى تنفيذها في القطاعات.

ما هي توقّعاتك للفترة المقبلة من العام المالي؟ هل من الممكن أن تشهد أي انفراجات؟

على الرغم من الظروف الإقتصادية والمالية الصعبة التي يمرّ بها لبنان في الوقت الحاضر، و​الدين العام​ الذي يتعاظم باستمرار دون بصيص أمل لتاريخه باحتمال إيقاف نموّه على المدى المنظور أو تخفيضه، باستثناء ما قد يحصل على صعيد ​النفط​ الذي سوف يُساهم إلى حدّ كبير، في إنعاش ​الوضع المالي​ من جهة، والإستقرار الإقتصادي والإجتماعي من جهة أخرى، ونحن على وشك وصول الدين العام الى ما يقارب المئة مليار دولار.

هناك بعض التفاؤل في تحسّن الوضع المالي في الفترة المقبلة، وتحقيق بعض الإنفراجات، نظراً للتالي:

- بعض الشروط المفروضة على الحكومة للإستفادة من قروض مؤتمر "سيدر" هي مقبولة، وبالتالي سوف يكون بمقدور الحكومة التقيّد بها؛

- الإتجاه الواضح لدى الحكومة ولو في حدّه الأدنى، للقيام بإصلاحات تساهم في إعادة تحريك العجلة الإقتصادية؛

- تحريك ملفّ النازحين وتعديل شروط إقاماتهم وفق ما ورد في قرار وزير الخارجية مؤخّراً، وأيضاً دعوة الرئيس الفرزلي لمواجهة الإرادة الدوليّة التي لا تريد، كما أشار، عودة النازحين إلى سوريا؛

- مصداقية العهد الجديد تجاه ما سبق أن تمّ الإعلان عنه من إجراءات مرتقبة تُساعد على تعزيز الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، في ظلّ الأوضاع الأمنية الآمنة والمستقرّة في الوقت الحاضر، والمستمرّة كما يبدو على الأمدين القصير والمتوسّط، على أمل الإستقرار الدائم والمستمرّ؛

- مؤشرات فصل الصيف تبدو إلى حدّ كبير مشجّعة ناحية قدوم السائحين العرب والأجانب، إضافة إلى اللبنانيين الذين يأتون لقضاء فصل الصيف في ربوع بلدهم ومع أهلهم؛

- الإستقرار السياسي القائم في ظل التوافقات التي حصلت، خلال مرحلة ما قبل الإنتخابات النيابية، وحالياً ما بعدها، في الإتجاه الذي قد يُساعد على الإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة والمرتقبة.