شهدت الأشهر الأخيرة التي سبقت الإنتخابات النيابية والفترة التي تلتها أيضا، توترات كبيرة في ما يتعلق بقضية توطين وتجنيس اللاجئين في ​لبنان​، فمن المادة 49 للموازنة العامة التي تسمح بإعطاء إقامة دائمة لكل من يشتري منزلا او شقة سكنية في لبنان، وصولا إلى مرسوم التجنيس الغامض الذي وقّعه رئيس الجمهورية مؤخراً، والذي منح الجنسية اللبنانية لاكثر من 400 شخص معظمهم من الجنسية السورية والفلسطينية، برز ملف التجنيس على الساحة من جديد، وسط تخوّف كبير من مخطط لتوطين اللاجئين المتواجدين على الأراضي اللبنانية، ودمجهم في المجتمع اللبناني، خوفا من وصولهم مستقبلا إلى الشواطىء الأوروبية.

وعلى الرغم من ان تصريحات السلطة تؤكد بأن الهدف من هذه الخطوات هو دعم الإقتصاد الوطني وتحفيز الإستثمارات خاصة أن من شملهم المرسوم هم رجال اعمال ومتمولين يستهدفون الإستثمار في لبنان، إلا ان الغموض والسرية التي رافقت هذه القرارات تثير ريبة الكثيرين، خاصة أنه حتى الان لم تعطى المراة اللبنانية الحق بتجنيس اولادها.

فهل ستساهم فعلا هذه الخطوات بدعم الإقتصاد الوطني ؟ وهل الهدف الحقيقي لمرسوم التجنيس الأخير هو جذب الإستثمارات ؟ وما هي خطورة تجنيس اللاجئين على المجتمع اللبناني؟ وهل من إنفجار إجتماعي قريب ؟

كل هذه الأسئلة أجاب عنها مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. ​سامي نادر​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، هل تؤمن بأن مرسوم التجنيس الأخير والمادة 49 من ​الموازنة​ تهدف إلى دعم الإقتصاد وتحفيز الإستثمارات فعلياً ؟

في البداية يجب ان نعرف بان هذه القوانين معمول بها في الكثير من بلدان العالم، ولكن في لبنان هناك وضع خاص، وهذه القرارات او الخطوات لا يمكن إتخاذها بطريقة عشوائية وبدون تنظيم، خاصة ان تكوين المجتمع اللبناني حسّاس إذا صح التعبير.

ولكن في كل بلدان العالم ومنها على سبيل المثال ​فرنسا​ و​بريطانيا​، يتم تقديم سلة من التسهيلات للمستثمرين، ومن هذه التسهيلات إعطاء إقامة دائمة مثلا، وتسهيل الحصول على تأشيرة وصولا للحصول على الجنسية. ففي ​قبرص​ هناك ما يسمّى "Passport Produt" والذي يتم بموجبه منح الجنسية لكل من يشتري منزلا او شقة سكينة بقيمة معينة .. إذاً هذا المنطق ساري المفعول في بلدان اوروبية واجنبية.

بالإنتقال إلى لبنان، يجب ان نأخذ بعين الإعتبار ان هناك محاذير سياسية كبيرة لهكذا قرارات، خاصة ان هناك مشاريع سكنية كبيرة بدأ إنشاؤها في مناطق ذات طابع طائفي معيّن، وهذا ما أثار مخاوف من تغيير الطبيعة الديمغرافية لبعض المناطق او الأحياء .. لذلك اعتقد ان الحل هو في تنظيم هذا الموضوع عبر وضع "كوتا" وضوابط تطمئن أبناء المناطق وتراعي التنوع المذهبي وحساسية المجتمع اللبناني. وانا دائما اعطي مثالا على ذلك من خلال ​سنغافورة​، فهناك احياء لديها كوتا سكانية لا يمكن تجاوزها، وعلى سبيل المثال لا يمكن ان تتخطى نسبة الماليزيين في حي معين الـ 20% وكذلك الامر بالنسبة للإندونيسيين في احياء اخرى. قد لا يمكن تطبيق ذلك بنفس الطريقة في لبنان، ولكن يمكن تنظيم الامور بشكل يتناسب مع طبيعة المجتمع اللبناني وتنوعه. أضف إلى ذلك ان هذه الملفات بالذات تحتاج إلى شفافية مطلقة، ولا يمكن إعتماد السرية في إصدار هكذا مراسيم نظرا لحساسية الموضوع والمجتمع.

هل تعتقد ان لهذا المرسوم جدوى إقتصادية فعلية ؟ وهل سيرفع من الإستثمارات في لبنان ؟

لا اعتقد ان لهذه الخطوة تاثير كبير على الإستثمارات في البلد، فلو كانت الاوضاع السياسية مستقرة، والوضع العام جيّد، فإن الإستثمارات ستأتي تلقائياً .. فالخليجي مثلا لن يستثمر في لبنان في ظل الاوضاع الراهنة بغض النظر عن موضوع الجنسية والتجنيس، وحتى رجال الأعمال السوريين والفلسطينيين وغيرهم، سيفضلون إستثمار أموالهم في اماكن أكثر إستقراراً من لبنان، ويكون فيها المردود على الإستثمار أعلى، كقبرص وبعض البلدان الاوروبية الأخرى.

إنتشرت العديد من الاخبار عن سعي ​المجتمع الدولي​ والدول المانحة في مؤتمر "سيدر" لإقناع لبنان على دمج اللاجئين في المجتمع وتامين فرص عمل لهم، وهذا ما أثار خوفا أيضا من الوصول إلى التوطين .. ما هي مخاطر الوصول إلى هذه المرحلة ؟ وهل من إنفجار إجتماعي قريب ؟

لا شك ان ملف النازحين هو من اكثر الملفات التي تحتاج إلى حلول، والمشكلة لا يمكن رميها على اللاجئين انفسهم او على المفوضية العليا للاجئين، فإعادة اللاجئين إلى بلادهم يبدأ من خلال التواصل مع ​النظام السوري​ و​الحكومة السورية​ التي أقرت مؤخرا القانون رقم 10 بهدف تخطيط المناطق التي تأثرت بالنزاع الدائر على أراضيها، والذي أثار تخوفا كبيرا لدى لبنان والدول المستضيفة للاجئين من عرقلة عودة الكثيرين إلى بيوتهم واراضيهم. لذلك يجب التوقف عن الرفض المطلق للتفاوض مع الحكومة السورية من اجل الوصول إلى حلول، وتأمين عودة آمنة للاجئين إلى منازلهم ومناطقهم.

نحن اليوم على أبواب موسم الصيف .. ما هي توقعاتك للحركة في هذا الموسم ؟

نحن نأمل بأن نشهد حركة مميزة في فصل الصيف، ولكن في الواقع أنا لست متفائل بعودة كبيرة للسياح والحركة ستقتصر على المغتربين اللبنانيين وبعض السياح العرب والأجانب .. فحتى الان لم نرَ اي خطوات فعلية وحقيقية بإتجاه الإصلاح وتقديم الحلول للملفات العالقة والقطاعات التي تؤدي إلى هدر وتراجع إقتصادي، وعلى رأسها ملف الكهرباء. كما اننا اما إستحقاق مهم ايضا يجب إنجازه بأسرع وقت، وهو تشكيل الحكومة الجديدة لبدء العمل فعليا على الملفات المطلوبة من اجل الحصول على ​المساعدات​ والقروض الموعودة من مؤتمر "سيدر".