في الجزء الأول من مدونة المصرفي البريطاني ريتشارد بانكس، تحدث عن نشأة ​العملات​ الرقمية "Cryprocurriencies"؛ أما مفهوم الـ"cryptocurrency"، فيعني العملة الرقمية التي تُستَخدَم فيها تقنيات التشفير، بهدف تنظيم وحدات العملة، والتحقق من تحويل الأموال، وهي تعمل بشكل مستقل تماما عن البنك المركزي. كما تطرق الى بعض المشاكل الأساسية التي تواجه مفهوم استخدام ​الأصول​ الرقمية في ال​تجارة​. وقد تم التركيز على أوجه القصور في الـ"cryptocurrencies" بذاته، دون التطرق بما يكفي الى القوة التحويلية لل​تكنولوجيا​ التي يرتكز عليها هذا المفهوم.

الجزء الثاني: التحول

تدور إحدى حالات سوء المفاهيم المتكررة في مجال تبادل العملات، حول طبيعة "إخفاء الاسم" في النظام العام؛ فإذا تم تسجيل جميع التعاملات في دفاتر الحسابات الثابتة، والعاملة بنظام الـ"بلوك تشين"، كيف يمكن أن تشكو الأسواق من التزوير؟

هذا السؤال يغوص في قلب التحديات والفرص التي توفرها تكنولوجيا الـ"بلوك تشين"، فاذا كان الشخص يمتلك عملات الـ"​بيتكوين​"، سوف يتم الاحتفاظ بها في ملف إلكتروني يسمى "المحفظة".

أما تقنية الـ"بلوك تشين"، فتوفر سجلا واضحا للتحويلات من وإلى المحفظة، لكنها لا تقدم أي معلومات حول من يمتلك تلك المحفظة. وهذا ما دفع بالمجرمين إلى استخدام "بيتكوين" ومفاهيم "العملات الرقمية" (cryptocurrencies) الأخرى، بشكل متكرر؛ فطالما أن العملة موجودة في النظام، لا توجد أي طريقة ممكنة لتعقب هوية الشخص الذي يمتلك المحفظة.

وفي المقابل، عندما يقرر مالك المحفظة تحويل مقتنيات التشفير الخاصة به إلى أموال حقيقية - وفي هذه الحالة فقط - تصبح هناك حاجة لمعرفة الهوية، وفي الوقت ذاته يكاد يكون من المستحيل إثبات مصدر هذا التشفير.

ومع ذلك ، إذا قام الشخص بتحويل ملكية المحفظة إلى بيئة آمنة وشفافة، عندئذ تصبح إمكانيات الـ"بلوك تشين"، أو التقنيات الأخرى المعتمدة، واضحة، وتبين كيفية تخطي عالم العملات الرقمية "المضطرب".

آمنة وشفافة وفعالة

إذا استطاع كل مشارك في الشبكة، أن يحدد بوضوح لمن تنتمي كل محفظة، عندئذ يمكن استخدام النظام لأي تطبيق يتطلب دفاتر تعاملات عدة، يحتفظ بها العديد من المشاركين، وتحتاج جميعها إلى التوازن في ما بينها؛ وقد يحصل ذلك، على سبيل المثال، في مجال تداول الأوراق المالية أو ​التحويلات​ بين البنوك، حيث يحتفظ كل طرف بدفاتر تعاملاته، التي يجب أن تتطابق في نهاية فترة التعاقد (يوم، أسبوع، الخ)، مع جميع الأطراف التجارية المتداولة.

وكما هو الوضع مع أي نظام معقد، سنرى أمثلة متعددة لحالات من عدم التطابق، الحاصلة في دفاتر التعاملات - والتي ستحتاج بعد ذلك، إلى الموافقة أو الرفض. فإذا فشل دفتر التعاملات من قبل جهة واحدة، أو تم العبث به، سيتأثر النظام ككل بشكل واسع، بسلسلة من الأخطاء المحتملة.

ولكن اذا تم نقل هذا النظام إلى دفاتر موزعة، مع نسخ متعددة، عبر الخوادم المنتشرة من حول العالم، فسيكون على جميع هذه الخوادم التحقق من التعاملات قبل إدخالها الى السجل، ونكون بذلك قد أنشأنا نظامًا أكثر أمانًا وشفافية وكفاءة.

فالإنترنت بذاته هو نظام شبكي لامركزي، متعدد الإطنابات، ومصمم أساسا لمواصلة العمل حتى في حال حدوث أي "تبادل ​نووي​". وبالتالي فإن تقنية "دفاتر التعاملات الموزعة"، تعمل على أساس نظري مشابه.

اذ أنه في نظام الدفاتر التقليدي، يجب على الجهات الخبيثة أو ​القراصنة​، اختراق نظام واحد وتغييره لمرة واحدة فقط، أما في المقابل، في النظام الموزع، فسوف يحتاجون إلى تغيير غالبية السجلات في آلاف الدفاتر المتطابقة. وهذه المهمة أصعب بكثير، إن لم تكن مستحيلة؛ ما يجعل منهجية "الشريط الخطي الرقمي"، "Digital Linear Tape" (DLT) أكثر أمانًا.

مفهوم الـ"DLT" يتوسع

تتم تجربة مفهوم الـ"DLT" وتنفيذه، في جميع أنواع البيئات المالية؛ مثل أسواق الأوراق المالية، أسواق ما بين البنوك، العملات الأجنبية، ​التحويلات المالية​، وغيرها.

لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب، اذ يجري في الوقت الحاضر تطوير ​تطبيقات​ "DLT" للعقود، والسجلات العقارية، والشحن، وتجارة السلع، وإدارة ​الطائرات​، وأكثر من ذلك أيضا؛ فأينما توجد حاجة للسجلات، يمكن اكتشاف إمكانية لتطبيق الـ"DLT".

فالشركات الكبرى تبحث اليوم عن تطوير شبكاتها الداخلية، من أجل استخدام هياكل "DLT"، لضمان الشفافية والأمن، كما أن الحكومات تختبره في أنظمتها المالية؛ فعلى سبيل المثال، تعمل "​مؤسسة النقد العربي السعودي​" (SAMA)، في السعودية، مع شركة "Ripple"، من أجل بناء منصة للمدفوعات، قائمة حول حلول التشفير والـ"بلوك تشين" معا.

وقد لا يلاحظ المستهلكون أو الجمهور الكثير من الاختلافات في ما يتعلق بتطبيق الـ"DLT"، كما أنه لن يقتحم عناوين الأخبار كما فعلت "بيتكوين"، لكن يمكن التأكيد على أهميته البالغة بالنسبة لمستقبل ​الاقتصاد العالمي​ الرقمي الشبكي، وهو أمر يجب على كل رجال الأعمال وصناع السياسات أن يبذلوا جهودًا واسعة لفهمه وتطبيقه.