إنطلاقاً من قناعة تقتضي بأن لا أحد يفيد البلد إلا شعبها، تنبع العديد من الإبتكارات والصناعات، لأنها وبكل بسطة نابعة عن حاجة يعايشها أهل هذا الوطن.

فنواة الحلم.. "الحاجة" .. سواء كانت الحاجة لإثبات الذات، تطوير البلاد أو غيرها.. المهم أن هذه "الحاجة" دائماً تكون "محلية".

وبعيداً عن الكلام المنمّق، شخصيتنا اليوم هي أفضل مثال عن شاب ​لبنان​ي عرف إستغلال "حاجة" بلدته ومواردها ليثمر منها منتجّ محلي صحي 100%.

هذا الشاب الذي ترعرع في بلدة وادي جزين الجنوبية قرر أن يرد الجميل لبلدته ولوطنه من خلال تأسيس صناعية ناشئة تخلق للشباب اللبناني فرص عمل وتساهم من جهة اخرى في حل أزمة هدر وكساد محصول التفاح الذي لطالما عانى منه المزارع اللبناني.

فبفكرته الفريدة خطف الأنظار.. من منا كان يتخيل أن تسهم مشكلة تصريف إنتاج ​التفاح اللبناني​ برقائق صحية وبمواصفات عالمية..

ولنتعرف أكثر على هذا الشاب كان لـ"الإقتصاد" مقابلة حصرية مع مؤسس شركة "Pometto" سمير حرفوش الذي شاركنا أبرز محطات مغامرته الصناعية بداية من تصنيع أول تجربة رقائق من مطبخ منزله المتواضع وصولاً إلى تحويل منتجه إلى شركة صناعية قادرة على المنافسة عالمياً بجودتها ومهنيتها.

-كيف إندمجت مسيرتك الأكاديمية برحلتك المهنية؟

تخرجت من الجامعة الأنطونية حاملاً معي شهادة في ​إدارة الأعمال​، وعملت في عدة شركات، إلا أن فكرة تأسيس مشروع خاص بي لم تغب عن بالي منذ أن إنطلقت حياتي المهنية، وقررت أن أخوض غمار القطاع الصناعي بشكل خاص.

هذا القطاع المفعم بالتحديات يحتاج أيضاً إلى استراتيجيات إداراية كنت قد إكتسبتها من دراستي ال[امعية وخبراتي المهنية السابقة.

-لماذا إخترت القطاع الصناعي بالتحديد، الذي قد يتطلب خبرة واسعة ورأس مال ضخم على عكس القطاع الخدماتي؟

إختياري للقطاع الصناعي نبع من تحدي زرعته في نفسي أولاَ. من جهة ثانية خياري هذا لم يأتي عن عبث، إذ لاحظت أن قطاع ​الصناعة​ الغذائية يشهد نمواً في الأعوام الأخيرة بالمقارنة مع القطاعات الآخرى.

أما فكرة المنتج فأٌلهمت بها بعد تحديدي للقطاع. وكوني من بلدة وادي جزين الجنوبية التي تشتهر بزراعة التفاح، قررت وبعد بحث مطوّل أن أتبنى فكرة رقائق التفاح "​Apple​ Chips" التي كانت موجودة بالأساس في كل من ​أستراليا​ و​كندا​.

إخترت التفاح بشكل خاص، لأني لاحظت أنها من المواد الأولية المتواجدة في السوق اللبناني على مدار السنة، خاصة أننا نصنّع الرقائق يومياً بعد تخزينها في البرادات في اشهر الحصاد.

-ما هي الخطوات الأولى التي إتبعتها لتحوّل هذه الفكرة إلى منتج فعلي؟

بدأت مراحل هذه المسيرة بالقيام بالعديد من الأبحاث، أما ثانياً فإشتريت آلة متواضعة سعرها لا يتجاوز الـ30 دولاراً لأقوم بها بالتجارب الفعلية اللازمة، عندما إقتنعت بالمذاق وآمنت به، إنتقلت إلى المرحلة الثالثة وهي تغليف هذا المنتج بعبوات بلاستيكية متواضعة صغيرة، ومن بعدها بدأت أوزع هذا المنتج على بعض المحامص المتواجدة في المنطقة.

لاحظت أن السوق أُعجب بالمنتج لذا قررت أن أوسع مجال عملي وأتفرغ له بعد أن تقدمت بإستقالتي من الوظيفة السابقة.

-ألم يشكل لك هذا القرار حالة من القلق عن مصيرك المهني الثابت؟

لا شك أن قرار كهذا ليس بالقرار السهل، ولكني آمنت بقدراتي، وآمنت أنها اللحظة المناسبة لإستغلال فرصة كهذه وأخوض كل خباياها، وإلا سيكتب علي وعلى منتجي أن يبقى بنفس الحجم في السوق.

كنت مقتنع بأن ليس هنالك ما أخسره فأنا في مرحلة عمرية تسمح لي بأن أجرب جميع الخيارات المتاحة أمامي.

تركت وظيفتي الثابتة،وإشتريت آلة أكبر من مدخرات كنت قد جمعتها في السابق، ما ساعدني أيضاً أني لم أكن مديوناً لي جهة وشخص وبالتالي هذا ما أعطاني جرعة من الأمل عنوانها "إتبع حلمك، فليس هنالك ما تخسره".

في أيار من العام 2016 بدأت أعمل بشكل كلي ورسمي على منتجي "Pometto"، بعد أن كنت أعمل عليه في السابق في منزل العائلة، قررت أن أتخذ مقراً للشركة في وادي جزين.

-كيف تمكنت من ان تجمع بين الشق الإداري والميداني خاصة أنك تقوم بتصنيع المنتج بنفسك؟

في البداية كانت الأمور تسير بسلاسة لأني كنت أعمل على نطاق متواضع، ولا يمكنني أن أنكر فضل عائلتي وأصدقائي المقربين الذي ساعدوني لأطور المنتج.

أما على صعيد القطاع الصناعي فلا يمكن لأحد أن يتعلمه إلا إذا كان متواجداً خلال عملية التصنيع بنفسه، فهذه الخبرات لا يكتسبها الشخص في الجامعة أو بين طيات الكتب.

-هل إيمانك بالفكرة وحده كان كفيلاً بخوضك هذه المغامرة؟

إيماني بالفكرة كان موجوداً من البداية، ولكني أعتبر أن إيماني بقدراتي هو الذي دفعني نحو هذا المصير. فأنا مؤمن أنه يمكن لأي فكرة أن تنجح إذا آمن صاحبها بطاقاته أولاً.

-ما هي الأخطاء التي تعلمت منها في مراحلك التأسيسة؟

لا شك أن كل شركة ناشئة تمر بمطبات، وهذا ما حاولنا في "Pometto" أن نتفاداه من خلال تكثيف التركيز على مرحلة الأبحاث، لأن الخطأ في القطاع الصناعي مكلف، خاصة أن ميزانيتنا محدودة فنحن لسنا بمستثمرين مما يتطلب منادراسة كل خطوة بتأني كبير.

-كيف إستطاع منتجك الجزيني من تحقيق هذاالإنتشار واسع على الأراضي اللبنانية؟

كما ذكرنا سابقاً، البداية كانت بسيطة، من مطبخ منزلنا المتواضع في جزين كنت أصنّع وأغلف الرقائق بعبوات بلاستيكية ومن ثم أتجه إلى المحامص والمتاجر لأعرض عليهم هذا المنتج الجديد على السوق اللبناني. التحدي الأكبر كان في إقناع الأشخاص والمؤسسات بهذه الفكرة الجديدة.

ومن نقطة بيع إلى آخرى تمكنت من توسيع قطر إنتشار "Pometto".

بعد فترة إستلم والدي الإشراف على شق التصنيع مما سمح لي أن أتفرغ أكثر للتوزيع والإنتشار في السوق، وعندما تفرغت للسوق بت قادراً على تحديد مكامن الضعف والقوة المنتج لأتمكن من عرضه وتوزيعه بشكل أفضل، وبالتالي قمت بخلق هوية تسويقة خاصة لـ"Pometto" وغيّرنا العبوات البلاستيكية لتتناسب مع متطلبات السوق.

-من خلال هذه المغامرة الشقة ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها؟

برأي التحدي الأقوى يكمن في إختراق السوق بمنتج جديد، وخلق "حاجة" له بالنسبة للمستهلك.

-كيف تطور سير العمل بتصنيع المنتج الجزيني في المنزل إلى شركة تؤمن فرص عمل؟

لا شك أن منتجنا لا يزال في مراحل الإنتشار في السوق اللبناني، إلا أنه تفوّق على نفسه بعد أن كان يعتمد على شخص واحد للبحث، والتصنيع والتوزيع، نحن الآن نوكل شركة محلية للتوزيع في السوق بالإضافة إلى مندوبينا الخاصين.

أما أنا فأستلم أيضاً التعامل مع عدة شركات كبرى، ومؤخراً أرسلنا طلبية لدراسة طرحها في بلد عربي.

-أين ترى "Pometto" في الأعوام الخمس القادمة؟

أتوقع أن يكون "Pometto" منتشراً بشكل أوسع في لبنان وأن يكون متواجداً في السوق بنسبة 25% من نقاط البيع.

-من خلال تجربتك الخاصة، ماذا يحتاج القطاع الصناعي اللبناني لكي يتمكن من ضم عدد أكبر من ​الشباب​؟

لا شك أن القطاع الصناعي بأسره يواجه العديد من التحديات، والمشكلة الأكبر أن الحلول المطروحة ليست جدية وقريبة من أرض الواقع، وبالتالي هذا لا يشجع الشباب على الإستثمار في القطاع الصناعي.

التحدي الذي نواجهه يومياً يمكن بأسعار ​الطاقة​ التي تفوق في حالتنا في "Pometto" تكلفة المنتج الأساسي وهو "التفاح"، وهذا ما دفعني إلى تأسيس مقر الشركة في بلدتي بجزين لأن تكلفة مولدات ​الكهرباء​ و​الإيجارات​ أقل من ما هي عليه في بيروت، وهذا كله يؤثر على السعر النهائي للمنتج.

التكلفة المرتفعة منقسمة بين الجزء الأكبر وهو تكلفة الطاقة، وثانياً غياب الدعم من ​الدولة اللبنانية​ التي لا تبيعنا بسعر الدعم، ولو فعلتلساهمت في تصريف المحصول من جهة وخففت من الهدر وساهمت في تخفيض تكلفة الرقائق.هذا الحل لا يكلف الدولة اللبنانية الكثير التي بإمكانها أن تقوم بالعديد من المبادرات غير المكلفة لدعم القطاع الصناعي اللبناني كالقيام بمعارض للمنتجات اللبنانية ودعوة البلاد المجاورة وغيرها لحضورها مما يساهم في تسويق الصناعات اللبنانية.

أما على صعيد المنافسة على يدالعاملة المحلية، نحن في "Pometto" لا نوظف أجانب، وبالتالي نساهم في توظيف أبناء البلدة الذين يحتاجون إلى المؤسسات المحلية.

نحن لا نشجع الصناعة الوطنية فحسب بل العمالة المحلية أيضاً.

وأن أشدد على ضرورة دعم الصناعات الناشئة لتستمر في هذا الوضع، فإذا تعثرت في سنواتها الأولى ستحرم فيما بعد من الدخول في دورة إقتصادية متكاملة قادرة على خلق فرص عمل.

على صعيد "Pometto" ، نحن قادرين على إثبات قدراتنا في السوق العربي الذي يفتقر إلى زراعة التفاح بالوفرة التي ينعم بها لبنان.

-ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب في لبنان؟

عادة ما أسمع العديد من الشباب الذي يطموحون لتأسيس مشاريعهم الخاصة، ولكن هذا الطموح يبقى "أمنية" للأسف.. وبالتالي أقول لهم أن ينتبهوا أكثر للفرص وأن يستغلوها مباشرة ومن دون تردد أو خوف!