"من يجرؤ على ذلك" كان هذا هو أحد أبرز إعلانات شركة "بي إم دبليو" لإنتاج السيارات في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، بوضع العبارة السابقة على صفحتين لإحدى الصحف العالمية وبجوارها العلامة التجارية للسيارة دون أية تفاصيل أخرى.

5 آلاف إعلان يوميًا

وعلى الرغم من أن هذا الإعلان يبدو بمثابة "استعراض" لقوة الشركة الألمانية، التي لم تورد أية معلومات تقنية أو سعرية عن سياراتها، إلا أن حقيقة الأمر أن الإعلان لا يتعد كونه تحقيقا لهدف "التعرض".

ويعني مفهوم التعرض: أن يمر الإعلان أمام أعيننا أو أن نسمعه حتى لو لم نهتم به، أو لم ندرك كافة تفاصيله، لأنه عُرِض أمامنا سواء ألقينا له بالًا أو لم نفعل يستقر في اللاوعي شئنا أم أبينا.

وتشير تقديرات من يعتبره كثيرون ​مؤسس​ ​علم​ التسويق الحديث فيليب كوتلر، إلى أن ​المستهلك​ يتعرض لقرابة 5 آلاف إعلان يوميًا، قد يكون بعضها متكررًا، سواء خلال حركته في الشارع برؤية اللوحات الإعلانية أو خلال تصفحه شبكة الإنترنت أو تعامله مع الإعلام التقليدي.

ولتبيان أهمية مفهوم التعرض يمكن النظر إلى شركتين مثل "​بيبسي​" و"​كوكاكولا​"، فالشركتان تتنافسان عالميًا على سوق المشروبات الغازية بمشاركة بعض الشركات المحلية أو الإقليمية غير أنهما تواصلان ​الإنفاق​ بكثافة على الدعاية.

 وأنفقت "بيببسي" 2.4 مليار دولار سنويًا على الدعاية والإعلان كميزانية سنوية للدعاية خلال كل عام من الأعوام الأربعة المنقضية، بينما بلغت ميزانية الدعاية لكوكاكولا عام 2016 أربعة مليارات دولار، وزادت كثيرًا عما كانت عليه في 2013 أي 3.3 مليار فقط.

لا تفاصيل.. فقط لاوعي

والملاحظ هنا أن ​الإعلانات​ في غالبيتها لا تتحدث عن تفاصيل المنتجات للشركتين، وهي بطبيعة الحال محدودة، ولكنها فقط تذكّر الناس بالمنتجات من خلال العلامة التجارية التي تنتشر في إعلانات الشوارع وعلى ​شاشات​ التلفاز و​مواقع الإنترنت​.

فالهدف الرئيس من الإعلان هنا هو عمل ربط غير مباشر وغير محسوس بين المُنتَج والرسالة التي يحرص المُنتِج على ربطها بمنتجه، مثل "اروى عطشك" بحيث يشعر المستهلك برغبة لشرب المنتج إذا شعر بالعطش.

وكشفت دراسة لعالم علم النفس روبرت بورنستاين أن الشركات تحرص على أن تكون الإعلانات موجهة بحيث تصل للاوعي للمستهلك وليس لعقله الواعي، ولذلك من خلال تجنب إدراج الكثير من التفاصيل في إعلاناتها.

والهدف من ذلك هو ألا يتمكن المستهلك من التفكير وتحليل الرسالة المرسلة إليه من الإعلان، وهو ما سيفعله إذا وصلت الرسالة إلى عقله الواعي، ولكنه لن يستطيع فعل ذلك إذا وصلت الرسالة للاوعي.

ولذلك لا تسعى الشركات إلى إقناع المستهلكين "عقليًا" بالمنتجات، ولكنها تسعى لتكرار الرسالة الإعلانية أمامهم مرات ومرات، حتى يشعروا بـ"حتمية" الحصول على المنتجات بغض النظر عن احتياجهم لها.

في الكساد.. التعرض أهم

ويقول بورنستاين إنه لهذا السبب فإن المستهلكين كثيرًا ما يشعرون بأنهم يحبون منتجًا بعينه، وعندما يسألون عن سبب تفضيلهم لهذا المنتج لا يجدون سببًا منطقيًا، غير أنهم يظلون على رغبتهم في الحصول عليه دون غيره.

وبسبب الأهمية الفائقة لمفهوم التعرض، فإن شركة مثل "سامسونغ" تنفق 4 مليارات دولار سنويًا على الإعلانات، لتأتي في المرتبة الثانية من حيث الإنفاق في الشركة بعد الأبحاث والتطوير.

واللافت هنا مع تراجع الكثير من الأسواق أن بعض الشركات، ولاسيما الصغيرة، تتجه إلى اقتطاع جزء من ميزانية الدعاية للعمل على توفير النفقات للعمل على إبقاء الأرباح في مستويات مرتفعة.

غير أن كوتلر يرى أنه مع حالات الكساد والأزمات الاقتصادية فإنه يجب أن يزيد الإنفاق على الدعاية ولا ​يقل​، ويقول "إذا كان على الشخص أن يرى الإعلان 100 مرة وهو ميسور الحال لكي يشتري المنتج فإنه عليه أن يراه أضعاف ذلك ليشتريه إن كان متعسرًا".