انطلقت في بيروت اليوم أعمال الاجتماع العام السابع والعشرين لـ "مجموعة العمل المالي لمنطقة ​الشرق الأوسط​ وشمال ​أفريقيا​" MENAFATF، المتخصّص بمكافحة غسل الأموال وتمويل ​الإرهاب​. وتحدث في الافتتاح كل من حاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة ورئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمين عام هيئة التحقيق الخاصة ونائب رئيس مجموعة "إغمونت" عبد الحفيظ منصور الذي مثّل لبنان كرئيس في هذه الاجتماعات. كما تحدث أيضا السكرتير التنفيذي لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الوليد آل الشيخ، وشارك في الافتتاح نائب الرئيس صبحي مصباح الزيد وأكثر من 160 مشاركاً مثّلوا دول المنطقة وبعض البلدان الأجنبية، إضافة لوفود المنظمات الدولية. وتناقش هذه الاجتماعات سُبل تطوير الحلول من اجل مكافحة تمويل الارهاب وغسل الأموال وتعزيز تبادل الخبرات والتواصل وتذليل العقبات بين الدول للتأكيد على أهمية الالتزام بالمعايير الدولية في هذا المجال.

وتحضيراً لهذا الاجتماع انعقدت خلال الأيام الثلاثة الماضية، اجتماعات تمهيدية شملت: لجنة منتدى خبراء مكافحة ​تمويل الإرهاب​، لجنة التقييم الوطني للمخاطر، لجنة التخطيط الخاصة لمراجعة الخطة الاستراتيجية، لقاء منتدى وحدات المعلومات المالية، فريق عمل ​المساعدات​ الفنية و​التطبيقات​، وفريق عمل التقييم المتبادل.

وخلال الإفتتاح، تحدث سلامة، فقال: "ساهم لبنان بفعاليّة في تأسيس الـ MENAFATF في العام 2004 وتوّلى بعد ذلك رئاستها الأولى في العام 2005 بشخص د. محمد البعاصيري. وندرك دور "المينافاتف" المحوريّ في المنطقة لتبنّي وتنفيذ التوصيات الصادرة عن مجموعة العمل المالي "الفاتف" في شأن مكافحة ​تبييض الأموال​ وتمويل الإرهاب". وينعقد اجتماعنا في وقت تواجه فيه المنطقة تحدّيات عديدة، بعضها ناجم عن ارتدادات الوضع السياسيّ وال​أمن​يّ وأعمال الإرهاب التي استهدفت العديد من بلداننا، وبعضها الآخر ناجم عن التعديلات المستمرة التي طرأت على المعايير وقواعد العمل الدولية في إطار مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. من هنا تكمن أهمية الحوار وتبادل الأفكار والعمل المشترك، خاصة وأنّه لدينا الخبرة والمعرفة الكافية بالمستجدات والسبل الأنسب لمكافحة هذه الجرائم ولتحصين النظم القانونية وللعمل على تحسين الفعالية العملية لأنظمتنا. إن تطوّر عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والأساليب المعتمدة باتت تُسابق وسائل مكافحتها، وتفرض علينا جميعاً بذل الجهد المتواصل لمواجهة هذا التحدّي. ففي ظلّ العولمة وتطور التكنولوجيا، توّسعت أبعاد هذه الجرائم لتطال مختلف المجالات سواءً كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنيّة، ممّا زاد في صعوبة كشفها، وجعل عملية مكافحتها أكثر تعقيداً. كما أصبح معلوماً أن مكافحة جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لم تعد شأنًا محلياً ينحصر في حدود دولة ما، وإنما أصبحت هدفاً للمجتمع الدولي بأسره. وهذا الأمر يتطلب مضاعفة الجهود، ممّا يستوجب فعاليّة أكثر في نطاق التعاون الدولي وتبادل المعلومات. فبتنا نشهد على سبيل المثال، ارتفاعاً في عمليات الاحتيال التي تتمّ عبر الإنترنت، واستغلالا في وسائل الدفع، كالبطاقات المدفوعة سلفاً، وتطوراً في مجال النقود الافتراضية كالـ "​بيتكوين​" Bitcoin، حيث يواجه الكثير من دول العالم صعوبات في ​رقابة​ عمليات التداول بها.

وأشار إلى أن تطبيق لبنان للمعايير الدولية يبقى أولى الأوليات بالنسبة إلينا، كون هذا الأمر يحمي مجتمعنا واقتصادنا من هذه الجرائم، ويعزّز الاستقرار النقدي وسلامة قطاعنا المالي والمصرفي ويحميه من المخاطر، سيّما مخاطر السمعة. ويشارك لبنان في هذا الإطار بكل مؤسساته المعنيّة في القطاعين العام والخاص بالعمل الجدّي للمحافظة على نظام فعّال لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال جهود هيئة التحقيق الخاصة وتعاونها مع الجهات الخارجية والداخلية بما فيه لجنة التنسيق الوطنية لمكافحة تبييض الأموال واللجنة الوطنية لقمع تمويل الإرهاب. وأشار إلى القوانين التي أصدرها لبنان في هذا المجال، ومنها: "القانون المعدّل لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وقانون تعديل المادة المتعلقة بجريمة تمويل الارهاب في قانون العقوبات اللبناني". كما ذكر التعاميم التي أصدرها كل من مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة لتفعيل نظام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب".

وعلى صعيد التعاون الدولي، قال سلامة: "نحرص على التعاون في كافة طلبات المساعدة الخارجية أكان على صعيد تبادل المعلومات أو التعاون القضائي وصولاً لاسترداد الأموال والمجرمين كما تنصّ عليه القوانين اللبنانية".

وحول مكافحة الإرهاب وتمويله، قال إن لبنان يشارك في المجموعة الدولية لمحاربة تنظيم ​داعش​ (CIFG)، ويرأس أحد فريقي العمل العاملين في هذه المجموعة. كما شارك لبنان في دراسة أجرتها مجموعة إغمونت عن "تنظيم داعش". وختم سلامة قائلا أن موضوع ​مكافحة الفساد​ هو "من ضمن أولوياتنا العامّة وكذلك من ضمن أولوّياتنا لرئاسة مجموعة "المينافاتف" هذا العام".

ثم تحدث عبد الحفيظ منصور، فقال: "يبقى موضوع الإرهاب وانتشار ​أسلحة​ الدمار الشامل ومكافحة تمويلها خطراً قائماً، فبرغم تراجع وجود تنظيم "داعش" ونظيراته في المنطقة، لا تزال هذه الجريمة تهدّد أمن دولنا واستقرارها، وللأسف فقد تعددت هذه الظاهرة حدود المنطقة مهدّدةً الأمن والإستقرار في الكثير من دول العالم. لذلك نرى ضرورة تكثيف الجهود وتفعيل التعاون الإقليمي والدولي، وأشدد على كلمة التعاون العملاني والمؤسساتي لأنها المفتاح الأساسي في عملية المكافحة وفعاليتها. كذلك على صعيد آخر نرى ضرورة تبادل الخبرات بين الدول الأعضاء والمراقبين والجهات المعنية الأخرى في هذا المجال لتطوير قدراتنا وإرساء أسس المكافحة الفعّالة في هذا الشأن. من أجل ذلك، إن المجموعة ستعمل لعقد فعاليّة خاصة لهذه الغاية على هامش اجتماع مجموعة "المينافاتف" المنوي انعقاده في بيروت خلال شهر نوفمبر القادم، يجمع خبراء إقليميين ودوليين لتبادل الخبرات والوقوف على آخر المستجدات في الموضوع".

وأضاف أنه في ظلّ التطورات السريعة التي يشهدها القطاع التكنولوجي، باتت ​الجرائم الإلكترونية​ تشهد انتشاراً متزايداً، وتكمن خطورة هذه الجريمة في سرعة حدوثها وسرعة انتقال الأموال من بلد إلى آخر. وختم قائلا أن موضوع مكافحة الفساد يصّب أيضاً ضمن أولويات الرئاسة الحالية، نظراً لما يمّثله من خطرٍ قائم ومستمر على المجتمع والإقتصاد في المنطقة.

أما الوليد آل الشيخ، فقال: "تأخذ MENAFATF على عاتقها مسؤولية التصدّي لجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي بذلك في مسعى متواصل مع الدول الأعضاء فيها لمساعدتها في رفع مستوى التزامها بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما يسمح لها بمواكبة و​تحديث​ المنظومة التشريعية والقانونية لديها، خاصةً في ظلّ تزايد وتطوّر الأنشطة المالية والمصرفية عبر الحدود وتعدد التقنيات المستخدمة في ذلك، كما تمتدّ جهودها في التواصل مع شركائها من المنظمات الإقليمية والدولية لتعزيز سياساتها وآلياتها في هذا الصدد، ونقل المعارف والخبرات لفائدة الدول الأعضاء فيها".

وختم قائلا: "مواصلة لسعي المجموعة لتعزيز علاقاتها مع المنظمات الإقليمية والدولية والمجموعات النظيرة، وتعزيزاً لمكانتها بين هذه المجموعات وتفرّدها بالسمعة الطيبة التي اكتسبتها في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فقد حصلت المجموعة مؤخراً على مقعد مراقب لدى مجلس المحافظين التابع لصندوق النقد العربي. من جانب آخر، وافق الاجتماع العام السادس والعشرون على طلب عضوية مقدم من جمهورية ​جيبوتي​ للانضمام كعضو في المجموعة. كما أن هنالك طلباً آخر مقدم من جمهورية ​الصومال​ لنيل العضوية الكاملة في المجموعة".

وتجدر الاشارة إلى أن "MENAFATF" تأسست العام 2004 إثر اجتماع وزاري في ​المنامة​ بالبحرين، حيث قررت حكومات 14 دولة عربية إنشاءها من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بهدف إنشاء نظام فعال يتعين على الدول تنفيذه بما لا يتعارض مع قيمها الثقافية وأطرها الدستورية ونظمها القانونية وتكون على غرار "مجموعة العمل المالي" FATF وتضم المجموعة اليوم 20 بلدا.