صحيح ان واقع المرحلة الراهنة هو نتيجة ما بذل ويبذل من اجل إنعاش ​اقتصاد​ الريع المالي منه او العقاري على حساب الانتاج، سيما وان كل الاستثمار تم تصويبه في خانة ​الودائع​ والاراضي ذات المردود الكبير بعيداً عن الضرائب بينما الانتاج هو مكلف وغير مضمون للأسف. الا ان هذا الانتاج المهمل مع وصول الشلل الى مكوناته لن يستطيع خدمة المقلب الاول اذا لم يعطى حقه. والعرض الكبير المفتوح على ​العقارات​ والشقق مقابل الطلب الضعيف جداً يشهد على صوابية الخطأ الذي ارتكبه راسمو السياسات الاقتصادية ومنفذوها في لبنان.

واذا كانت هندسات " المركزي" تتدخل في كا مرحلة للحؤول دون الكارثة مع ضخ رزم من التحفيزات المساعدة على تمويل ال​قروض​ السكنية، فإن الصدمة الناتجة عن توقف ​المصارف​ في تأمين القروض السكنية المدعومة اثار بلبلة كبيرة وطرح جملة علامات استفهام بدون ان يتم تحديد هوية المستفيدين من هذا الإجراء المفاجئ.

الاضرار كانت كبيرة واصابت بشظاياها على حد سواء:

1- المقترضين من ذوي الدخل المحدود الذين كانوا ينوون شراء مسكن عن طريق المؤسسة العامة للاسكان. وبعضهم من كان سدد الدفعة الاولى بانتظار استكمال المستندات الاخرى المطلوبة بعد نيل موافقة المصرف والمؤسسة على طلبه.

ومن المعلوم ان بعض التطمينات وصلت الى هؤلاء بان القروض ستستكمل مجراها، وان بوتيرة اقل سرعة خصوصاً ان الموافقة المسبقة بحوزتهم من قبل الجهتين اي المؤسسة والمصرف.

2- الذين كانوا ينوون ​الاقتراض​ لشراء المسكن فاقفلت في وجههم ابواب الدعم واصبح امتلاك الشقة في لبنان بعيد المنال ، بسبب عدم توافر ​السيولة​ اللازمة التي تعطي ثمن الشقق المعروضة من جهة ونفاذ القروض من المصارف المشمولة ببرنامج القروض الاسكانية من جهة اخرى.

3- اصحاب العقارات والمباني الذين يتخبط معظمهم في ازمة حلولها غير مؤكدة اقله في المدى المنظور مع تفوّق لافت للعرض على الطلب، واضطرار قسم كبير منهم الى الدخول في بازار التخفيض للأسعار، كي يستطيع الايفاء بالتزاماته تجاه المصارف.

في 15 آذار، كان الاعلان الرسمي بان القروض السكنية على حساب المؤسسة العامة للاسكان ستجمد بعد نفاذ ​القروض المدعومة​ من المصارف.

وفي 18 نيسان، نجح الاجتماع الثلاثي المسائي في السراي الكبير بين رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ و​وزير المال​ ​علي حسن خليل​ ووزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي بضخ الحياة مجددا في المؤسسة العامة للاسكان فتقرر استئناف قبول الطلبات واقرارها وبالشروط السابقة نفسها وبشّر الوزير بيار بو عاصي من السراي بأن أزمة قروض الاسكان في طريقها الى الانتهاء واعدا بحل مستدام تقدمت به وزارة الشؤون بانتظار التوافق السياسي في ​مجلس الوزراء​، وكشف الوزير حسن خليل وأن وزارة المال ستمنح المؤسسة العامة للاسكان اعتمادا جديدا بقيمة ألف مليار ليرة للبدء بتلقي طلبات جديدة.

وشرح وزير المال أن المعيار الأساس للمستفيدين من القروض المدعومة هم أصحاب الدخل المحدود جازما أن الفوضى التي شهدتها السنوات الماضية لن تتكرر.

ومن المعلوم انه خلال اجتماع السراي نقل المجتمعون الى رئيس الحكومة رفض بعض المصارف الالتزام بتسيير الطلبات التي سبق وتمت الموافقة عليها، وفي الاتصال الهاتفي الذي أجراه الحريري بحاكم ​مصرف لبنان​ خلال الاجتماع طلب معالجة هذا الموضوع وإتخاذ الاجراءات اللازمة بحق المصارف التي لا تلتزم، و أن المجتمعين نقلوا للحريري الاسباب الجوهرية التي أدت الى أزمة القرض السكني وشرحوا له أن مصرف لبنان ضخ في ​المصارف اللبنانية​ خلال شهر ونصف 3 الاف مليار ليرة استخدمت منها المصارف فقط 1200 مليار لدعم القروض اما الـ1800 مليار الباقية يقال إنها اختفت.

اختفت او صرفت لأغراض القروض السكنية ، انها حكاية طويلة يبدو انها ستطوى في هذه المرحلة عشية الانتخابات النيابية، الا ان معاودة الانطلاقة للقروض تبقى رهينة الخطة التي سيرفعها وزير الشؤون الاجتماعية الى مجلس الوزراء كما هو مرتقب في اول جلسة ، على ان تحدد فيها ألآلية الجديدة لتوزيع القروض والمفترض ان تكون مضبوطة في موضوع تحديد الجهات المستفيدة وفي سقف قيمة كل قرض يعطى.

وفي هذا السياق، كان رئيس مجلس و مدير ​المؤسسة العامة للإسكان​ ​روني لحود​ قد اكد ، "ان الحل الذي توصل اليه حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ خلال الاجتماع الذي حصل مع رئيس ​الحكومة​ سعد الحريري و​وزير المالية علي حسن خليل​ ووزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي، ان ينتقل الدعم على الفوائد لقروض الاسكان من ​المصرف المركزي​ الى عهدة ​وزارة المالية​"، مشيرا الى "ان الدعم سيكون هذه المرة لذوي الدخل المتوسط والمحدود حتى 3600 دولار اي 8 مرات الحد الادنى للأجور، و​القروض​ ستبقى كما كانت اي 270 مليون ليرة كحد اقصى" .

الوسطاء العقاريين

اما نقيب الوسطاء والإستشاريين العقاريين (Real) وليد موسى فقد دعا مجلس النواب إلى "تحرّك عاجل قبل فوات الأوان" و"اتخاذ الخطوات اللازمة قبل انتهاء ولايته، لإنقاذ القروض الإسكانية المدعومة وتأمين استمراريتها"، مؤيداً في هذا الإطار آليتين جديدتين مطروحتين على المجلس وعلى الجهات الحكومية المعنية "تتيحان للمصارف الإستمرار في توفير هذه القروض من دون تكبيد خزينة الدولة أية أعباء مالية إضافية، مما يجنّب لبنان أزمة اجتماعية كبيرة، ويساهم في تنشيط ​القطاع العقاري​ والقطاعات الكثيرة المرتبطة به".

وكشف موسى أن الفكرة الأولى تتمثل في"أن يكون الدعم الحكومي للمصارف من خلال حسم جزء من الضرائب المتوجّبة عليها للدولة في نهاية السنة، وبذلك لا يتم تمويل الدعم من خزينة الدولة إنّما من خلال الإستغناء عن جزء من عائداتها الضريبية من المصارف". وأضاف: "هذا الطرح يمكّن المصارف من الإستمرار في توفير القروض الإسكانية المدعومة، وبالتالي تساهم الدولة، من خلال هذا الربح الفائت عليها، في توفير عنصر استقرار اجتماعي مهمّ وحيوي، وفي تحريك القطاع العقاري و​الإقتصاد اللبناني​ ككلّ".

أما الفكرة الثانية، بحسب موسى، "فتنطلق من المبدأ نفسه، وهو استمرار الدعم من دون تحميل كلفته لخزينة الدولة". وأشار موسى في هذا الإطار إلى أن "مشروع ​موازنة​ 2018 الذي لَحَظ خفضَ الرسم على تسجيل العقار من 5 في المئة إلى 3 في المئة من قيمته إذا كان ثمنه لا يتجاوز 375 مليون ليرة لبنانيّة". وإذ وصف موسى هذا البند بأنه "مبادرة إيجابية ممتازة ومطلوبة"، رأى أن "في الإمكان تقليص هذا الخفض نصف نقطة، بحيث يصبح رسم التسجيل 3.5 في المئة، على أن يتم تخصيص الإيرادات المتأتية من نصف النقطة هذه لدعم القروض الإسكانية، وتبقى حصّة الدولة 3 في المئة".

المصارف

ولكن اين هي المصارف من كل هذه البلبلة الاسكانية ؟

رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه الذي دافع عن موقف القطاع قال نحن متهمون بأننا موّلنا الشعب اللبناني ليشتري وحدات سكنية. وحدد ما يقدمه القطاع المصرفي من قروض حيث زادت القروض الشخصيّة الممنوحة من المصارف في العام 2017 بنسبة 8،1%، وهي تشمل بخاصة القروض التعليمية والقروض السكنية، وقد أمّن القطاع المصرفي من خلال مختلف آليات الإقراض السكني مسكناً لحوالى 131 ألف أُسرة لبنانية في مختلف المناطق، ما رفع حجم محفظة القروض السكنية الى نحو 13 مليار دولار في نهاية العام 2017؛ وهي بمعظمها لصالح ذوي الدخل المحدود وبفوائد متدنّية ومدعومة، علماً انه أضيف الى هذه المحفظة خلال العام المنصرم أكثر من 6 آلاف قرض سكني جديد، كدليل إضافي على أن الإستقرار الإجتماعي هو من أولويّات المصارف اللبنانية.ورحّب بالمبادرة التي ولدت في السراي لحل الازمة .

في النتيجة، حُلت ام لم تُحل بعد مسألة القروض السكنية ! فالمطلوب ايجاد سياسة اسكانية واضحة تمنع تكرار هذه الازمات علماً انها ستكون من مسؤولية حكومة جديدة و برلمان نيابي تشريعي جديد ، وهذا لن يكون بالمدى المنظور. لذلك فإن اي تدابير راهنة هي للترقيع ولايمكن اعتبارها حلولا مفيدة.