انعقد مؤتمر "​سيدر​" وحصد النتائج الا ان المواقف التقويمية له مستمرة بعدما سبقتها التوقعات قبله.

خلال مواكبته لمؤتمر"سيدر" قال صندوق النقد الدولي​ كلمته في التقرير الذي قدمه إلى المجتمعين، لافتاً الى إن الإصلاحات التي تقدم اللبنانيون بها وهي خفض العجز 5% من ​الناتج المحلي​ خلال 5 سنوات، إضافة إلى تنفيذ المشروع الاستثماري الذي قدمه لبنان، سيجعل منه بلداً أقوى من حيث ماليته واقتصاده ويبعده عن الانهيار ومخاطره. وعبر ممثل الصندوق عن ارتياحه للاستقرار في البلد، ولو أن هذا الاستقرار يمر بمراحل صعبة، لافتاً الى أن الاصلاحات إضافة إلى التمويل الذي يحصل عليه يحسّن وضعه. المقاربة عادة تنظر إلى الدين مقارنة بالناتج المحلي، فهذه ​المشاريع الاستثمارية​ ستخلق نمواً، ولذا نسبة الدين للناتج المحلي ستتراجع أما تطبيق البرنامج كما تحدث المجتمعون عنه فهو مسؤولية ​الحكومة​ التي ستأتي بعد الانتخابات. كما اعرب عن اعتقاده أن هناك إدراكاً لدى الجميع أن لبنان بحاجة إلى الأرضية اللازمة لبنية "سيدر" الى قروض مقرونة باصلاحات وتعهدات.

مؤخرا ً، اصدرت وكالة التصنيف الدوليّة "موديز" (Moody's Investors Service) تقريراً بعنوان "الإلتزامات الدوليّة بالإستثمار هي حدث إيجابيّ للبنان" رحبت من خلاله برزمة الدعم التي تمّ التعهُّد بها للبنان من المانحين حول العالم.

وأضافت "موديز" أنَّ نتائج هذا المؤتمر، الذي هو الرابع من نوعه، ستكون مغايرة لنتائج المؤتمر الذي سبقه (باريس 3 - عام 2007)، والذي بالكاد تمكّن لبنان من الإستفادة من نصف المُساعدات المُقدَّمة له بواسطته (أي حوالى 7.6 مليارات دولار) بسبب عدم تبنّي الإصلاحات المطلوبة، وذلك لأنه تتوقَّع الوكالة أنّ يتمّ تطبيق الإصلاحات بشكل أكثر صرامة وعلى نطاق واسع هذه المرّة.

وقد أشارت الوكالة إلى أنَّ العودة إلى إقرار الموازنة العامّة للبلاد بشكلٍ منتظم تعكس إرادة الدولة بضبط أوضاع الماليّة العامّة. بالإضافة، ودائماً بحسب "موديز"، إن التنفيذ الناجح والفعّال لبرنامج الإنفاق الإستثماري (Capital Investment Plan) الذي وضعته الحكومة اللبنانيّة مؤخّراً وتناوله مؤتمر "سيدر"، والذي يركّز بشكلٍ أساسي على قطاعات النقل، المياه والريّ، و​الكهرباء​، بإمكانه أن يُؤدّي إلى تحسُّن ملحوظ في النمو الإقتصادي للبنان.

المؤتمرات السابقة التي عقدت من اجل لبنان اوصت بسلسلة اجراءات . ولكن ماذا كان يجب ان يطلب من هذا المؤتمر كي لايأتي على غرار المؤتمرات الاخرى؟

غبريل

مدير الابحاث في "​بنك بيبلوس​" نسيب غبريل الذي يؤيد فكرة ان مؤتمر" سيدر" هو دعامة للاستقرار الاقتصادي والمالية العامة في لبنان حيث ان التعهدات الدولية تعكس هذا الجانب كما الثقة بدور لبنان يلفت الى التوصيات الصادرة عن المجتمع الدولي بضرورة المضي جدياً بالاصلاحات مما سيساعد في الإفادة من هذه القروض الممنوحة .

ويقول غبريل "للاقتصاد" : هنا المسؤولية الكاملة على عاتق السلطتين التنفيذية والتشريعية. فالتجارب السابقة من خلال المؤتمرات التي عقدت من اجل لبنان مثل باريس-1- باريس -2-باريس -3- لم تكن ناجحة. واليوم فرضت هذه الشروط مقابل القروض على ان تطبق الاصلاحات في مهلة زمنية ضمن برنامج متناسق ومحدد لتحسين الموازنة وادارة المالية سيتم اعداده بعد الانتخابات النيابية.

ومن اهم الاصلاحات تخفيض العجز في الموازنة العامة بنسبة 5% من اجمالي الناتج المحلي في السنوات الخمس المقبلة بواسطة مجموعة من الاجراءات المتعلقة بالواردات.

وبرأي غبريل كان من المفترض تطبيق الاصلاحات في الادارات وسائر القطاعات قبل الذهاب الى مؤتمر "سيدر" لأن إقرار الموازنة ليس كافياً علما ً ان كل فريق يتحدث من منظاره الخاص عن الاصلاحات ، وبالتالي، ليس الجميع في نفس التوّجه.

ويعتبر غبريل ان الاولية يجب ان تكون لتحفيز النمو وليس لتخفيض العجز في الموازنة، سيما وان الإجراء الاول يساعد في تكبير حجم الاقتصاد ، في توفير فرص العمل وخلق المناخات الملائمة لجذب الاستثمارات. والاهم إبعاد شبح زيادة الضرائب وتجنبّه بصورة مطلقة. وقد لمسنا مؤخراً كيف ان هذه الضرائب شلّت الاقتصاد في الاشهر الثلاثة الاولى من العام.

في المقابل ، من المفترض تحسين الجباية في كل المرافق، وقف مزاريب الهدر وابواب الانفاق غير المجدي.

واستغرب الطرح الطارئ حول زيادة تعرفة الكهرباء كما يرد في مناظرات البعض .

ويقول: للبنان وضع خاص ولايمكن تطبيق النظريات الصالحة في غيره من البلدان عليه . صحيح ان تعرفة الكهرباء في لبنان هي اقل عما هي عليه في الدول الناشئة، ولكن الكهرباء في هذه الدول مؤمنة على مدى 24 ساعة بينما في لبنان الواقع مختلف. من هنا، لايمكن التحدث عن رفع التعرفة قبل تأمين 22 ساعة كهرباء يومياً اقله للحؤول دون حصول ضغوطات تضخمية.

بالامس، كان دعم الكهرباء يستهلك نسبة 50% من الانفاق العام وكان يمتص القسم الاكبر من تحويلات الخزينة مع وصول سعر برميل النفط الى 114 دولاراً، ولكن اليوم التحدي الاكبر اصبح في انفلاش القطاع العام ، بحيث اصبحت كتلة الرتب والرواتب واجور التقاعد في القطاع العام اكبر بند في النفقات . لذلك من الضروري معالجة نظام التقاعد واصلاحه، الى جانب وقف التوظيفات العشوائية وتقييم الاداء في القطاع العام إسوة بما هو معمول به في القطاع الخاص.

مواقف سياسية واقتصادية

يذكر ان النائب وليد جنبلاط غرّد معلقا ً بأن مؤتمر الأرز في باريس قدم هدية جميلة للبنان مشروطة بالإصلاح"، وسأل "هل سنقوم بالمطلوب أم ينتهي المؤتمر كما انتهى غيره في جوارير الوعود والفساد والنسيان؟

وفي غضون ذلك ، سجلت سلسلة مواقف اقتصادية قوّمت نتائج المؤتمر واهمها ما جاء على لسان حاكم ​مصرف لبنان​ رياض ​سلامة​ الذي اعتبر أن نجاح مؤتمر" سيدر" تبعاً لبرنامج استثمار قدمه لبنان فيه أكثر من مئتي مشروع أكد صوابيتها ​البنك الدولي​، لا يعني فقط أن لبنان باتت لديه إمكانية لتطوير بنيته التحتية واقتصاده، بل يظهر أيضاً حرص المجتمع الدولي على دعم لبنان اقتصادياً وماليا. وشدد على ان الحضور الذي شارك في مؤتمر" سيدر" دليل على الثقة والدعم الدولي للبنان. وان "هذه الديون لا تذهب الى مصاريف جامدة بل الى استثمارات تؤدي الى نمو في البلد. ورأى سلامة ان الهدف هو تفعيل القطاع الخاص الذي يستطيع ان يعطي للبنان الدفع المطلوب من اجل النمو.

اما رئيس ​جمعية مصارف لبنان​ الدكتور جوزف طربيه فرأى انه علامة إيجابيّة في رصيد العهد والحكومة اللبنانية، وهو برهان جديد على حرص المجتمع الدولي على مواصلة حماية الإستقرار في لبنان والحؤول دون انزلاق بلدنا الى ما دون الخطوط الحمر الإقتصادية والإجتماعية والمالية.

وجدّد التأكيد على أهميّة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام وعلى ضرورة استكمال الشروط والتدابير التنظيمية الواجبة لمباشرة تطبيق القانون الجديد الناظم لهذه الشراكة، تسريعاً للإفادة من انعكاسات المشاريع المقترحة للتمويل الدولي الميسّر على الحركة الإقتصادية في البلاد وعلى تحفيز النمو واستحداث فرص عمل جديدة. وغنيّ عـن البيان أن القطاع المصرفي اللبناني الذي يشكّل الركيزة الأساسيّة للاقتصاد الوطني بقطاعيه العام والخاص، يعتبر نفسه معنيّاً بصورة مباشرة وأولويّة بالمشاركة بفعالية في تمويل مشاريع البنى التحتية الملحظة في البرامج الحكوميّة، خصوصاً وأن قطاعنا يتمتّع بالقدرات التمويليّة كما بالخبرات والكفايات اللازمة لتأدية هذا الدور البديهي، على نحو يعزّز دوره الإنمائي المعهود.

بدوره اعتبر رئيس مجلس إدارة تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم الدكتور فؤاد زمكحل ان مؤتمر "سيدر" أعاد لبنان إلى الخريطة الإقتصادية الدولية ووضعه مجدداً في سلم أولويات البلدان العالمية. ومن اهم إيجابيات المؤتمر ليس التمويل فقط لكن خصوصا تنفيذ الاصلاحات ومحاربة الفساد والتشديد على الحوكمة والادارة الرشيدة للدولة.

الامين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي قال ان القطاع السياحي لم يستفد من مؤتمر"سيدر"بشكل مباشر انما القروض والهبات المقدمة تصب في تحديث البنية التحتية الذي يؤدي في حال المباشرة به الى تأمين وظائف جديدة ورفع الدخل العام وتحقيق النمو المستدام ، وتكبير حجم الاقتصاد لاسيما القطاعات المنتجة ومنها السياحة.

في الملخص، اعربت الدول والمنظمات التي شاركت في المؤتمر عن سعادتها للعمل مع الحكومة التي سيتم تشكيلها في لبنان بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة من اجل تنفيذ برنامج الاستثمار في البنى التحتية وبرنامج الاصلاحات خصوصا من خلال وضع جدول زمني محدد للاصلاحات. وسيعقدون اجتماعا على مستوى كبار الموظفين في العواصم والمقار الرئيسية بعد فترة وجيزة من تشكيل الحكومة الجديدة. ومهما خطفت الانتخابات الاهتمام نحو المرشحين والحملات المنظمّة فإن استحقاق تنفيذ الوعود آت لا محالة وسيكون بيد البرلمان الجديد والحكومة العتيدة التي ستكون صورة مصغّرة عن الكتل المجموعة فيه بكل اختلافاتها وتناقضاتها ومصالحها المبعثرة. والخوف من ان يكون لبنان مجدداً ملك الفرص الضائعة سيما اذا استمر عدم الانسجام والتفاهم في الرؤى والتطلعات بين السلطات السياسية علما ً ان الجميع يقر برسوخ الفساد في البلاد ولكن من اين البداية لإقتلاعه؟.