باتت مشكلة القروض السكنية اكبر من ازمة بعدما تعثرت باكثر من عقدة لترفع مستوى خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي ، ولتقضي على آخر ما تبقى من متنفّس للشباب اللبناني ولتصدّ البحصة التي تسند قطاع البناء والعقارات.

كل المعطيات تصب فيخانة اللاحلّ القريب لهذه القروض بسبب طبعاً نفاذ الاموال المرسلة من ​مصرف لبنان​ الى المصارف التجارية لهذا الغرض.

وهنا تعددت الاسباب والمبررات التي يطلقها البعض بين:

1- الضغوطات التي يعاني منها مصرف لبنان بفعل ارتفاع حجم تمويل السلسلة من 1200 مليار ليرة سنوياً كما قدرت عند إقرارها الى زهاء 1860 مليار ليرة، والحبل على الجرار خصوصاً ان هناك مؤسسات عامة تبيّن انها مشمولة بحق السلسلة ولكن تم إغفال حصتها في الحسابات.

2- التعميم 485 الصادر عن مصرف لبنان والذي حدّد آلية جديدة لمنح القروض الإسكانية والتجارية. إذ حصر دعم مصرف لبنان للفائدة فقط، وأسقط الدعم عن طريق الإعفاء الجزئي من الاحتياطي الإلزامي الذي كان يمنحه للمصارف.علماً أنه كان يُسمح للمصارف، حين تمنح مبالغ بغرض الإقراض السكني، استعمال الاحتياطي. وهكذا كانت المصارف تستهلك نحو 500 مليون دولار سنوياً من هذا الاحتياطي، بالإضافة إلى الكوتا التي كان يمنحها إياها "المركزي" بفائدة 1 في المئة. إلا أن التعميم المشار إليه منع المصارف من المسّ بالاحتياطي الإلزامي.

3- لجوء بعض المصارف الى استعمال القسم الكبير من القروض السكنية المدعومة لخدمة افراد ورجال اعمال ليسوا بحاجة الى الفوائد المدعومة، علماً ان القطاع المصرفي لا يستطيع رفض طلبات مستوفية الشروط.

4- تحوّل قسم كبير من المقترضين في المؤسسات العسكرية الى مؤسسة الاسكان العامة بفعل الفوائد المدعومة والحوافزالممنوحة.

جوزف ساسين

واذا كان الجمود مسيطراً على حركة طلب القروض في المؤسسة العامة للاسكان وسط طرح علامات استفهام عدة عن مصير استمرارية خدماتها ، والقيود التي فرضت عليها مقابل تجميد كل الطلبات المرفوعة اليها بعد تاريخ 15 آذار ،على ان يبت قدر الامكان بالطلبات التي نالت الموافقة المسبقة من المؤسسة والمصارف المقرضة قبل هذا التاريخ، فإن الوضع مغاير بعض الشيء في مصرف الاسكان ، الجهة المانحة للقروض السكنية للشريحة الاكثر يسراً من المواطنين .

وفي هذا السياق، يقول رئيس مجلس ادارة مصرف الاسكان المهندس جوزف ساسين "للاقتصاد": نحن مستمرون في المصرف بإعطاء القروض وان بوتيرة أخف .فللمصرف امواله الخاصة . ويمكن القول انه منذ مطلع هذا العام الحالي ولغاية تاريخه تقدر قيمة طلبات القروض المقدمة للمصرف ب 200مليار ليرة وهي قيد البت.

وفي ما يتعلق بشروط الحصول على القروض يشير ساسين الى انها لم تتغير واهما ان لايكون المقترض قد حصل على قرض سابق من مصرف لبنان ، وان لا يكون مالكاً لمسكن آخر او استفاد من قرض ممنوح من المؤسسة العامة للاسكان.

ويلفت الى ان الفائدة السنوية هي 3.75%. وتم تخفيض مدة تسديد القرض من 30 سنة الى 20 عاماً . وهذا الإجراء تم اللجوء اليه بناء للآلية المعتمدة من مصرف لبنان سيما وان القروض المعطاة من قبل السوق المالية في لبنان ليست طويلة الآجل، وهي لا تتعدى الـ 12سنة. من هنا لايمكن الانتظار لـ 30 سنة لتسديد القرض.

اندلعت أزمة القروض السكنية بعدما استنفدت المصارف الكوتا المخصصة لها من مصرف لبنان، والبالغة نصف مليار دولار، استعملها معظمها خلال شهر، وهو ما استدعى تدخلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي طلب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامه طالباً منه تأمين صرف القروض السكنية التي التزمت المصارف دفعها إلى أصحاب الطلبات على أن يتواصل بعد ذلك مع الجهات المعنية بالقروض السكنية لوضع حلول تضمن استمراريتها وفقاً للقواعد والأصول المعتمدة. وقد طلب سلامه من المصارف تنفيذ التزاماتها على أن تحسم المصارف ما تدفعه من الكوتا التي سيخصصها لها مصرف لبنان في رزمة دعم العام 2018.

الجدير ذكره، انه في 18 كانون الثاني الماضي افتتح مصرف لبنان صفحته الرسمية على «تويتر» بتغريدته الأولى المتضمّنة تأكيد استمراره بتحفيز القروض السكنية والإنتاجية بعد إستنفاد آخر رزمة من القروض السكنية وقيمتها 750 مليار ليرة خلال شهرين ونصف الشهر. وأضاف: نتج عن هذا الطلب غير الإعتيادي وبفترة قصيرة تأخير مقبول بمتابعة الملفات وإصدار الموافقات، مؤكدا أنه يُعِدّ رزمة جديدة.

لكن الرزم المعدّة باتت لا تكفي للفترات المحددة لها، ما يضطر المصرف المركزي إلى استدراك المسألة وإعادة ترتيب الوضع من جديد والعودة إلى التوضيح مرّة بعد مرّة.

ولتبديد المخاوف اصدر تعميماً وسيطاً رقمه 485 يضع آلية جديدة لدعم القروض بمبلغ 1495 مليار ليرة أو ما يعادل 992 مليون دولار. وقد تقرر توزيع هذا المبلغ على المصارف وفق "كوتا" حدّدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كما أن 46 في المئة من المبلغ المرصود ستكون بالدولار الأميركي، و50 في المئة مخصصة للقروض السكنية.

وبالتوازي، أصدر سلامه تعميما موجها للمصارف والمؤسسات المالية، لحظ بعض التعديلات على التسهيلات التي يمنحها مصرف لبنان للمصارف والمؤسسات المالية، التي تقوم بدورها بمنح القروض المدعومة للأفراد وخصوصا القروض السكنية المدعومة. وإستنادا الى هذا التعميم، فقد وضعت المصارف رزمة من الأموال لتأمين هذه القروض وتحديدا القروض السكنية.

الآلية الجديدة، جاءت بعد سلسلة قرارات صدرت عن مصرف لبنان في الأسابيع الاخيرة بدأت بوقف دعم القروض بالعملة المحليّة وتخصيص الدعم للقروض بالدولار، مع بعض الاستثناءات للسكن والتعليم والقروض الصغيرة، قبل أن تصدر تعاميم تتشدّد في تطبيق شروط منح القروض. ثم صدر التعميم الأخير الذي يعيد توزيع الدعم تبعاً لعملة القرض والمصرف والقطاعات.

توقيف القروض السكنية أثار حفيظة معظم الكتل النيابية لاسيما خلال مناقشة الموازنة العامة للعام 2018 ، فاشار رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ الى أن "هناك مفاوضات ولقد وضعت 100 مليار ​دولار​ من الموازنة لمساعدة الاسكان".

وأكد الحريري "أننا نعمل مع مؤسسة الاسكان و​المصرف المركزي​ لمعالجة موضوع الاسكان والقروض"، لافتا الى أنه "عندما اقرت السلسلة، حصل هجوم على القروض السكنية".

حتى تاريخه وفي نصف الشهر الرابع من العام ليس من حل قريب للقروض السكنية ، واذا كان من أفق له فإن اجواء الانتخابات النيابية المسيّطرة تتقدم على كل ما عداها من امور ملّحة ، علماً انه ما من احد المرشحين ضمّن برنامجه خطة اسكانية واضحة وسليمة.

من هنا، تبقى كل الحلول رهن الانتظار الطويل لكل الاستحقاقات القادمة.