أخذت أسعار ​النفط​ العالمية بالإرتفاع نتيجة عدّة عوامل جيوسياسية أهمّها زيادة الهجمات الحوثية الصاروخية على ​السعودية​ والصراع المُستجدّ بين المُجتمع الدولي والدوّلة السورية مما خلق مخاوف من تأثرّ سوق العرض. هذا الأمر يطرح السؤال عن إحتمال إستمرار إرتفاع ​أسعار النفط​ وتأثير هذا الإرتفاع على الفاتورة الحرارية للبنان وبالتالي على عجز الخزينة.

أخذت أسعار النفط بالإرتفاع في النصف الثاني من العام 2017 نتيجة الإتفاق الذي أبرمته مُنظمة الأوبك مع ​روسيا​ لتقليص الإنتاج. هذا الأمر دعم أسعار النفط التي حافظت على مستوياتها مع مُنحنى تصاعدي نتيجة إستمرار العمل في هذا الإتفاق حتى أواخر العام 2018. إلا أنه ومنذ منتصف تشرين الثاني إزدادت وتيرة ​إطلاق​ الصواريخ من قبل الحوثيين على ​المملكة العربية السعودية​ مما أثار مخاوف الأسواق من إحتمال إصابة المُنشأت النفطية السعودية بالضرّر خصوصًا أنبوب النفط الذي يمتدّ من شرق المملكة إلى غربها والذي يعُتبر حيويًا لتفادي المرور في مضيق هرمز.

من ناحية أخرى، إرتفعت وتيرة المواجهة الأميركية – ال​إيران​ية على عدّة أصعدة خصوصًا تلك المُتعلّقة بملف التجارب الإيرانية على الصواريخ البالستية والنفوذ الإيراني في بعض ​الدول العربية​. هذه المواجهة كانت حصيلتها تهديدات أميركية بفرض عقوبات على إيران وإنسحابها من الإتفاق النووي الذي من المُتوقّع أن يحصل في شهر أيّار القادم. وهذا يعني حرمان إيران من تصدير نفطها وبالتالي نقص في سوق العرض (بحدود 3.8 مليون برميل يوميًا).

على صعيد أخر، أخذت المواجهة بين المُجتمع الدوّلي بقيادة الولايات المُتحدة الأميركية من جهة وبين ​سوريا​ مدعومة من روسيا وإيران من جهة أخرى بالتأزم مع تجمّع هائل للبوارج الأميركية والبريطانية والفرنسية مقابل الشواطئ السورية بهدّف ضرب سوريا على خلفية الإتهامات الدولية لدمشق بإستخدام ​أسلحة​ كيميائية. وهذا الأمر إن حصل يُمكن أن يضع بخطرالعديد من خطوط إمدادات ومنشأت النفط في المنطقة.

أيضًا لا يُمكن نسيان الوضع في ​فنزويلا​ والتي لا تزال تواجه مخاطر حدوث أزمة إقتصادية حادّة قد تؤثّر على ​إنتاج النفط​ فيها.

هذه المُعطيات دفعت بأسعار النفط إلى الإرتفاع وكنتيجة كان من المفروض أن يرتفع الإنتاج الأميركي من ​النفط الصخري​. إلا أن الواقع على الأرض كان مُختلفًا حيث أنه من الملاحظ أن ينخفض الإنتاج الأميركي من النفط إلى 10 ملايين برميل في اليوم مع إرتفاع في مستوى ​مخزونات​ النفط بقيمة 3.31 مليون برميل. وكذلك الحال في ​الصين​ التي تُظهر المعلومات أن مخزونها من النفط عالٍ مما يعني أن الطلب الصيني قد يقلّ بشكل ملحوظ في الفترة القادمة خصوصًا مع الصراع التجاري الذي نشب بين الولايات المُتحدة الأميركية من جهة والصين والعديد من الدول الأخرى من جهة أخرى مما يعني أن ​التبادل التجاري​ العالمي سيتراجع ومعه الطلب على النفط.

هذه المُعطيات المُتناقضة تجعل أسعار النفط عرضة للمضاربة التي ستزيد من حدّة التغيرات في أسعار النفط مع كلّ حدث جيوسياسي دون أن يكون هناك من إتجاه واضح (صعودًا أو إنخفاضًا).

من جهتنا قمنا بمحاكاة إحصائية (Stochastic Simulation) مُتسلّحين بالمعطيات المتوفرة في الأسواق من بيانات تاريخية لأسعار نفط، ونسبة التغييرات (Garch Volatility) مع صدمات (Informational Shocks) وقمنا بمحاولة معرفة توجّهات أسعار النفط العالمية في الفترة المُقبلة. وأتت النتائج على النحو التالي: ستتأرجح أسعار النفط بين 55 و70 دولار أميركي للبرميل الواحد وذلك حتى أواخر العام 2018 مع إحتمال تسجيل تغيّرات حادّة في بعض الأحيان.

هذه النتائج تدعمها العوامل الجيوسياسية الآنفة الذكر والتي تُشير أن هناك مجموعتين من العوامل الأولى تدفع بأسعار النفط صعودًا (المواجهات العسكرية والعقوبات) والثانية تضغط على الأسعار إنخفاضًا (ضعف الطلب، المواجهة الأميركية الصينية، المخزونات الإحتياطية).

هذه المُعطيات تسمح لنا الأن بتقييم التأثير مُحتمل لأسعار النفط على الفاتورة الحرارية للبنان والتي تبلغ 5 مليار دولار سنويًا. هذا التأثير قد يصل إلى حدود المليار دولار أميركي سنويًا في حال إترفعت الأسعار إلى 70 دولار للبرميل منها 500 مليون دولار أميركي على عاتق خزينة الدولة مباشرة. ولا يُمكن تناسي التأثير على كلفة ​الإنتاج الصناعي​ والزراعي كما وعلى النقل.

على هذا الصعيد ذكر الوزير علي حسن خليل في تصريح له أن هناك مبلغ بحدود 500 مليار ليرة (كلفة فيول هذه البواخر) سيتمّ إضافتها على نفاقات خزينة الدوّلة في حال تمّ إستجرار البواخر الإضافية. وهذه الكلفة لا تدخل ضمن نطاق حساباتنا.

هذا الواقع يفرض على ​الحكومة اللبنانية​ الإسراع في حلّ مُشكلة ​الكهرباء​ حيث لا يُمكن الإستمرار بالإعتماد على الفيول في إنتاجها تحت طائلة التعرّض الكبير إلى تقلبات أسعار السوق. والتخلّي عن إنتاج الكهرباء بواسطة الفيول يعني الإنتقال إلى مصادر جديدة للطاقة مثل إنتاج ​الطاقة​ عبر الرياح، أو شراء بواخر ​لإنتاج الطاقة​ تعمل على ​الغاز​.

أيضًا يتوجّب إعتماد سياسة ترشيد الطاقة في ​المنازل​ التي تعتبر مع قطاع النقل من أكثر القطاعات ​إستهلاك​ًا للكهرباء. وهنا نرى أن على الدولة أن تعتمد سياسات تحفيز لعزل المنازل حراريًا كما وإعتماد مصابيح عصرية لتوفير إستهلاك الطاقة.

على صعيد النقل، فإن حلّ مُشكلة أزمة السير اليومية ستسمح بتوفير هائل في الفاتورة الحرارية وستزيد من القدرة الشرائية للمواطن اللبناني مما يعني زيادة الإستهلاك ومعه النمو الإقتصادي. الجدير ذكره أن كل دولار أميركي من النفط مُستهلك في الماكينة الإقتصادية اللبنانية يسمح بإنتاج 9 ​دولارات​ أميركية مقارنة بـ 41 دولار أميركي للماكينة الإقتصادية الفرنسية وهذا يعني أن هناك العديد من مكامن الهدر في إستخدام الطاقة.