تلقى ​لبنان​ جرعة دعم غير مسبوقة من الاسرة الدولية، عبٓر عنها حجم القروض والهبات التي خرج بها مؤتمر "​سيدر​" - الذي عُقد في باريس بمشاركة دولية رفيعة - وقاربت 12 مليار دولار، وهذا ما شكل تعبيرا واضحا وصريحا لحجم القلق الدولي ازاء وضع لبنان الاقتصادي والمالي، وحرصه على صون الاستقرار والامان فيه.

وكان لافتا ان حجم الدعم الدولي الذي جاء في غالبيته على شكل قروض ميسرة ( نحو 93%)، فاق التوقعات التي روجت لها الحكومة قبيل انعقاد المؤتمر وكانت تتراوح بين 6 و 7 مليارات دولار، الا انها جاءت دون ما طلبه البرنامج الاستثماري المقدم الى المؤتمر وقيمته 17 مليارا. علما ان هذا الامر لا يقلل من اهمية النتيجة التي خلص اليها المؤتمر من حيث الدعم المالي، او من حيث رسالة الدعم السياسية التي وجهتها الاسرة الدولية لرئيس الحكومة والحكومة والبرلمان من خلال التنويه بالجهود التي بذلت لتسريع اقرار مجموعة من القوانين وفي مقدمها موازنات 2017 و2018.

ولكن العبرة تبقى في التنفيذ، خاصة ان تجارب لبنان السابقة مع القروض لا تبشّر بالخير، حيث لم يتم إستخدام هذه الاموال في المكان الصحيح، مما رفع حجم الدين العام دون ان نلاحظ اي تقدم على مستوى الخدمات العامة او اي زيادة في حجم الإقتصاد.

فهل سينجح لبنان في الإختبار الجديد ؟ ما هي سلبيات وإيجابيات "سيدر" ؟ وماذا عن مرحلة ما بعد الإنتخابات ؟ .. اسئلة كثيرة اجاب عنها الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، كيف تنظر إلى نتائج مؤتمر "سيدر" ؟ وما هي الإيجابيات والسلبيات ؟

لا نريد ان نكون متشائمين كثيرا، ولا شك ان لمؤتمر "سيدر" بعض الإيجابيات إذا تم إستخدام القروض في المكان الصحيح ضمن آلية واضحة وشفافة ودقيقة.

ولكن طالما لا يوجد آلية متابعة واضحة حتى الان، ولا يوجد وسائل تنفيذ دقيقة، وتقديمات عينية، فانا لا أستطيع ان أَطمئِن لوصول قروض ميسرة إلى يد البنك المركزي في لبنان او إلى الحكومة اللبنانية، لأن التجارب السابقة في "باريس 1 و 2 و 3 لم تكن مشجعة على الإطلاق. فكل القروض السابقة والديون التي اوقعونا بها، لم تستخدم في المكان الصحيح، ولم تحسّن من شروط حياتنا كمواطنين، ولم تحسن من نوعية الخدمات العامة، ولم تخلق فرص عمل جديدة للشباب، ولم تُسهم في تكبير حجم الإقتصاد. بل على العكس فقد رفعت حجم الديون وهجرت الشباب اللبناني إلى الخارج واغرقت خزينة الدولة تحت دين عام ضخم جداً.

من هنا لا يمكن الإستفادة من نتائج مؤتمر "سيدر" إلا من خلال وجود آلية تنفيذ واضحة للمشاريع الطروحة، وتوظيف هذه الأموال في المكان الصحيح، وإلا فإن هذه الاموال سترفع الدين العام بشكل كبير جدا.

برأيك ما الذي دفع المجتمع الدولي مجدداً لإعطاء قروض جديدة للبنان رغم الفشك الكبير في التجارب السابقة ؟

إذا نظرنا إلى وضع الدولة اللبنانية والإقتصاد الوطني بشكل واقعي، نجد ان هذا الوضع لا يسمح لنا بإستدانة دولار واحد، لان إلتزامات لبنان تفوق بكثير موجوداته، وبالتالي لا يستطيع الإتجاه نحو الإستدانة.

من هذا المنطلق، ارى ان توجه المجتمع الدولي لإعطاء قروض للبنان على شكل ديون جديدة، له اهداف اخرى، وقد تكون محاولة لتوريط البلد بديون جديدة.

فعلى سبيل المثال إذا تخطت ديون شخص ما موجوداته، وتوجه غلى البنك من اجل الإقتراض، ووافق البنك على إقراضه رغم وضعه المالي السيء .. فهذا يعني ان البنك يهدف إلى الإستيلاء على ممتلكات هذا الشخص.

وانا اعتقد ان ديمغرافية لبنان وثرواته النفطية التي ظهرت في السنوات الاخيرة ستخلق طمع لدى الدول الكبيرة، وبرايي ان غاز ونفط لبنان مستهدفان.

هل تعتقد ان إستخدام الاموال القادمة من "سيدر" بشكل جيد وتوظيفها بالشكل الصحيح سيؤدي غلى تحسن الاوضاع الإقتصادية وخلق فرص عمل جديدة؟

كما ذكرت من قبل، التجارب السابقة غير مشجعة، وانا لست مطمئناً ولا اعتقد انه سيتم توظيف هذه الاموال بالشكل الصحيح .. فالحصول على قروض ميسرة وإشراك القطاع الخاص بالمشاريع ليس الحل الأمثل. وما كان يجب ان يحدث هو أن تعقد شركات اجنبية تابعة للدول المانحة شراكات مع شركات لبنانية ومع القطاع الخاص اللبناني، لتنفيذ مشاريع في قطاعات معينة ، كقطاع الكهرباء والنفايات وشبكة المواصلات والإتصالات .. وغيرها.

لو تمت الامور بهذا الشكل، كان بإمكاننا القول ان هذه المشاريع سيكون لها عائد، مما سيسمح لنا ويساعدنا على سداد هذا الدين.

هل توافق ان إنعقاد مؤتمر "سيدر" قبل الإنتخابات النيابية له أهداف سياسية وليس فقط إقتصادية ؟

لا اعتقد ذلك، فهناك صداقة كبيرة وواضحة بين عائلة ال حريري و​فرنسا​ منذ ايام رفيق ​الحريري​ .. وبالتالي فإن هذا المؤتمر يأتي من خلال هذه الصداقة القديمة، ولكن حتى الان هذه المؤتمرات التي ساعدت فيها فرنسا لبنان لم تحسّن من الاوضاع الإقتصادية، ولم تعطي أي نتائج إيجابية.

ما هي توقعاتك لمرحلة ما بعد الإنتخابات ؟ وهل انت متفائل ؟

إن لم تنتج هذه الإنتخابات تغييرا فعليا، وحكومة جديدة تضم إقتصاديين ورجال مال حقيقيين، فإن هذه الاموال القادمة سيكون مصيرها الضياع بدون شك.

وحتى الان الاجواء كلها لا تشير إلى اي تغيير حقيقي سيحصل بعد الإنتخابات، لذلك انا شخصيا لست متفائلاً بالمرحلة المقبلة.