انعقد خلال نهاية الأسبوع الماضي مؤتمر "سيدر 1" في ​باريس​، الذي من شأنه دعم ​الاقتصاد اللبناني​ من خلال هبات و​قروض​ بلغت حصيلتها النهائية حوالي 11 مليار دولار، وتهدف الى تمويل خطة الحكومة الإقتصادية والإنمائية في المرحلة المقبلة، ومساعدة لبنان على مواجهة التحديات الداخلية المالية والاقتصادية، بالاضافة الى تداعيات إستضافة نحو 1.5 مليون لاجئ سوري.

وعلى الرغم من أن ما تحقق في المؤتمر الدولي لن يترجم في الوقت الحاضر، بل سيتحدد مساره من قبل الحكومة الجديدة، الا أن انعكاساته الايجابية موجودة، وأولها استعادة ثقة ​المجتمع الدولي​ بلبنان. في حين أن وجهة النظر السلبية تعتبر أن الأموال المقررة في "سيدر" هي بمثابة إضافة تلقائية للديون ومن شأنها أن تؤدي الى المزيد التدهور.

من جهة أخرى، نجد أن الخطابات الانتخابية اتخذت طابعا جديدا بعد انعقاد المؤتمر، وباتت تركز على العامل الاقتصادي والمالي والإنمائي بقوة.

وبالتالي فإن أموال "سيدر" تبقى رهينة الطبقة السياسية القادمة، والأيام كفيلة برصد نتائج المؤتمر على الأرض؛ فهل سيستعيد اللبنانيون ثقتهم بالطبقة السياسية كما استعاد المجتمع الدولي ثقته بلبنان؟ وهل ستتحقق فعلا المشاريع الاقتصادية والانمائية المتفق عليها أم سيكون مصير أموال "سيدر" مثل مصير أموال باريس 1 و2 و3 في ظل الهدر الموجود؟ وهل هناك جدوى اقتصادية من الهبات والقروض الممنوحة؟

هذه التساؤلات وغيرها أجاب عليها رئيس دائرة الأبحاث في "بنك لبنان والمهجر للأعمال"، مروان مخايل، في حديث خاص مع "الاقتصاد":

ما هي انعكاسات نتائج مؤتمر "سيدر" على الاقتصاد اللبناني بشكل عام؟ هل أن الايجابيات تغلب على السلبيات؟

الايجابيات تغلب حتما السلبيات، فمن حيث الشكل، تبين أن الدعم الكبير للبنان من قبل المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية لا زال موجودا، وهذا الأمر مهم للغاية ويعزز ثقة المستثمرين في القطاع الخاص وفي الاقتصاد اللبناني، كما يظهر الالتزام الدولي تجاه لبنان.

من جهة أجرى، نحن بحاجة ماسة الى الاستثمارات في قطاع البنى التحتية، اذ لم تتحقق في هذا القطاع، أي مشاريع ضخمة ومفيدة من أجل تطوير قدرة الاقتصاد على النمو، كما أن حوالي 2 مليون نازح سوري استهلكوا البنى التحتية، وبالتالي بات الاستعمال يفوق طاقتها على التحمل والاستيعاب والخدمة.

ولكن يجب أن يوافق مجلس النواب على الهبات والقروض، وفي الما1ضي كنا نخسر أحيانا بعض ​المساعدات​ بسبب عدم اجتماع المجلس والموافقة عليها.

أما من الناحية السلبية، فستخلق القروض والهبات المزيد من ​الديون​، ستضاف على ​الدين العام​ الموجود، لكن كلفتها ليست مرتفعة جدا، ولن تؤدي الى زيادة كبيرة في الدين العام.

ولا بد من الاشارة الى أن أموال "سيدر" لن تؤدي الى المزيد من التدهور، لأنها من المفترض أن تشجع الاستثمار في لبنان، وتستقطب ​رؤوس الأموال​ الأجنبية؛ اذ أن ما يؤدي الى تدهور الأوضاع هو غياب تدفق الأموال من الخارج بكمية كافية، فمن العام 2011 نجد أن ميزان المدفوعات سلبي، ولم يحقق تقدما ايجابيا الا في العام 2016، وذلك لسبب تقني هو الهندسة المالية لمصرف لبنان. لكن ثقة المستثمرين بلبنان مفقودة منذ العام 2011، وبسبب ذلك، بدأ ​الوضع الاقتصادي​ بالتدهور.

في ظل ​الفساد​ الموجود حاليا في لبنان، هل أن مصير أموال سيدر مجهول كما كل يحصل في الماضي؟

الأموال التي حصلنا عليها في المؤتمرات السابقة، تم صرفها كما كان من المفترض أن تصرف، لكن يجب أن يكون هناك رؤية بعيدة المدى، لكي تتحقق الأهداف بالطريقة الفضلى. فقد تواجه المشاريع عرقلات تقنية من المفترض أن تتم معالجتها قبل التنفيذ، بالاضافة الى عرقلات سياسية تقف في وجه التقدم.

برأيك، هل هناك جدوى اقتصادية من الأموال التي حصل عليها لبنان؟

بالطبع، وسنلتمس الجدوى عند صرف الأموال، وأتمنى أن تكون ​رقابة​ المجتمع الدولي مشددة على كيفية الصرف، وعلى تحقيق الإصلاحات المطلوبة من ​الحكومة اللبنانية​.

ولا بد من القول أن قسم كبير من القيادات على المستوى الوطني، تعي خطورة الوضع، وتعرف أننا لا نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة، بل من المفترض أن تسير الأمور بطريقة مختلفة. وبالتالي عندما يصبح الوعي موجود، يجب اتخاذ إجراءات من أجل وقف الهدر والفساد، بالاضافة طبعا الى التركيز على كيفية اشراك القطاع الخاص في هذه المشاريع.

ونأمل أن يتم صرف الأموال بالطريقة الصحيحة، وأن تحصل الرقابة والاصلاحات المتفق عليها دون أي تأخير، لأن الوقت في لبنان مهم للغاية. فالانتخابات النيابية على الأبواب، والوقت مهم بالنسبة الى تشكيل الحكومة في المرحلة المقبلة؛ هل سنتمكن من تشكيلها في شهر؟ شهرين؟ أم سنشهد على مناكفات سياسية تؤدي الى تأخير تشكيلها؟

هل أن انعقاد سيدر قبل الانتخابات النيابية يحمل أهدافا سياسية الى جانب أهدافه المالية والاقتصادية؟

لا يهم توقيت المؤتمر، كما لا يهم إن كانت لديه أهدافا سياسية على هامش الأهداف الاقتصادية. وأنا كاقتصادي أعتبر أن انعقاده في أقرب وقت ممكن هو الأفضل، وسيعطي دفعا أكبر للاقتصاد.

والأهم اليوم هو أن المؤتمر كان ناجحا، وقد تمكنا من خلاله، من الحصول على تعهدات بأكثر من 11 مليون دولار كهبات وقروض مسيرة؛ وهذه الأمور ايجابية وتعزز الثقة بلبنان.

ولكن نترقب حاليا كيفية التنفيذ في المستقبل، ولهذا السبب نتمنى أن نشهد على رقابة عالية، واصلاحات على مستوى المالية العامة والنفقات. ومن المفترض أن تكون هذه الاصلاحات هيكلية وبنيوية للاقتصاد وليست اصلاحات بطريقة "ترقيع" على ما هو موجود، وذلك لكي نشهد على نهضة بنيوية على مختلف الأصعدة، من أجل معالجة أمور عدة في لبنان ستسهم في تحسن أوضاع البلاد والمواطنين.

وأختم بالقول أننا سنشهد على ايجابيات "سيدر" اذا تمكنا من خلال هباته، من رفع النمو بنسبة ملحوظة تترواح بين 5% و7%، وضبط حجم الدين في الاقتصاد.