أثبتت المرأة ال​لبنان​ية جدارتها في شتى المجالات، اذ تولت المناصب المهمة محليا وعالميا، كما أطلقت مشاريعها المفيدة والناجحة، فأظهرت مهاراتها وبينت صورتها المشرقة والمشرّفة.

والمهندسة الميكانيكية رنا شميطلي هي خير مثال على المرأة الطموحة والمثابرة. فإلى جانب دورها كأم، وأستاذة في "الجامعة الأميركية في بيروت"، أسست في العام 2009، ​مشروع​ "المهندس الصغير"، الذي يهدف الى تعليم الأولاد وتعزيز قدراتهم في مجال العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة. وقررت مؤخرا خوض الإنتخابات النيابية اللبنانية للعام 2018.

حصدت شميطلي عددا من الجوائز العالمية، فنالت جائزة تقدير كونها أحد المبادرين الواعدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفاز مشروع "المهندس الصغير" بمبلغ 50 ألف دولار من "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (MIT). كما حصلت على جائزة مبادرة "كارتييه لل​سيدات​" في العام 2011.

كان لـ"الاقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع المؤسسة والمديرة التنفيذية لشركة "المهندس الصغير"، رنا شميطلي، للحديث عن مسيرتها المهنية وعن تحضيراتها للانتخابات المقبلة:

من هي المهندسة الميكانيكية والمرشحة عن المقعد السني في دائرة بيروت الثانية، رنا شميطلي؟

تخصصت في الهندسة الميكانيكية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، لكنني لم أختار العمل مثل الجميع والجلوس وراء المكاتب، بل فضلت الدخول الى مجال الصيانة، فتوجهت الى الولايات المتحدة حيث تدربت على صيانة آلات التصوير الحديثة.

بعد ذلك، عدت الى لبنان من أجل خدمة هذا القطاع في وطني، فاستمريت بالعمل فيه لمدة حوالي ثلاث سنوات، وشعرت حينها أنني أواكب التكنولوجيا والتطور، وأتعلم كيفية تغير صور الناس من الصورة العادية الى الصورة الرقمية.

في العام 1997، قررت افتتاح عملي الخاص، "Digital Photography"، المتخصص في كل ما له علاقة بالصورة الرقمية؛ وكنت من أول العاملين في هذا المجال في لبنان، واستمريت لمدة سبع سنوات، وتمكنت من تغطية المناطق اللبنانية كافة. فتعرفت الى عدد كبير من الأشخاص خلال هذه المرحلة من حياتي.

في العام 2004، اضطررت الى إغلاق العمل لأنني أصبحت أم لثلاثة أولاد؛ وهذه الخطوة كانت مبنية على قراري الخاص، ولم يجبرني أحد على اتخاذها.

وبعد فترة التحقت مجددا بالجامعة، من أجل نيل شهادة الماجستير في الإدارة الهندسية. وخلال فترة الدراسة، حاولت عدم تضييع الوقت، وبالتالي قررت مساعدة الأساتذة، ومن هنا دخلت الى مجال التعليم في مختبرات الهندسة؛ اذ كنت أساعد، وأقدم خبراتي التي اكتسبتها من سوق العمل من أجل تمكين الطلاب وإعطائهم المزيد من المهارات.

في العام 2009، جاءت فكرة مشروع "المهندس الصغير"، وولدت هذه الفكرة من الحاجة، اذ أردت مساعدة ابني على التعرف بشكل أكبر الى التكنولوجيا، ولكن بطريقة ايجابية، تختلف عن مجرد الجلوس وراء شاشات التلفزة أو الهواتف أو الأجهزة اللوحية.

كيف قررت القيام بخطوة الترشح الى الانتخابات النيابية؟

أنا أتحلى بصفة القيادة منذ وقت طويل، كما حصلت على جائزة الريادة من "الجامعة الأميركية في بيروت"، وبالتالي لم أكن مجرد طالبة عابرة.

وفي العام 2009، عملت في مركز، وشعرت أنني قادرة على المزيد من العطاء، فبدأنا بالتوجه الى القطاع الخاص، من أجل مساعدة المدارس على تعميم برامجنا لإفادة أكبر عدد ممكن من الطلاب. بعد ذلك، بدأنا بقرع أبواب القطاع العام، أي المدارس الحكومية والبلديات. وبالتالي اذا تحلى الانسان بالقدرة على العمل، سيتمكن حتما من العطاء.

وقد تشجعت للترشح في هذه الدورة بسبب وجود فرصة للخرق، ولإيصال شخص يمثلنا الى البرلمان. فالطاقم الموجود اليوم يكرر نفسه ويمدد لنفسه، وهذا الأمر لم يعد مقبولا، ويجب أن يتواجد شخص يتحلى بالجرأة ليقول "كفى".

فنحن نضحي بأنفسنا، وبحياتنا، بأعمالنا، مع العلم أن القانون المتعمد في الانتخابات ليس لصالحنا 100%، ولكن بامكاننا خرق الأحزاب اذا قرر الشعب التغيير؛ وهذا هو السبب الأساسي الذي دفعني الى الترشح. فأنا لا أسعى للحصول على مقعد لي شخصيا، لكنني أتكاتف اليوم وأتضامن مع أي شخص أشعر بأنه يليق بمدينة بيروت، وذلك لأن البلد بحاجة الى من هو قادر على رفع الصوت من أجل مصلحة المواطنين.

ماذا تقولين للناخب في بيروت من أجل إقناعه بانتخابك؟

منذ العام 2009، تعاونت مع 60 ألف طالب، وهؤلاء الطلاب لديهم أمهات وآباء وأقرباء، وبالتالي هناك عدد كبير من الأشخاص الذين تعرفوا الى طريقتي في العمل، والى التغييرات الإيجابية التي تمكنا من تحقيقها. كما أن المدارس التي تعاملت معها، تعلم جيدا كيف كان وضعها قبل تدخلنا وبعد.

وبالتالي فإن الإنجازات الملموسة التي حققناها في مجال التعليم هي قاعدتنا.

وأعيد للتأكيد أنني لا أسعى الى تحصيل مقعد خاص بي في البرلمان، بل نريد إيصال صوتنا ورأينا ووجهة نظرنا لكي نظهر قدرتنا على التغيير.

فأنا من الأشخاص الذين تمكنوا من تحقيق تقدم على الأرض في لبنان، وأعتقد أن من ينجح في لبنان ينجح في كل العالم.

لماذا تعتبرين أن وجود المرأة أساسي في العمل السياسي والإنمائي في لبنان؟ ما الذي سيتغير مع دخول المرأة الى البرلمان؟

المرأة دقيقة أكثر اذا أرادت تحقيق هدف ما. المرأة منشدة بالكمال، تعمل بكل بجهد وتحاول أن لا تخطئ. المرأة ترفض الرشوة. المرأة تهتم بالملاحقة والمتابعة والإتمام، لأنها اعتادت على القيام بواجبات عدة، وهي مكلفة بأعمال مختلفة مثل التعليم، والاهتمام بالأولاد، والتدريس، وتحمل مسؤوليات المنزل، وبالتالي تتعلم أنواع عدة من الوظائف.

وبالتالي اذا تمكنت المرأة من الوصول الى الحقل السياسي، فستبدع وتنجز، لأنها قادرة على التفكير والعمل واستلام الملفات والتحليل وإعطاء الحلول، ولا ينقصها شيء للوصول الى طموحاتها كافة.

وأتمنى أن يصل عدد كبير من النساء الى البرلمان خلال هذه الدورة، وسنرى حتما المزيد من الشخصيات النسائية بسبب زيادة الوعي لدى الناس. وأنا سعيدة جدا بعدد المرشحات الكبير، لأن هذا الأمر يمثل خطوة ممتازة نحو الأمام؛ فلا حاجة للكوتا من أجل وصول المرأة، بل كل ما نحتاج اليه هو الإرادة الصلبة.

من قدم لك الدعم طوال مسيرتك المهنية؟ وهل استمر هذا الدعم بعد ترشحك الى الانتخابات النيابية؟

تلقيت دعما كبيرا من محيطي قبل وبعد الترشح، في حين أن هناك أشخاص نصحوني بعدم الاستمرار بهذا الأمر؛ وأنا أجد أن كلا الجهتين على حق.

هل تعرضت الى التمييز في مسيرتك المهنية لأنك امرأة؟

لم أشعر طوال حياتي العملية بأي تمييز سلبي، فأنا أنال احترام الأشخاص بسبب فكري وتصرفاتي وأخلاقي وطريقتي في العمل.

ما هي الصفات المهنية التي ساعدتك على التقدم والنجاح طوال سنوات عملك؟

أنا لا أسير بدون وجهة أو طموح، بل أضع الأهداف أمامي، وأسعى في كل لحظة الى تحقيقها.

وعندما أستيقظ يوميا، أنظم خطة عمل لنهاري، وأثابر للوصول اليها، كما أتعاون مع فريق العمل من أجل إنجازنها.

وبالتالي اذا وصلت الى البرلمان، أو نجحنا في إيصال شخص آخر، سيبقى فريق العمل بأكمله متضامنا مع هذا النائب، لكي نتمكن معا من الإنجاز من خلال الحوار والتواصل، فالفرد وحده لا يستطيع القيام بأي شيء.

ما هي نصيحة رنا شميطلي الى ​المرأة اللبنانية​ والى الشباب؟

أنصح للمرأة أن لا تهمش نفسها لأنها موجودة وفعالة. وأتمنى أن تصوت وتمارس حقها في الانتخاب، اذ يجب أن تكون حاضرة بصوتها.

كما أقول للشباب أن لا يشعروا باليأس من الوضع في لبنان، لأن هناك أشخاص يكدون ويسعون ويعملون لكي يكون لبنان أفضل. ونحن نتمنى من الجيل الجديد أن يتعب على نفسه، وعلى تنمية معرفته، وصقل مهاراته.

فعهد السياسيين لن يستمر لوقت طويل، وسيرحل في يوم من الأيام، وأنتم ستبقون، لأن هذا البلد لكم. فاعملوا بدوركم لكي تكونوا له!