القانون اللبناني الذي يمنع تملّك الفلسطينيين في لبنان خوفاً من فتح ممرّ آمن نحو التوطين، يبدو أنه عرضة للخرق بطرق ملتوية عبر استملاكات بأسماء لبنانيين، حسبما كشفت وقائع دعوى قضائية تقدمت بها منظمة التحرير الفلسطينية، تظهر تملّك الأخيرة عدداً من العقارات في بيروت، مسجّلة بإسم شخص لبناني، وبقيت تلك الملكية سرّية الى أن حصل النزاع بين المنظمة والشخص الموكول اليه امر ادارة هذه العقارات، والتصرف بأجزاء منها قبل أن يرسو النزاع الى اتفاق بين الطرفين.

الوقائع المتصلة بهذه العملية غير الفريدة من نوعها، تظهّرت عبر الدعوى التي تقدمت بها منظمة التحرير الفلسطينية في العام 2008، واتخذت فيها صفة الادعاء الشخصي ضدّ المحكوم عليه "فيصل. ف"، عرضت فيها أنه قد تم تسجيل عدة عقارات صورياً على الأخير، وقد صدر في العام 2008، قرار عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قضى بأن يقوم "فيصل. ف" بالتنازل عن الأرض المملوكة لمنظمة التحرير في بيروت بالكامل، والمسجلة باسمه لصالح من يراه السفير خالد صوفان مناسباً، وقد قام المتهم المذكور بإنفاذ منطوق هذا القرار باستثناء عقار واحد في منطقة المصيطبة، ولدى مراجعته أفاد أنه سقط منه سهواً، الا أنه تبين لاحقاً أن المحكوم عليه، قد نظّم عقد بيع ممسوح بالعقار المذكور لصالح الظنين "سلام. ط"، نقل بموجبه على اسم الأخير كامل العقار المذكور.

على أثر المفاوضات التي كانت تدور ما بين المنظمة عبر مسؤوليها في لبنان، وبين المالك الصوري، جرى في العام 2009 توقيع اتفاقية ما بين الفريقين تضمنت تسجيل هذه العقارات باسم "فيصل. ف"، ثم اقرار الأخير وتعهده وتنازله لاحقاً عنها، والقيام بنقلها على اسم من تراه المنظمة وبدون أي مقابل، وتعهد المحكوم عليه بالمساعدة في عملية التفاوض مع الظنين "سلام. ط" لاسترجاع ونقل ملكية العقار الى اسم المنظمة أو من تراه مناسباً، وبنتيجة التفاوض أقدم "فيصل" فعلاً على التفرغ عن هذه العقارات الثلاث الأولى لمصلحة إحدى شركات البناء، بحسب طلب السلطة الفلسطينية، كما عاد "سلام" في العام 2011 وتفرغ عن العقار الى الشركة المذكورة بناء لطلب المنظمة وبدون أي مقابل.

خلال التحقيق معه أنكر "فيصل. ف" ما أسند اليه وأدلى بأنه اشترى العقارات الأربعة، ومنها عقار المصيطبة بموجب عقد بيع لدى الكاتب العدل في بيروت من البائعين، بعد أن اطلع على الافادات العقارية التي تفيد ملكيتهم لهذه العقارات، موضحاً أنه اشتراها لمصلحته الشخصية وليس باسم مستعار، ولم يكن يعلم أن هذه العقارات تعود ملكيتها للسلطة الفلسطينية، وبأنه مسجلة بأسماء مستعارة أو بأن من باعه هذه العقارات هو من بين الأشخاص المستعارين، علماً أنه كان منتسباً لمنظمة التحرير ومسؤولاً تنظيمياً في حركة "فتح" منذ أوائل السبعينات ولم يزل حتى تاريخه.

ولدى استجواب الظنين "سلام. ط" أنكر ما أسند اليه لجهة التورط بابتزاز المال احتيالاً، وأدلى بأنه اشترى العقار من المتهم "فيصل" خلال العام 2006، وعندما قصد الدوائر العقارية لوضع اشارة البيع، تفاجأ بوجود اشارة موضوعة على الصحيفة العقارية العائدة للعقار المذكور من قبل المسؤولين الفلسطينيين الذين طالبوا بهذا العقار البالغ مساحته حوالي 600 متر مربع، مضيفاً بأنه سبق واشترى ايضاً اسهماً في العقارات الأخرى المشار اليها من المتهم نفسه.

وبالاستماع الى افادة شاهد كان وكيلاً للشركة التي فرّغت على اسمها العقارات، كشف هذه العقارات مسلجة صوريا باسم المتهم "فيصل" فيما هي تعود فعلياً لمنظمة التحرير، فكلفه الرئيس محمود عباس خلال العام 2009 وفوضه بمهام القيام باجراءات نقل ملكية هذه العقارات على اسم الشركة، وبنتيجة المفاوضات جرى توقيع اتفاق في العام 2009 تعهد فيه المتهم "فيصل" بنقل ملكية العقارات الثلاث على اسم الشركة، وخلال التفاوض مع الظنين "سلام. ط" بشأن استرجاع عقار المصيطبة، تمّ نقل ملكية هذا العقار على اسم الشركة، وعليه قام بالتراجع عن جميع الدعوى الجزائية بحق "فيصل. ف". وبتاريخ 2011 أسقطت منظمة التحرير حقوقها عن المتهم المذكور والظنين "سلام. ط"، بكتاب منظم وموقع من قبل رئيسها محمود عباس وأبرأت ذمتهما.

وباستجواب المتهم المحكوم عليه "فيصل" أمام محكمة جنايات بيروت، أدلى بأنه اشترى هذه العقارات بناء لطلب المنظمة ودفع ثمن منه بصورة مؤقتة، على أساس أن تتم محاسبته في ما بعد، وأنه بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) حصلت خلافات ما بين مسؤولي المنظمة، وأنه كان يأتمر من هؤلاء وكل منهم يعطيه أوامر مختلفة، تحديداً لجهة العمل على التصرف بأمر هذه العقارات لمصلحته الشخصية، وأوضح أنه قد عمد الى التصرف بجزء من أسهم من هذه العقارات عن طريق بيعها، من الظنين "سلام" وأجزاء أخرى تم التنازل عنها بطلب من الرئيس أبو مازن لمصلحة شركة البناء، وقد تم استراد جميع العقارات الى دولة فلسطين.

محكمة الجنايات في جبل لبنان، اعتبرت في حكم أصدرته في هذه القضية، أن عناصر جرم المناورات الاحتيالية لم يتوفر بحق "فيصل. ف" والظنين "سلام. ط"، لجهة التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة، وخلصت الى إعلان براءتهما من جرم الاحتيال لعدم توافر العناصر الجرمية.