بعد مرور "قطوع" ​الموازنة​ وإقرارها، يترقّب اللبنانيون اليوم "مؤتمر سيدر" المقرر انعقاده في 6 نيسان المقبل، ما هو حجم ال​قروض​ التي سيحصل عليها لبنان؟ ما هي الشروط التي ستفرض علينا؟ هل سيتم التطبيق فوراً بعد المؤتمر أم ان الحالة ستكون مشابهة لمؤتمرات ​باريس​ السابقة؟

وفي ظل الحديث عن إفلاس وأوضاع مالية دقيقة، هل سيتحمّل لبنان المزيد من القروض خاصّةً أن الموازنة افتقرت الى الإصلاحات البنيوية؟ للإطّلاع على المزيد من التفاصيل كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير المصرفي ​عادل حمدان​:

- هل ترى أن الآمال باتت أعلى اليوم بخصوص مؤتمر "سيدر" بعد إقرار الموازنة؟

سبق مؤتمر "سيدر" الذي هو حديث الساعة اليوم، مؤتمرات عدة مشابهة خلال العقدين الماضيين كـ"باريس "1 و"باريس 2" و"باريس 3" لغايات إنقاذية كان من المتوقّع أن تنهض ب​الإقتصاد اللبناني​ في حينه، لكن التطوّرات المتلاحقة عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً، أعادت الأوضاع الى الأسوأ مما كانت عليه، والى الإرتفاع المستمرّ والمتلاحق في نسب ​الدين العام​ الى أن وصل في وقتنا الحاضر الى ما وصل اليه. أما الآمال المعقودة اليوم على المؤتمر المقبل بعد إقرار الموازنة، فهي كبيرة وتحمل بعض الفرص للنهوض في الإقتصاد الوطني عن طريق قروض ميسّرة طويلة الأجل، تُوظّف في مشاريع إقتصادية، تنمويّة، وإصلاحية إذا جاز التعبير، علماً بأن بعض بنود الموازنة جاءت متسارعة بعض الشيء لتصل الى المؤتمر قبل انعقاده وتزيد من فرص نجاحه وفقاً لآراء بعض المتابعين. لكن في الواقع، هذه الموازنة قد لا تُقنع في بعض بنودها الجهات المانحة في المؤتمر، ويشوبها بعض الشك في أرقامها واستعمالاتها، والمصاريف الفضفاضة المدرجة لحساب بعض الوزارات كما ورد على لسان أحد النوّاب أثناء مناقشتها في المجلس النيابي.

لكن، من الناحية الإئتمانية نسأل: ماذا ستكون الضمانة لهذه القروض التي تُمنح؟ وما هي شروطها؟ هنا أذكر بعض الشروط التي وضعتها "​مؤسسة التمويل الدولية​ IFC" التابعة للبنك الدولي على ​المصارف​ في أوائل التسعينات من القرن الماضي عند منحها قروضاً لتوظيفها في القطاعات الإنتاجية، كالقطاع الصناعي، والزراعي، والسياحي في لبنان، بمبالغ لا تتخطى بمجموعها بعض الملايين من ​الدولار​ات للمصرف الواحد. أما الشروط فكانت على المصارف وعلى زبائن المصارف طالبي هذه القروض في آن، قاسية جداً لناحية الميزانيات العمومية المدقّقة سنوياً من قبل مؤسسات تدقيق معروفة، والتحليل الإئتماني، وتحديد نسب مالية معيّنة ينبغي الإلتزام بها، على ميزانيات المصارف وميزانيات زبائنهم في آن واحد، والرقابة على استعمال القروض والزيارات الدورية للمشاريع للوقوف على الإنجازات وحسن سير الأعمال، الخ..

أما القروض المتوقّع منحها من خلال مؤتمر "سيدر" المقبل من الدول والجهات المانحة، فماذا ستكون ضماناتها وشروطها؟ هل من شروطها الإبقاء على النازحين في لبنان؟ السؤال موجّه الى المسؤولين المعنيّين.

كما نتوقف عند اقتراح سعادة النائب ​ياسين جابر​ الى الحكومة منذ أيام ونؤيده بقوّة، لأجل إضافة بند الى خطة الحكومة المقدّمة الى مؤتمر "سيدر" وهو يتضمّن المطالبة "بإنشاء صندوق خاص لتمويل ​الشركات الصغيرة​ والمتوسّطة وتوفير قروض ​إسكان​ لذوي الدخل المحدود والمتوسّط بفوائد مخفّضة على أن يتم التعاون مع ​القطاع المصرفي اللبناني​ لأجل تنفيذ برنامج هذا الصندوق، لأن ​مصرف لبنان​ الذي كان يتولّى هذه المهمّة ويوفّر مئات ملايين الدولارات لهذه القطاعات بفوائد مدعومة، لم يعد قادراً على الاستمرار في القيام بهذا الدور".

- ما هي الإصلاحات التي كان يجب أن تتضمّنها الموازنة إلا أنه لم يتم تضمينها؟

لقد أصبح معلوماً بأن الإصلاحات التي يطالب بها بعض ​أركان​ السلطة، من رؤساء ونوّاب ووزراء وزعماء بوتيرة شبه يومية، وتطالب بها شرائح المجتمع كافة، تطرح بقوّة بعض التساؤلات: من هي الجهات التي تعطّل مسار هذه الإصلاحات؟؟ ​فخامة​ الرئيس يُحذّر من الإفلاس، دولة رئيس ​مجلس الوزراء​ يدقّ ناقوس خطر ​الكهرباء​ وخسائر المليارات القادمة، بعض النوّاب في المجلس النيابي يعترضون على بعض الأرقام الواردة في الموازنة ومصاريف الوزارات، وأخيراً لا آخراً، بعض الوزراء يشكون من الشحّ في أرقام وزاراتهم.

أما الإصلاحات فقد أصبحت في مكان آخر، إذا ما تضمّنتها الموازنة أو لم يتمّ تضمينها، نؤكّد بأن الإصلاح يبدأ من مكان واحد هو محاربة الفساد بالدرجة الأولى، لكن من هي الجهة التي تتجرّأ على فتح هذا الملفّ، سمعت دولة رئيس الوزراء أمس يقول، " أعطوني إسماً واحداً متّهماً بالفساد كي أحيله الى القضاء، حتى لو كان من تكتّل المستقبل".

لبنان الذي أصبح من أكثر الدول فساداً في العالم، يقف عاجزاً اليوم عن الكشف عن الجهات التي أوصلت البلد الى هذا الخلل الكبير في مالية الدولة. غياب ​المحاسبة​، وتسييس القضاء هما الآفتان الرئيسيتان لاستشراء الوضع، أما السياسيين والزعماء ورجالات الدولة فمن يحاسبهم إذا ما فسدوا؟

أما الإصلاحات الأخرى، سواء تضمّنتها الموازنة أو لم تتضمّنها، لقد سبق أن قُمت بذكر بعضها في مقابلات سابقة. ملفّ الكهرباء، هذا الملفّ الغريب العجيب والذي يحصد عجزاً بما يزيد عن المليارين من الدولارات سنوياً، الكلّ يتكلّم عن هذا الملف ولا من حلّ سوى الإستمرار في العجز، يتقاذف وزراء ​الطاقة​ السابقين المتتاليين التهم، ويذكرون الأسباب والعراقيل التي عطّلت الحلول التي كانت تُطرح في حينه، من محطّات جديدة ثابتة، الى تحويل المحطات القائمة من الفيول الى ​الغاز​ بهبات قطرية مقدّمة في حينه، الى الطاقات الشمسية والهوائية، وغيرها.. والوضع لا يزال كما هو، (مكانك راوح).

موضوع ​النفايات​، الذي هو يُشكّل خطراً يومياً داهماً على المواطنين كافة، والمجتمع بكل شرائحه. التلوّث والأمراض، وماذا بعد؟ الا يستحقّ هذا الملفّ العناية اللازمة ووضع المشاريع المتعلّقة به قيد التنفيذ؟ سواء بالإستفادة من النفايات وإعادة تدويرها، أو تحويلها الى مواد عضوية محليّاً من ناحية، أو بيعها خارجياً من ناحية أخرى (سمعنا سابقاً بعروض إيطالية).

- أطلق الرئيس عون التحذير من الإفلاس ودعا الجميع لتحمّل مسؤولياتهم، الى أي درجة تعتقد أن الوضع خطير ليطلق الرئيس هكذا تحذير في الوقت الذي يؤكد فيه الحاكم سلامة أن لبنان بأمان؟

نُذكّر فخامة الرئيس عون بالخطة الإقتصادية التي أكّد في العام الماضي أنه سيتمّ وضعها، وتقوم على تشجيع الإنتاج لإعادة النموّ والإستقرار الى لبنان. هذه الخطّة لم تُوضع بعد، نأمل من فخامته إعطاء هذا الموضوع العناية اللازمة بعد الإنتهاء من أعمال مؤتمر "سيدر" والقروض التي سوف تنتج عنه، وبخاصة مع توقّف مصرف لبنان عن دعم الفوائد للقروض التي تُمنح لمشاريع في القطاعات الإقتصادية المنتجة.

أما التحذير الذي أطلقه فخامته، فهو ما يُشبه "جرس الإنذار" أو "دق ناقوس الخطر" تجاه ما يحصل من تراجع مستمرّ في الإقتصاد، وعجز متراكم في مالية الدولة، وزيادة في الإنفاق وفي الدين العام. حسناً فعل فخامة الرئيس بدعوة الجميع الى تحمّل مسؤولياتهم، لكن هذا لا يعني بأن الإفلاس قادم. فالدين العام موزّع ما بين دين داخلي ودين خارجي، وما بين الدولار و​الليرة اللبنانية​، وأن النسبة الأصغر من الدين هي خارجية (حوالي الثلث وفقاً لرأي المصدر)، أما الباقي وهو الجزء الأكبر فهو دين داخلي موزّع بمعظمه على سندات خزينة بالليرة اللبنانية، و Eurobonds، وهذا ما يُخفّف الى حدّ كبير من المخاطر الخارجية.

في هذا الإطار، وفي ظل الإحتياطات الكبيرة في العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان والتي تفوق ال 40 مليار دولار، إضافة الى ​احتياطي الذهب​ الذي تجاوز الـ11 مليار دولار نظراً لارتفاع أسعار الذهب في ​الأسواق العالمية​، فإن ​الوضع المالي​ لا يزال تحت السيطرة، و​الوضع النقدي​ مستقرّ.

أخيراً، أودّ لفت الإنتباه بأن مؤتمر "سيدر" أو "باريس 4" هدفه الحصول على قروض طويلة الأمد من الجهات المانحة، بفوائد ميسّرة لإنعاش الإقتصاد اللبناني، وليس للحصول على هبات، وهذه القروض في حال منحها ستكون كـ"السيف ذو حدّين"، إما أن تكون منتجة وتُسدّد، من عائدات المشاريع التي مُوّلت من خلالها، وفقاً لبرامج التسديد المعدّة لها، أو في حال فشل هذه المشاريع أو توقّفها لسبب أو لآخر، فتكون النتيجة كارثية نظراً لزيادة الأعباء وأثرها على الدين العام، وبالتالي عدم القدرة على الإيفاء في الأوقات المحدّدة.