في مرحلة مناقشة ​الموازنة​ وإقرارها التي نمر بها، تختلف الآراء ما بين اعتبار هذه الموازنة كعودة المالية العامة الى الإنتظام وبين وصفها بالعملية الحسابية التي تم إجراؤها بأسرع وقت ممكن كي لا نذهب الى "مؤتمر سيدر" دون اتخاذ أقل الإجراءات المطلوبة.

وطبعاً في بلد ك​لبنان​، تذهب التوقعات الى الأسوأ دائماً، لدرجة الحدث عن إفلاس الدولة لينفي وزير المالية ​علي حسن خليل​ هذه الأخبار ويؤكد ​حاكم مصرف لبنان رياض سلامه​ أن "الحديث عن ​افلاس​ مزايدات سياسية والعملة بأمان ولبنان بأمان".

هذه التأكيدات والتطمينات لا تنفي طبعاً أن هذه الموازنة لم تكن على قدر التمنيات من حيث الإصلاحات والتخفيضات والإستثمارات، ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. ​سمير الضاهر​.

في البداية تحدثنا عن رفض رئيس الوزراء ​سعد الحريري​ ما يقال عن أن الموازنة "سلق بسلق" وأنها انجزت في الوقت المطلوب بسبب العمل الكثيف والدؤوب، فأشار الضاهر الى أن مشروع الموازنة "وفقاً للدستور كان من المتوجب ان يتم إحالته ل​مجلس النواب​ في فترة لا تتخطى 15 تشرين الأول، هذه الموازنة جاءت متأخرة ستة أشهر"، مؤكداً أن هناك تقاعس من قبل الحكومة "خاصّةً وأن الأرقام يجب احالتها الى ​التفتيش المركزي​ لتدقيق الحسابات، كما أن هذه هي المرة الثانية التي تقر فيها الموازنة دون أن يرافقها قطع حساب. من هنا نسأل: أين العمل الدؤوب؟ هناك مهل دستورية مطلوب الإلتزام بها. هذا خرق للدستور وازدراء للقوانين."

وعن عبارة "سلق بسلق"، أوضح الضاهر انها تصف إحالة الموازنة إلى مجلس النواب مباشرة دون إعطاء مهلة لآخرين للإضطلاع عليها. وأريد الإشارة هنا الى انه في الأنظمة الديمقراطية العريقة تطرح الموازنة قبل إقرارها على مؤسسات المجتمع المدني".

وأضاف: "هناك تصريحات كثيرة تتحدث عن ان العمل جارٍ لإقرار الموازنة من أجل مؤتمر "سيدر"، والذي بالمناسبة هو "​باريس​ 4" ولن يقدم لنا الكثير، أي ان هذا الجهد لم يكن ليُبذل لولا المؤتمر. الخطوات الإصلاحية يجب ان تتّخذ لأنها ضرورية للبنان وليس لأننا متجهون الى مؤتمر دولي".

وقال: "مؤتمر سيدر" هو استجداء من قبل ​الدولة اللبنانية​ لمساعدة ​المجتمع الدولي​ قبل فترة قصيرة من الإنتخابات النيابية.

وعن إقرار ملء الشواغر في المجلس الأعلى للخصخصة ما يشير الى التقدم في موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أكد الضاهر ان "لبنان ليس بحاجة للمؤتمرات فقطاعه ​المصرفي​ يمتلك أموالاً طائلة لكن يجب ان نسمح للقطاع الخاص بالمشاركة في إعادة تأهيل ​البنية التحتية​. ما المانع من أن نعطي الرخص للمستثمرين من ​القطاع الخاص​ ليتولوا تحسين وتطوير البنية التحتية وخاصةً ملف ​الكهرباء​؟"

كما لفت الضاهر الى زيادة أعداد اللاجئين من سوريين وفلسطينيين حيث باتت الكثافة السكانة 650 شخص في كم2 "هذا تدمير بيئي وضغط على البنية التحتية"، مشيراً الى تصريحات الحريري بأنه في حال لم يقدم المجتمع الدولي للبنان ​المساعدات​ فإن هناك خطر بانتقال اللاجئين الى البلدان الأوروبية، متسائلاً: "هل سنشارك في المؤتمر للدفاع عن مصالح لبنان أو عن مصالح المجتمع الدولي؟"

وتابع: "صراحةً لم أطّلع على الموازنة بعد الإجتماعات المكثفة الأخيرة على أساس خفض العجز، ولكن قبل ذلك كان العجز لا يزال طائلاً...وقرروا تخفيض نفقات الوزارات بنسبة 20%، ولكن كيف؟ أكثر من 90% من نفقات الموازنة هي رواتب ​موظفين​ و​التوظيف​ مستمر ومباريات التوظيف لازالت جارية، وبسلسلة الرتب والرواتب سترتفع النفقات أكثر"، مشيراً إلى غياب الإستثمار بالبنى التحتية في الموازنة.

وعن العجز قال: "الدين موجود واليوم هناك ارتفاع لمعدّل الفوائد عالمياً، ونحن إذا كان وضعنا الإئتماني من سيء الى أسوأ فإن هذا سيشكّل ضغط إضافي على كلفة خدمة الدين، بالإضافة الى كلفة الكهرباء".

وعن قيمة العملة ودراسة تخفيضها، أوضح الضاهر ان "حماية سعر الصرف تكون بالإحتياطي الأجنبي لدى المصرف المركزي، وهذا الإحتياطي مصدره ​الودائع​ المصرفية وقسم كبير منها يتغذّى من ​التدفقات الخارجية​. كلّما ارتفعت النفقات العامّة ارتفع العجز وكلما ارتفع العجز ارتفع الدين، كلّما ارتفع الدين سيكون لدينا حاجة لتدفقات أجنبية أكبر، ولنجذب هذه التدفقات يجب ان يتم تخفيض الفوائد المرتفعة لدينا، أي عكس توصية ​صندوق النقد الدولي​. المشكلة هي موضوع ازدياد العجز الذي يؤدي الى ارتفاع ​الدين العام​ ما طلب زيادات في التدفقات، وإذا التدفقات لم تكن كافية فإن الضغط يرتفع على الليرة اللبنانية".