إنجاز كبير وهائل لجامعة كارنيجي ميلون التي قامت بتطوير برنامج ​ذكاء إصطناعي​ إستطاع الإطاحة بأكبر لاعبي البوكر في العالم وذلك عن طريق الخداع. هذا "الإنجاز" يُمكن أن يؤدّي إلى ضرب ​الأنظمة الأمنية​، المالية، الإقتصادية، العسكرية والإجتماعية في العالم.

قامتجامعة كارنيجي ميلون (Carnegie Mellon University) بتطوير برنامج ذكاء إصطناعي أسمته Libratus . وشارك هذا البرنامج في مباراة لعبة بوكر(Heads Up 1 vs. 1 No-Limit Texas Hold’em’) نُظّمت في كانون الثاني – شباط من العام 2017 وإمتدّت على فترة عشرين يومًا شارك فيها أهم لاعبي البوكر في العالم. وأتت نتيجة المُباراة لتؤكّد فوز هذا البرنامج الذي حصد 1.75 مليون دولار أميركي (مصدر: موقع الإقتصاد[1]).

حدث إعتيادي ولكن...

قد يظنّ القارئ وهذا حق، أن هذه ليست المرّة الأولى التي يفوز فيها برنامج خوارزمي (Algorithm) على الإنسان خصوصًا في مجال ​الألعاب الإلكترونية​، فقد سبق أن ربح DeepBlue التابع لشركة أي-بي-أم ضد اللاعب العالمي غاري كاسباروف في لعبة الشطرنج في تسعينات القرن الماضي كما أن برنامج AlphaGo التابع لغوغل فاز على أهم لاعبي العالم في لعبة Go.

إلا أن ما يجب معرفته هو أن لعبة البوكر هي لعبة مُعقّدة وفيها عوامل كثيرة غير معروفة على عكس لعبة الشطرنج، وبالتالي لا يُمكن للخوارزمي معرفة كل إحتمالات الخصم (Incomplete Information).وهذا يعني أن الخوارزمي إستطاع التفوّق على خصومه وخداعهم بشكل أفضل مما يفعلون وذلك من خلال قدرة التعلّم التي يمتلكها. وبحسب واضعي هذا الخوازرمي، إستطاع هذا البرنامج خلال كل فترة المباراة التعلّم من أخطائه وتصويبها في اليوم الثاني على فترة إمتداد المباراة إلى أن وصل إلى الفوز في النهاية.

مخاوف هائلة من هذا الإنجاز

أبعاد هذا الإنجاز تتخطّى عقل الإنسان من ناحية أن الخوارزمي والذي يُمكن وضعه بي أي جهاز يمتلك شريحة إلكترونية(Mobile Phone, Computer, Robot, Car, Microwave…)، إستطاع تطوير طريقة خداع تخطّت الذكاء الإنساني وهذا الأمر خطير لأن تداعياته مُمكن أن تطال كل القطاعات بما فيها العسكرية، الإقتصادية، المالية وحتى الإجتماعية.

فمثلًا إذا ما أخذنا قطاع ​الأسواق المالية​، يُمكن لهذا الخوارزمي أن يربح الأموال بشكل دائم من خلال الـ High Frequency Trading، وبالتالي فإن الشخص أو الشركة التي تمتلك هذا الخوارزمي مُمكن أن تُحقّق أموالًا غير محدودة قد تؤدي إلى إنهيار الأسواق المالية.

أيضًا يُمكن أخذ مثال ​المفاوضات​ التجارية حيث لا يوجد تساوي في المعلومات بين المفاوضين (Incomplete Information). في هذه الحالة يُمكن لهذا الخوارزمي أن يربح المفاوضات بشكل يتخطّى أكبر المفاوضين وذلك من خلال إستراتيجيات خداع يُمكن له أن يطوّرها بمجرّد إحتكاكه مع المفاوضين. كل هذا بدون أي تدخلّ إنساني بل مبنى على خيارات يقوم بها الخوارزمي وتعتمد على ما إستطاع تجميعه من معلومات. الجدير بالذكر أن قدرة الشريحة الإلكترونية على جلب المعلومات من الذاكرة الحسابية أعلى من قدرة الإنسان كما أن حجم المعلومات يفوق بأرقام ضوئية ما يستطيع إنسان أن يُخزّن من معلومات.

ولا يُمكن نسيان تطبيقات هذا الخوارزمي في المجال العسكري حيث يُمكن له أن يلعب دورًا محوريًا في وضع الإستراتيجيات العسكرية والخرق السيباري وغيرها من ​التطبيقات​. وهذا ما دفع العديد من الباحثين في هذا المجال إلى ​تصنيف​ هذا الخوارزمي ب​السلاح​ الخطر والأكثر فتكًا من السلاح ​النووي​.

ضرورة وضع ضوابط...

ومن منّا لم يُشاهد فيلم iRobot حيث تقوم الروبوتات بتطوير إستراتيجيات وسلوك مُعيّن تُسيطر فيه الآلة على الإنسان وما له من تداعيات كارثية على الصعيد الإجتماعي وإستعباد الإنسان من قبل الآلات!

من هذا المُنطلق، هناك إلزامية أخلاقية وأمنية على الحكومات لضبط الأبحاث في مجال ​الذكاء الإصطناعي​ الذي ومن خلال الأجهزة التي نستخدمها يوميًا، تمتلك الوسيلة للوصول إلى أي شخص في هذا العالم.

إن عدم وضع الضوابط سيترك المجال مفتوح أما الشركات خصوصًا الأميركية منها، للتسابق على إمتلاك هذه الخوارزميات ووضع تطبيقات لها. والأخطر أن هذه الشركات بحدّ ذاتها لن يكون لها قدرة السيطرة على هذه الخوارزميات نظرًا لقدرة التعلّم الهائلة التي تتمتّع بها مما يجعلها قادرة على خلق ​أسلحة​ لا نفهمها أو خرقّ أي حاسوب في العالم.

نعم​ إنه سيناريو كارثي على البشرية لأن الإنسان، ومن خلال وضع هذه الخوارزميات، يقوم بتعليم ​الحواسيب​ والروبوتات وسائل لخداع الإنسان والتغلّب عليه. وما يجب معرفته أن هذه الخوارزميات تمتلك المنطق ولكنها لا تمتلك الأخلاق والإحساس وبالتالي فإن أي إستراتيجية أو سلوك مُعادي للإنسان قد يكون مُدمّر للإنسان. على هذا الصعيد يكفي ذكر الإستراتيجيات التي تخلقها هذه الخوارزميات في لعبة Go !!

يبقى القول أن ما يتوجّب على السلطات العالمية القيام به هو وضع إطار قانوني لإستخدام الأدمغة المصنوعة من السيليسيوم والتي تُعتبر الأساسي في خلق مثل هذه الخوارزميات. ويجب معرفة أن أي تهاون في هذا الأمر سيؤدّي حتمًا إلى فناء البشرية.