حوالي ثلاثة أشهر مرّت منذ بدء تطبيق رفع الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 11%، بموجب القانون رقم 64 الصادر في 20 تشرين الأول 2017. فمنذ بداية العام 2018، استحق رفع حزمة من الضرائب على مختلف الخدمات والسلع، وذلك بعد إقرارها من قبل مجلس النواب، بهدف تمويل سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام.

لكن بعض التجار لم ينتظروا الموعد القانوني لفرض الضريبة بل رفعوا أسعار السلع لحظة إقرار الضرائب، دون أي مبرر. وهنا تظهر جلية هشاشة الاقتصاد اللبناني وغياب الاستقرار في أسعار المواد الاستهلاكية، وذلك بسبب ضعف آليات الرقابة والمحاسبة، وخطط الهادفة الى تحسين وضع الأسواق، والحد من الفوضى المنتشرة فيها.

فهل أدى رفع الضرائب الى ارتفاع غلاء المعيشة؟ وكيف يمكن تقييم مؤشر الأسعار مع الاقتراب من نهاية الربع الأول من العام؟ والى أي مدى أثرت الضرائب الجديدة حالة الأسواق اللبنانية وقدرة المواطن الشرائية وحركته الاستهلاكية؟

أجابت على هذه الأسئلة مسؤولة قسم مراقبة سلامة الغذاء في "​​جمعية حماية ​المستهلك​​​"، ندى نعمة، في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد":

ما هي النقاط التي ركزتم عليها كجمعية حماية المستهلك خلال اليوم العالمي لحقوق المستهلك؟

في كل سنة، تطلق المنظمة العالمية للمستهلك عنوانا خاصا باليوم العالمي لحماية المستهلك الذي يقام في 15 آذار، وهذا العام كان العنوان: "من أجل أماكن تسوق رقمية أكثر عدالة"، وستعمل كل الدول على أساسه، ومن مسوؤلية الجمعيات تحفيز الحكومات على تطبيق كل القرارات والقوانين التي تخدم مصلحة المستهلك.

وقد تم اختيار هذا العنوان، لأن التجارة الالكترونية في حالة من التوسع الدائم، ففي العام 1995، كانت نسبة سكان العالم الذين يستخدمون الانترنت 1%، أما في العام 2017 فقد وصلت الى 50%، كما بلغت مبيعات التجارة الالكترونية حوالي 9.1 تريليون دولار، وبالتالي يجب ايجاد بعض القوانين المنظمة لهذه التجارة بين الدول، بالاضافة طبعا الى تحفيز المستهلكين. اذ لم يعد بامكاننا التهرب منها بل باتت حاجة ملحة، وعلى كل الدول مسؤوليات لتطبيق التشريعات التي تحمي المستهلكين من هذه التجارة.

فالمستهلك يتعرض للعديد من المشاكل مثل الغش والاحتيال وعدم تطبيق معايير السلامة التي تضمنها قوانين حماية المستهلك العالمية. ونحن وجهنا رسالة الى وزير الاقتصاد رائد خوري حول هذا الموضوع، وأخبرناه عن مطالبنا، وأهمها اتخاذ إجراءات ضرورية، لأن لبنان لم يحقق شيئا في هذا القطاع الى حد اليوم، في ظل غياب قانون المنافسة ومنع الاحتكار، وضعف مراقبة السوق.

من جهة أخرى، لا بد من الاشارة الى أن معدلات أسعار الاتصالات هي الأغلى في المنطقة، وبما أن الدولة تعتبر قطاع الاتصالات والانترنت بمثابة مورد للاقتصاد، لن يستفيد منه المستهلك كما لن يكون متاحا في كل المؤسسات، في ظل وجود وكالات حصرية لكل شيء. ومن هنا، يجب أن يكون هناك تشريعات مشابهة لكل دول العالم، من أجل جعل أسواقنا عادلة وآمنة من الخداع والاحتيال.

فقد حملنا هموم الناس وطالبنا وزير الاقتصاد بمتابعتها، فعلى الدولة أن تغير سياساتها في ما يتعلق بتخفيض سعر الاتصالات والاستفادة من التطور العالمي من أجل إفادة المستهلكين وتقديم الخدمات مع التشريعات.

ولا بد من الاشارة، الى أنه تم اطلاق "استراتيجية مديرية حماية المستهلك للأعوام 2018-2020" في ظل غياب جمعية حماية المستهلك، وهذا الأمر معيب في بلد ديمقراطي مثل لبنان. فلا قيمة لهذه الاستراتيجية دون وجود ممثل عن المستهلكين.

فالجمعية تتحارب لأننا نتكلم بشكل شفاف وواضح مع الرأي العام، لكننا لن نتوقف أبدا، وسوف نتطرق دائما الى الأمور الصحيحة والخاطئة أيضا. ونحن نعرف حدودنا جيدا، لأننا نراقب الأسواق، ونقدم المواضيع الى الرأي العام، لكن صلاحياتنا تتوقف أمام الدولة التي سنصفق لها عندما تمارس مهامها.

من جهة أخرى، كيف تقيمين مؤشر الأسعار مع الاقتراب من نهاية الربع الأول من العام 2018؟ هل أدى رفع الضريبة الى ارتفاع غلاء المعيشة؟

خلال الربع الرابع من العام 2017، أي بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب وقبل تطبيق الضرائب، شهدنا على ارتفاع بالأسعار بنسبة 2.28%. ومن المتوقع أن نشهد على تسجيل المزيد من الارتفاعات خلال الربع الأول بسبب زيادة الـ"TVA"، خاصة وأن الزيادة في أسعار المحروقات واضحة للغاية في هذه الفترة، ما سينعكس سلبا على مؤشر الأسعار ويؤدي الى ارتفاعه بشكل أكبر.

أما خلال العام 2017، فلم نشهد على أي انخفاض بالأسعار، بل كانت الارتفاعات تراكمية وبلغت حوالي 6%، وهذه النسبة خطيرة جدا، خاصة وأن الدولة لا تتجذ أي إجراءات جدية لكبح الغلاء الحاصل.

هل أثرت الضرائب الجديدة على حالة السوق والقدرة الشرائية للمواطن؟

الركود هو سيد الموقف في الأسواق، الا خلال الأعياد، فالمستهلك يشتري حاجياته الأساسية، خاصة أن الزيادات على الرواتب لم تطال كل شرائح المجتمع، وبالتالي لم يتم تحقيق دورة اقتصادية سليمة.

وبالاضافة الى ذلك، يواجه المواطن المزيد من العوائق مثل وقف القروض. ومن هنا نلحظ أن التحسينات غائبة، في حين أن الاجراءات التي من شأنها تجميد الأوضاع والحركة، تظهر بشكل دائم ومتواصل، بحجة غياب الامكانيات.

هل شهدت الأسعار المزيد من الارتفاعات خلال فترة الصوم؟

خلال هذه الفترة، نلاحظ ارتفاعا في أسعار الخضار بسبب زيادة الطلب عليها، وهذا الأمر طبيعي وبديهي، ونعايشه دائما خلال فترات الصوم. لكننا لا نواجه اليوم مشكلة كبيرة في الخضار، لأن بعض الأنواع هي حاليا في موسمها، كما أن إنتاجها محلي.

هل تلقت الجمعية عددا كبيرا من الشكاوى والمخالفات خلال أول ثلاثة أشهر من العام؟

الشكاوى ليست موسمية بل يومية، فكل يوم نتلقى مخالفات وشكاوى عديدة ومتنوعة، مثل تلك المتعلقة بالمواد الغذائية الفاسدة أو فواتير الانترنت وغيرها. وبالتالي لا نشهد على تراجع في حجمها بل على العكس.

ما هي النصيحة التي تودين إيصالها الى المستهلك اللبناني خلال فترة الأعياد القادمة؟

المستهلك اللبناني لم يعد يشتري بشكل عشوائي لأن قدرته الشرائية باتت أقل، وبالتالي أصبح يحدد مشترياته ويختار السعر الأفضل، كما أنه لا يعتمد على سوبرماركت واحدة، لأن الدراسات أثبتت أن المتاجر الكبرى تعتمد سياسة تخفيض أسعار سلع معينة ورفع أسعار أخرى، ما يؤدي الى تضخم الفاتورة.

ولهذا السبب يجب أن يراقب المستهلك السلعة التي يريد أن يشتريها، ويقارنها في أكثر من متجر، ومن ثم يشتري الأرخص. وحتى ولو استغرقت زيارته للأسواق مدة أطول، عليه التقيد بهذه التعليمات لكي يوفّر في فاتورته؛ وهذا ما سينعكس عليه بشكل ايجابي.