من المتعارف عليه ان الدواء يعتبر سلعة استهلاكية في السوق تخضع للعرض والطلب، كما وللصعود والارتفاع في الاسعار طبقاً لإعتبارات عدة تحددها الجهات المعنية في القطاع بالتنسيق مع السلطات الرسمية المسؤولة عن الرعاية الصحية. الا ان الدواء يكاد يكون السلعة الوحيدة الخاضعة للتطوّر والتحديث بصورة مستمرة فضلاً عن ان فقدان بعض انواعه من السوق يهدد الآمان الصحي في معظم الاحيان.

وفق تقرير أصدرته شركة "كوينتايلز آي.أم.أس" القابضة إن ​الإنفاق​ العالمي على الأدوية التي لا تصرف إلا بوصفات طبية سيصل إلى 1.5 تريليون دولار تقريبا بحلول عام 2021، على الرغم من أن المعدل السنوي للنمو سيتناقص مقارنة بالأعوام القليلة الماضية.

ويستند هذا الرقم إلى أسعار الجملة. وستسهم الولايات المتحدة بما يصل إلى 675 مليار دولار من 1.5 تريليون.

وقال تقرير التوقعات العالمية للأدوية حتى عام 2021 الذي أعدته الشركة إنه بعد حساب الخصومات والتخفيضات المتوقعة لشركات التأمين الصحي وغيرها من الجهات الضامنة سيكون صافي الإنفاق تريليون دولار تقريبا عام 2021.

ويتوقع أن يتراوح معدل النمو السنوي للإنفاق على مدار الأعوام الخمسة المقبلة بين 4% و7% مدفوعا بأدوية أحدث لعلاج السرطان والسكري وأمراض المناعة الذاتية بأسواق الدول المتقدمة، وهذا بالمقارنة بمعدل نمو بالإنفاق 9% عامي 2014 و2015 كان مدعوما جزئيا بزيادة الطلب على الأدوية الجديدة لعلاج فيروس التهاب الكبد (سي) وقد استقر المعدل منذ ذلك الحين.

اليوم، ثمة من يقدر حجم السوق العالمية للأدوية بما يزيد عن 1،4 تريليون دولار. وتبقى الطموحات والتحديات تتمثل في فتح الاسواق الدوائية بما يخدم المصلحة الوطنية لكافة الدول، وتشجيع ​الاستثمار​ وتطوير سبل التواصل مع المستثمرين، والانتقال من الصناعات الدوائية التقليدية الى الصناعات المبتكرة والبيولوجية.

اما في لبنان ما هو حجم فاتورة الدواء في العام 2017؟

رئيس نقابة مستوردي ​الادوية​ واصحاب المستودعات ارمان فارس يقول "للاقتصاد": تعتمد نقابة مستوردي الادوية وحدة القياس العالمية لتحديد حجم اسواق الدواء وهي "سعر المبيع للسوق". اما مصادر المعلومات التي نستند اليها فهي: تقارير احصائية شهرية صادرة عن مؤسسة IMS تتناول استهلاك الادوية عن طريق الصيدليات والمستشفيات، وتقارير المؤسسات العامة "Public Institutions" عن حجم مشترياتها السنوي للادوية. ومع هذه المصادر الثلاث ووحدة القياس المعتمدة عالمياً، نقدّر سوق الدواء في لبنان لسنتي 2016 و 2017 موزّع كالتالي:

اي 193دولاراً للفرد اذا اعتبرنا أن عدد السكان في لبنان 6 ملايين (بما فيه عدد اللاجئين)، فيما أن استهلاك الدواء في فرنسا على سبيل المثال هو 740 دولاراً للفرد.

اما العوامل التي تؤثر على حجم الإنفاق على الأدوية في لبنان فهي من نوعين:

العوامل التي تسبب انخفاضاً في الحجم:

1-أسس التسعير الموضوعة من قبل وزارة الصحة العامة لا سيما القرار 796/1 تاريخ نيسان 2014 الذي أوجب اصطفاف سعر ​الاستيراد​ على مستوى السعر الأدنى لأسعار المقارنة في 7 بلدان أوروبية وسبع بلدان مجاورة بدلاً من السعر الأوسط لأسعار المقارنة في أوروبا.

2-اختصار الفترة الزمنية التي تفصل بين تاريخ تحديد السعر الاستيراد وتاريخ إعادة التسعير من نهاية السنة الخامسة الى بدايتها (المذكرة رقم 20 تاريخ 29/2/2016)

3-دخول دائم لعدد كبير من الأدوية الجينيريك بأسعار منخفضة

4-انخفاض اسعار العملات الأجنبية (كما كانت الحال في السنة 2016 حيث انخفض اليورو بنسبة 15% في ما بين نهاية 2015 ونهاية 2016)

واما العوامل التي تسبب ارتفاعاً في الحجم فهي :

1-التطوّر المستمر في التشخيص للأمراض كمّاً ونوعاً

2-استمرار ظاهرة التطبيب الذاتي

3-ازدياد عدد السكّان

4-الدخول الباكر للأدوية المتطوّرة كميائياً وبيولوجياً

5-ارتفاع اسعار العملات الأجنبية (كما كانت الحال خلال سنة 2017 حيث ارتفع اليورو بنسبة 10% في ما بين نهاية 2016 ونهاية 2017).

وفي غضون ذلك هناك فئة من الادوية يرتفع الطلب عليها اكثر من غيرهاما هي ولماذا؟

يقول فارس: إن الفئات العلاجية التي شهدت ارتفاعاً في الطلب في ما بين 2016 و 2017 هي أدوية الأمراض السرطانية والمناعة، الأمراض الجلدية، أمراض الدم والقلب. ليس لدي تفسير خاص بلبنان وإنما استطيع التأكيد على أن هذه الظاهرة شبيهة بما نراه في بلدان العالم عامة.

ولكن في المقابل ثمة ادوية يشهد الطلب عليها تراجعاً . ماهي ولماذا ؟

يوضح فارس: ليس من فئات علاجية تشهد انخفاضاً في الطلب ومن اهم الفئات الثابتة كمّاً فهي أدوية الجهاز الهضمي والأدوية المضادة للإلتهابات وأدوية الجهاز التنفّسي.

وفي غضون ذلك ما هو حجم فاتورة ادوية الامراض النفسية والعقلية ؟ وهل هي في تراجع ام ارتفاع؟

يقد ّر فارس حجم أدوية الأمراض النفسية والعقلية بـ 122 مليون دولار (12% من مجمل الفاتورة الدوائية). وقد شهدت ارتفاعاً في الطلب بنسبة 2% في ما بين 2016 و 2017.

وعن مدى اعتماد الاستهلاك في لبنان على الوصفة الطبية اكثر من التطبيب الذاتي يقول:

إن ظاهرة التطبيب الذاتي منتشرة في لبنان بسبب قدرة اللبنانيين بغالبيتهم الساحقة على التواصل مع شبكات المعلومات المتواجدة على الانترنت.

إنما جهود وزارة الصحة العامة ونقابة الصيادلة ونقابتي الأطباءتهدف جميعها الى تحقيق الإرشاد العلاجي الصحيح والأمان الصحّي وفعّالية العلاجات، باعتماد لائحة الأدوية التي لا يجوز صرفها دون وصفة طبية.

والسؤال البديهي هنا هل ان الطلب على ادوية الجينيريك بدا يحقق النتائج المرجوة بفعل التشجيع الرسمي في لبنان؟

وفق فارس ، انه من خلال القراءة الأولية للإحصاءات المتواجدة لدى النقابة ،فإن نسبة أدوية الجينيريك من مجموع الفاتورة الدوائية في سوق الصيدليات والمستشفيات ثابتة على مستوى 57% كمّا و43% قيمة.

وعن ترقبه لمستقبل اسعار سوق الدواء عالميا في المرحلة المقبلة يعتبر انه من ضمن النظام العالمي لتسعير الأدوية أن تجيز السلطات الصحية العالمية لشركات الأدوية المصنعة للأدوية المبتكرة من جرّاء الأبحاث والتطوير العلمية، أن تحدد الأسعار التي تتماشى وقدرتها على استعادة تكاليف الأبحاث خلال فترة صلاحية براءة الإختراع العائدة لدواء ما، وذلك كحافز لتشجيعها على الاستمرار في الاستثمار في الأبحاث والمجيء بأدوية حديثة ومفيدة لعلاج الأمراض على اختلاف أنواعها.

بإصراره على الاستحصال الباكر على الأدوية الحديثة، يتصدّر لبنان لائحة البلدان الرائدة في هذا المجال، مما يحتّم أن يستورد لبنان الأدوية الحديثة بأسعار دخولها الأول الى الأسواق العالمية. ومن ثم، مع الزمن، تنخفض الأسعار.

يجدر أن نذكر أسس تسعير الأدوية في لبنان المعتمدة من قبل وزارة الصحة العامة بطريقة علمية وشفافة والتي توجب على مصنّع الأدوية أن يكون سعر الاستيراد الى لبنان (أي السعر الذي يدفعه المستورد للمصنّع عند الاستيراد) أدنى من سعر المقارنة في 14 بلدان مقارنة (7 بلدان مجاورة وسبع بلدان أوروبية). كما توجب الوزارة على المصنّع أن يعيد تحديد سعر الاستيراد (غالباً ما يكون التعديل انخفاضاً) كل 5 سنوات. ويكشف فارس انه سيصل عدد الأدوية الخاضعة لإعادة التسعير سنة 2018 الى 913، والنسبة الوسطية للإنخفاض ستكون 29%.

أما السبب الاساس لانخفاض سعر الاستيراد فهو اقتراب نهاية المهلة المعطاة لدواء ما للاستفادة من حقوق براءة الاختراع العائدة له.

في النهاية ،مع اي معادلة حسابية او رقمية ، لا بد من الاعتراف ان سوق الدواء سوق صامدة وصناعته ثابتة رغم كل المتغييرات المستجدة ومحاولات لجم الانفاق في قطاعات اخرى، لأن الصحة ومتطلباتها تبقى جوهرية ومن اولويات اي سياسات حكومية ناجحة لا تنشد الفشل بل الديمومة والنجاح .