ثلاث مستشفيات في ​طرابلس​ وواحدة في زغرتا وعدد من الأطباء، أمعنوا في عمليات التزوير والتحريف في القيود والاستمارات الطبية، وتسجيل عبر تسجيل مرضى وهميين وأسماء لعشرات الأشخاص المتوفين في مستشفيات أخرى، وإدعاء وجود أقسام لمعالجة مرضى الغيبوبة والشلل علماً أنها غير موجودة، وتقديم فواتير الى وزارة الصحّة، لقبض فواتير مقابل علاجات لأمراض مختلفة لم تحصل أساساً، كما أن بعض الأطباء عمدوا الى اتلاف المستندات والأوراق التي تفضح أفعالهم الجرمية.

خيوط هذه القضية بدأت تتكشف، مع تكليف وزير الصحّة لجنة مؤلفة من الطبيب "عبدو. ح" والسيدة "رين. م" في العام 2014 للكشف المالي والفني والطبي والشخصي، على فواتير المرضى عن الفئة الثانية والثالثة في المستشفيات الخاصة والحكومية والمتعاقدة مع وزراة الصحة، ووضع تقرير مفصّل عن كلّ مؤسسة. وبنتيجة هذا الكشف، تبيّن أن إحدى المستشفيات في طرابلس، لا يوجد لديها علم وخبر بقسم الغيبوبة مسجّل أصولاً لدى مدير العناية في وزارة الصحة، كما لا يوجد لديها قسم غيبوبة مجهّز لاستقبال المرضى، ولا يوجد معاينة من وزارة الصحة للتأكد من تجهيزه.

على الرغم من ذلك، وبعد مراجعة الجداول المرسلة من المستشفى المذكورة الى الوزارة، اتضح وجود أسماء مرضى متوفين منذ سنوات وأسماء مرضى وهميين لم يدخلوا المستشفى أساساً، كما لوحظ إزدواجية في ادراج أسماء المرضى ذاتهم، إذ أن بعض الأسماء الموجودة على الجداول المقدمة للقسم الاداري، هي نفسها الأسماء المسجلة على الجداول المقدمة من مستشفى أخرى في طرابلس عن فئة الشلل القابل للتأهيل. وتوصلت اللجنة الى أن إحدى المستشفيات في زغرتا، لها ثلاثة عقود غيبوبة وشلل غير قابل للتأهيل وسمع ونطق، وبعد الكشف تبين عدم وجود قسم غيبوبة مجهّز لاستقبال مرضى يفوق عددهم الـ40 مريضاً، بل يوجد ثلاثة أسرّة مجهزة فيه، وهي الأسرّة نفسها التي تستعمل لمرضى علاج الشلل، كما يوجد ازدواجية في ادراج أسماء المرضى ذاتهم على كافة الجداول المقدمة الى القسم الاداري (في وزراة الصحة)، في حين أن التجاوز المقدم عن فئة الغيبوبة يفوق حوالي السبعة أضعاف أو أكثر من لسقف المالي المعتمد في الاتفاقية مع وزارة الصحّة.

بنتيجة تمحيص اللجنة المكلّفة من قبل وزير الصحّة، تبين وجود كامل ملفات المرضى المذكورة أسماؤهم في الجداول،، لكن التشخيص المعطى من قبل المدعى عليه الدكتور "ع. ص" كان مخالفاً للحالة السريرية للمريض، علماً أن البطاقة الصحية الاستشفائية، كانت تصدر بناء لتشخيصه وتوقيع الطبيب المراقب، كما أن مستشفى أخرى في طرابلس، ولدى الكشف على جداولها ثبت أنها أدرجت ضمنها أسماء مرضى متوفين في أكثر من مركز استشفائي، وأن الجداول أظهرت تخطٍّ واضح للسقف المتفق عليه. كما أن مستشفى أخرى في طرابلس وبعد كشف اللجنة، أظهرت أن لديها عقوداً لأمراض مزمنة وشلل قابل للتأهيل وشلل غير قابل للتأهيل، وغيبوبة وأطراف إصطناعية وأمراض عقلية ونفسية، وهي مخالفة للكثير من بنود الاتفاقية المعقودة مع وزارة الصحة، ومخالفة لمواد مرسوم أصول التعاقد مع المستشفيات، إذ تبين أن عقد الغيبوبة أبرم خارج جدول مرسوم توزيع السقوف المالية، بقرار من الوزير عدّل فيه القيمة، علماً أن هذا المستشفى لا يوجد لديها علم وخبر بقسم العناية الملطفة، ولا يوجد قسم مجهّز للعناية من أساسه.

إضافة الى كلّ ذلك، صدرت ست بطاقات لمرضى، للإستفادة من هذا القسم علماً أن البعض منهم وردت أسماؤهم في سجلات مستشفيين أخريين على أنهم متوفون، ولوحظ أن مستشفى أخرى لديها عقد تركيب أطراف اصطناعية علماً أنه لا يوجد فيها قسم لهذه الحالة، كما يوجد أخطاء كبيرة في الفواتير المقدمة إذ أن الأسماء المدرجة لا تعكس البطاقة الصادرة للمريض كمريض مزمن، مدرج على جدول المرضى النفسيين، كما يوجد مرضى خرجوا (من المستشفى) منذ أشهر ما زالوا مسجلين على اسم الوزارة.

هذ بما خصّ المستشفيات، أما بما يتعلّق بدور الأطباء في هذه العمليات، فتبين أن الأطباء المدعى عليهم هم الأطباء المراقبون الذين يقومون وفقاً للقرار 147/أ تاريخ 17/3/2007، بمهمام المراقبة وزيارة المرضى الذين يتعالجون على نفقة وزارة الصحة بصورة دورية، ويطلعون على ملفاتهم والخدمات المقدمة لهم، ومسك السجلات بأسماء المرضى وتاريخ دخولهم وخروجهم من المستشفى، ومسك قيد الاعتمادات المالية، والتأكد من عدم تجاوز هذه الاعتمادات، والتحقق من هوية المرضى والتشخيص المحدد من قبل الطبيب المعالج، ومن حاجة المريض للاستشفاء وملء بطاقات الاستشفاء.

لكن ما كان يحصل يخالف كلّ هذه القواعد، إذ أن المدعى عليهم الأطباء "س. م"، "ن. ج"، "غ. ح"، "ع. ص" هم أطباء مراقبة في المستشفيات المذكورة، وكان كل منهم يعطي التعريف بالمريض ويوقع عليه، ومن ثم يقوم المريض أومن ينوب عنه بتوقيع استمارة التعريف طالباً الموافقة على تغطية بدل استشفاء ويوقعها، ومن ثم توقع الاستمارة من قبل الطبيب المعالج بعد إجرائه الأعمال الطبية، ثم يوقع الطبيب المراقب على انجاز كافة ما تقدم وعلى خروج المريض من المستشفى. واتضح أن المدعى عليهم كانوا قبل الكشف يقومون بهذه العملية سوياً، بتسجيل مرضى وهميين متوفين لدى المستشفيات المدعى عليها، على حساب وزارة الصحة عن طريق التزوير والتحريف، واستولوا بالنتيجة على المال العام، كما أقدم المدعى عليهم المذكورين، على تلف جميع الأوراق التي قد تكشف أفعالهم.

كل هذه الوقائع وردت في القرار الظني الذي أصدرته قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصّار، بعد تحقيقات مطوّلة أجرتها في هذه القضية، وخلصت بنتيجتها الى إعتبار أفعال الأطباء المدعى عليهم تنطبق على جنايات سرقة المال العام والتزوير، التي تصل عقوبتها الى الأشغال الشاقة سبع سنوات، كما اتهمت أربع مستشفيات بالجرائم نفسها، وأحالت الملف مع المدعى عليهم على محكمة الجنايات في الشمال لمحاكمتهم.

خاص ــ الاقتصاد