بعد عقد ونيّف على ​الاختلاس​ات التي طالت بلدية برج حمّود، قال القضاء كلمته، وكشف تفاصيل العمليات التي كانت تحصل في أروقة البلدية من سحب أموال من دون قيود أو تدوين في السجلات، ما تسبب بسرقة مئات ملايين الليرات ال​لبنان​ية.

لقد وضعت لجنة التدقيق بالأوضاع المالية لبلدية برج حمود بناء لتكليف وزير الداخلية والبلديات تقريراً أولياً في 21 حزيران 2004، أشارت فيه الى اختلاس مئات ملايين الليرات وفق ما إعترف به كل الذين استمع اليهم، بحيث أقرّ ​أمين الصندوق​ بسحب مبلغ يصل الى حدود 200 مليون ليرة، وذلك لغاية شخصية كما أشار الى أن رئيس الدائرة المالية سحب مبلغ يصل الى 885 مليون ليرة من الصندوق في حين أقرّ رئيس الدائرة المالي بسحبه 150 مليون ليرة لغاية شخصية.

من مجريات التحقيق، تبيّن أن المتهم "فاروجان. أ" كان أمين صندوق في البلدية، و"مرديراس. ك" رئيس الدائرة المالية وقد توفاه الله وأسقطت دعوى الحق العام عنه، وأحيل الملف من وزارة الداخلية الى النيابة العامة المالية التي كلفت مكتب مكافحة الجرائم المالية و​تبييض الأموال​ لإجراء التحقيق، وأفاد المتهم "فاروجان" في التحقيق الأولي أنه جرى تعيينه كاتباً في الدائرة المالية للبلدية أوائل عام 1998، وخلال شهر آب من العام ذاته، عين أميناً للصندوق بعد وفاة أمين الصندوق السابق، ولم يكن لديه ​علم​ كافٍ بواجباته وصعوبة تأمين الصندوق، إنما تعلم ذلك بالممارسة، وأن المتوفي استلم لفترة الصندوق قبل تسلمه اياه، وكان من المفترض أن يكون فيه 460 مليون ليرة، إنما في الواقع كان فيه 220 مليون ليرة كان في درج مكتب المرحوم "مارديروس".

كل الأموال المجباة للبلدية كانت تسجل في سجلاتها، ولكن تبين وجود نقص في صندوق البلدية وبدون أي مستند رسمي يبرره، بلغ مليارين و500 مليون ليرة، بحسب أقوال المتهم "فاروجان" الذي أوضح أن حوالي 800 مليون ليرة صرفت بمعرفته، منها 150 مليون ليره أخذها هو لغاية شخصية، و400 مليون أخذها رئيس الدائرة المالية المتوفي "مارديروس"، و70 مليون ليرة للحاجب في البلدية "جاك. أ"، بعد أن هدده الأخير بأنه على اطلاع بالأموال الناقصة، ولم يوقع على أي مستند يثبت ذلك، وأنه دفع لـ"مهران. ك" مبلغ 20 مليون ليرة على دفعات، لأن "جاك" أعلمه بأن "مهران" ينوي إزاحته من منصبه ليحل مكانه، فأعطاه المال كي لا ينقلب ضدّه ويقع معه في المشاكل وكان "جاك" يتسلّم منه المال ليسلمها الى "مهران".

وأقرّ المتهم أيضاً بأنه دفع مبلغ 60 مليون ليرة الى "ديكران. ب" وهو مسؤول في أحد الأحزاب الأرمنية، وقد أعلمه "جاك" أن موضوعه (المتهم) مع الأموال أصبح كبيراً وسينكشف، وسيتعرّض للملاحقة وأنه على صلة بأشخاص في ​التفتيش المركزي​ ومجلس ​الخدمة المدنية​ يمنكهم مساعدته، فأعطى "جاك" على دفعات مبلغ 100 مليون ليرة، لتسليمها الى هؤلاء كرشوة، وفي العام 1999 وبعد أن استقال رئيس البلدية علم من "مارديروس" بوجود نقص في الصندوق، وأحضر الأخير ورقة تحمل أسماء وهمية وقدمها للقائمقام لتغطية موضوع النقص وإن كان في حينه جديداً في مركزه كأمين صندوق.

في العام 2000 كلّف رئيس البلدية المتهم بإجراء جردة حساب، وطلب ذلك أيضاً من المتوفي "مارديروس"، وقد زوده الأخير بالجردة لتكون متطابقة مع جردته وأنه إحتجز (المتهم) لشهر ونصف في نادي الأرمن في انطلياس، كما جرى التحقيق معه من قبل لجنة وزارة االداخلية، وأنه يعتقد أن النقص ناجم عن خطأ في الحساب، وأفاد "مارديروس" (قبل وفاته)، أن النقص انكشف في العام 1999 لدى التسلم والتسليم بين رئيسي البلدية، وكانت قيمته حوالي 300 مليون ليرة، وتبين وجود 400 مليون ليرة كسلفات و​ديون​ للموظفين مدوّنة في السجل الذي تم التوقيع عليه من قبل الجميع بحضور القائمقام، وصرح رئيس البلدية السابق للقائمقام بأنه سيعطي النقص من حسابه الشخصي بواسطة ​شيك​ الا أن القائمقام رفض ذلك.

لدى تسلّم القائمقام أمور البلدية،(بحسب إفادته المتهم) تبين وجود نقص خمسين مليون ليرة، فطلب من أمين الصندوق تنظيم جدول بأسماء وهمية لمياومين ومساعدات مرضية، وأن يتم تنظيم جدول بمبلغ 25 مليون ليرة لعمال وهميين لكي يدون في السجلات بموجب حوالة صرف، كان يوقعها رئيس البلدية وأمين الصندوق، وكان المبلغ يوزع على الموظفين تقديراً لجهودهم، ولنادي الهومنتمن ولرئيس البلدية و500 ألف ليرة له أي (مارديروس)، وأنه سحب من البلدية مبلغ 150 مليون ليرة كسلفة على حساب ​تعويض​ صرفه، وجرى التحقيق معه من قبل حزب أرمني، حيث هددوه بعدم العودة الى منزله في حال عدم توقيعه تعهداً بتسديد كامل المبالغ الناقصة.

وأبرزت الجهة المدعية اقرارين منظمين من المتهمين الأول موقع من المرحوم "مارديروس" في 14 حزيران 2004، والثاني موقع من "فاروجان" في 15 حزيران 2004، وأفاد الأول قبل وفاته، أنه وقعه في مقر النادي تحت الإكراه ولا صحة له، وأنكر ما أسند اليه، وأن صرف الأموال كان يتم شفهياً بأمر من رئيس البلدية، وأنه كان ينظم جدولاً وهمياً بأسماء وهمية ولم يعرض هذا الموضوع على "فاروجان"، وأنهم كانوا يوزعون 25 مليون ليرة بموجب جدول حوالات صرف موقعة من رئيس البلدية، وأن الجدول كان بأسماء وهمية كي يقوم رئيس البلدية بدفعها الى أشخاص آخرين، وأنه كانت تجري عملية قطع الحساب سنوياً، وكانت ​الميزانية​ تأتي متعادلة بين ​الواردات​ والمصاريف، وأنكر المتهمم "فاروجان" في التحقيق الابتدائي ما أسند اليه، وأقر أنه أخذ 150 مليون ليرة من دون أمر صرف، لكنّ محكمة جنايات جبل لبنان برئاسة القاضي ايلي الحلو، قررت إدانة المتهم "فاروجان. م" بجرائم الاختلاس والتزوير واساءة الأمانة ودس كتابات غير صحيحة والغشّ، وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة به مدة ثلاث سنوات، وتضمينه الرسوم والنفقات القانونية.