أعلن الرئيس الأميركي في بداية الشهر الجاري أن ​الولايات المتحدة​ ستفرض تعرفات جمركية بنسبة 25% على واردات ​الصلب​، و10% على الألمنيوم المستورد، الأمر الذي أثار جدلًا عالميًا كبيرًا، فاعتبرت الكثير من الجهات أن هذا القرار هو إعلان رسمي لبدء حرب تجارية عالمية.

استدعى إعلان ​ترامب​ هذا رد العديد من الجهات، كما أدى الى إضطرابات في الأسواق، خاصةً مع الردود الأوروبية الكثيرة على تصريحات ترامب حيث ردّ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في بيان، قائلاً: "إننا نعرب عن أسفنا الشديد لهذه الخطوة، التي تمثل تدخلا سافرا لحماية الصناعة المحلية الأمريكية. لن نجلس بلا حراك بينما صناعتنا تتعرض لإجراءات غير عادلة تعرض آلاف الوظائف الأوروبية للتراجع سندافع في ​الاتحاد الأوروبي​ بحزم عن مصالحنا".، فيما حذر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو أومير من "حرب تجارية بين الأميركيين والأوروبيين لا يخرج منها أي طرف رابحا".

أما وزير خارجية ألمانيا، سيغمار غابرييل، فطلب من الاتحاد الأوروبي ردا حازما على الولايات المتحدة التي ستضرب بقرارها هذا آلاف الوظائف الأوروبية. كما عبّرت بريطانيا على لسان سفيرها في واشنطن عن قلقها "لأن رفع الرسوم ستكون له نتائج سلبية على صناعات الفولاذ والألمنيوم في بريطانيا والاتحاد الأوروبي".

وردّا على هذه التوعدات الأوروبية لم يكن من ترامب سوى سكب الزيت على النار في تغريدة له على "تويتر" قال فيها: "في حال قرر الاتحاد الأوروبي رفع القيمة الجمركية على الشركات الأمريكية والتي هي بالأصل باهظة، ببساطة سنفرض ضرائب على سياراتهم التي تدخل بلادنا مجاناً"، موضحاً أن الأوروبيين يجعلون من المستحيل أن تباع السيارات الأميريكية في أسواقهم بينما تدخل سياراتهم السوق الأميركية من دون رسوم جمركية، ما اعتبره خللا تجاريا كبيرا، ويجب تصحيحه".

أما بالنسبة للمنظمات التجارية، فقد عبّر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو عن قلقه أيضاً، في بيان مقتضب أصدرته المنظمة مفاده ان المنظمة تشعر بقلق واضح إزاء الإعلان عن خطط أميركية لفرض تعرفات جمركية على الصلب والألمنيوم "احتمال التصعيد حقيقي، مثلما رأينا من ردود الفعل الأولية للآخرين"، مضيفا أن نشوب حرب تجارية ليس في مصلحة أحد وأن "منظمة التجارة العالمية ستتابع الوضع بشكل وثيق جدا".

أما الصين، وبالرغم من أنها طرف رئيسي يستهدفه ترامب تجاريا، إلا أنها تعاملت مع الأمر ببرودة فائقة فأكد المتحدث باسم البرلمان الصيني تشانج يسوي إن بلاده لا تريد الدخول في حرب تجارية مع الولايات المتحدة الأميركية، ليشير مسؤول آخر إلى أن بلاده ستتخذ إجراءات لحماية مصالحها بعد إعلان ترامب.

ونتيجة هذه الأوضاع كافةً، انخفض الدولار إلى أدنى مستوى في 16 شهرا مقابل عملة الملاذ الآمن الين أواخر الأسبوع الماضي، بالإضافة الى تأثره اليوم باستقالة جاري كون المستشار الاقتصادي للرئيس ترامب التي المخاوف من أن التوتر المتعلق بحرب تجارية عالمية يدخل في مرحلة جديدة محتدمة.

ما هي تداعيات هذه الحرب ان اندلعت؟ من سيكون أكبر المتأثرين؟ ولماذا يثق ترامب الى هذه الدرجة بانتصاره فيها؟ وكيف ستؤثر استقالة المستشار الإقتصادي كون، أحد أكبر المؤيدين للتجارة الحرّة؟

يشير الخبير الإقتصادي د. ​كامل وزنة​ إلى أن "الرئيس ترامب لازال يعتبر ان الولايات المتحدة تخسر في الميزان التجاري باعتبار ان لديها عجز يفوق الـ800 مليار دولار بين الصادرات والواردات وهي ارقامه غير دقيقة، فالارقام الحقيقية تشير الى 566 مليار دولار. هو يقول ان العجز التجاري مع الصين يبلغ 500 مليار دولار وهو في الحقيقة يبلغ 375 مليار دولار"، مشيراً إلى أن معظم الإقتصاديين الأميركيين لا يؤيدون إجراءات ترامب "فبعكس ما يعتقد الرئيس الأميركي، العجز بالميزان التجاري ليس بالمشكلة الكبيرة، خاصّة وأن الصناعة في ​الإقتصاد الأميركي​ ليست بالجزء الأساسي، حيث انخفضت نسبتها من 40% في الستينات الى 10-12% في الفترة الحالية".

وأضاف: "الكثير من الشخصيات الأميركية تعتقد أن الإقتصاد الأميركي خسر بعض الصناعات نعم، الا انه يمتلك الصناعات الأهم والمتعلقة بالإقتصاد المعرفي. الولايات المتحدة لديها "أمازون.كوم" و"آبل"، اللتان يساوي حجمهما حوالي 2 تريليون دولار، لذلك فإن الصناعة انتقلت الى قطاع فيه ثروة أكبر. في النهاية، ترامب وعد ويبدو أنه مصرّ، وبرأيي ان الأوروبيين سيكونوا أكثر الدول استعداداً لمبادلة ترامب تهديداته: "الضرائب بالضرائب"، أما الصين فليست مستعدة للدخول بحرب تجارية مع الولايات المتحدة باعتبار أن أكثر من 20% من صادراتها تذهب الى الولايات المتحدة".

ويوضح وزنة أن "الحرب الأميركية على الحديد و​الألومنيوم​ لا تؤثر على الصين التي هي أكبر منتج وأكبر مستهلك للحديد، لذلك فإنها ستقبل ببعض الضرائب".

وبخصوص تأثير الحرب على الإقتصاد الأميركي يقول وزنة: "وضع الإقتصاد العالمي والأميركي بشكل خاص لا يسمح بالدخول بهكذا حرب، خاصة في ظل عدم قبول الجمهوريين بسياسات ترامب. هناك بعض المواقف التي بدأت بموضوع الضرائب على الحديد وانتقلت إلى الضرائب على السيارات، وهذه أمور تشكل عبء على الشعب الأميركي باعتبار ان أي ضريبة جديدة ستنعكس ارتفاع بالأسعار على الأميركيين".

وعن استقالة المستشار كون، يقول وزنة: "لنكن واقعيين، إدارة ترامب مضطربة أصلاً وهذا أمر يجمع عليه الأميركيين، وهذه ليست الإستقالة الأولى ولن تكون الأخيرة. هذا منصب حساس وخاصة ان كون كان قد هدّد بالإستقالة في حال فرض الضرائب، وهذا ما حدث. كون، وكمسؤول مالي وخبير ورئيس "غولدمان ساكس"، كان مصدر ثقة واطمئنان للإقتصاد والمستثمرين في الولايات المتحدة، أي انه على الأقل يتواجد من يفكر بعقلانية في الأمور الإقتصادية أكثر مما يفكر بالوعود الإنتخابية ليرضي الشعب الأميركي، لكن بالتأكيد هناك العديد ممن يرغبون بالعمل داخل البيت الأبيض والأمور لن تتوقف عند كون او غيره، الأسواق قد تضطرب ثم تعود الى نظامها ولن يكون هناك مشكلة كبيرة، لكن حرب الضرائب الجديدة لا نخدم الإقتصاد الأميركي ولا العالمي وهي تخالف لمبادئ منظمة التجارة العالمية التي لا تزال النظام القائم في العالم حتى اليوم".

وفي الختام، فإن الحرب التجارية ليست كحروب الشرق الأوسط، لن نشهد قنابل وطارات حروب وموت أطفال، بل إن محفظة العالم هي التي ستتأثر فكما تقول مديرة ​صندوق النقد الدولي​ كريستين لاغارد أكدت إن "أحدًا لا يفوز في الحرب التجارية، وإن الأثر على الاقتصاد الأميركي جراء التعرفات الجمركية... وأن الأثر على الاقتصاد الكلي سيكون خطيرًا". من يدري...ربما توحّدنا محفظتنا؟ّ!