هي سيدة عصامية، مثابرة، وطموحة، تتحلى بحسّ المسؤولية الاجتماعية، وتسعى بكل ما تملك من جهود وقدرات الى تحسين مجتمعها ومحيطها.

مشوارها مع النجاح في المجال الاجتماعي بدأ في الولايات المتحدة، وتواصل في المكسيك وبريطانيا، واستمر بعد عودتها للاستقرار بشكل دائم في بلدها الأم ​لبنان​. لكن نجاحها لم يأتِ عن طريق الصدفة، بل بالعمل الجاد، والإصرار، والنضال، لتصبح اليوم ملهمة لعدد كبير من الفتيات و​النساء​، وقدوة ونموذج نفتخر به.

هي مؤمنة بدور المرأة في المجتمع وبضرورة مشاركتها في عملية صنع القرار، وأهمية تحررها من القيود الاجتماعية، وتعمل دائما على تمكين المرأة وتشجيعها لتكون عضوا فاعلا. كما تساعد الشبان والشابات من الطائفة الأرمنية على الانخراط في القطاع العام اللبناني، وذلك من خلال منصبها في مؤسسة "غوغيكيان".

في هذا الحوار تتحدث المديرة التنفيذية لمؤسسة "غوغيكيان"، سهيلة حايك، لـ"الاقتصاد"، عن تجربتها وخبرتها الواسعة في مجال المشاريع الاجتماعية والأعمال الخيرية، بالاضافة الى واقع ​المرأة اللبنانية​ في سوق العمل وفي السياسة أيضا:

كيف تصفين مسيرتك المهنية الطويلة قبل وبعد عودتك للاستقرار في لبنان؟

بداية المسيرة لم تكن في مجال الأعمال، بل كرّست وقتي خلال تواجدي في الولايات المتحدة، لمسؤولياتي كزوجة وأم، كما عملت أحيانا على تنظيم النشاطات للأولاد في الكنيسة أو المدارس.

ولكن لطالما آمنت أن مكان المرأة ليس في المنزل فحسب، بل عليها أن تكون عنصرا فاعلا في المجتمع، وتستخدم فكرها وعقلها من أجل إفادة محيطها. فخلال فترة الدراسة الجامعية، كانت الجامعات الأميركية تشجع المرأة دائما على العمل، وبالتالي عايشت هذه العقلية منذ البداية، ولم أفكر يوما بالبقاء في المنزل.

وعندما انتقلنا للعيش في المكسيك، كان الأولاد قد كبروا، وأصبحوا قادرين على الاعتناء بأنفسهم، ولهذا السبب بدأت بالعمل مع مؤسسات خيرية، واستلمتكل النشاطات المتعلقة بجمع التبرعات، وتعاونت في هذا الإطار مع عدد كبير من الشركات العالمية مثل "فورد" و"Gilette".

وخلال تلك الفترة، اختبرت لحظات رائعة لا تنسى، ومن هنا اقتنعت أن شخص واحد قادر على إحداث تغيير كبير، لأنني بنفسي تمكنت من التأثير على عدد من الأولاد من خلال بذل بعض الجهد فقط.

عندما عدت الى لبنان في العام 2006، بدأت بالعمل والتعاون مع رجل الأعمال كارلوس سليم، واستلمت مشروع توزيع أجهزة الكمبيوتر والطابعات للمدارس في لبنان، وبالفعل رأيت أن شخص واحد قادر على أن يكون عنصرا فاعلا وينطلق بمشروع مفيد للمجتمع.

وعندما عملت مع مؤسسة "غوغيكيان" خدمت الغاية ذاتها، لأن هدف المؤسسة هو مساعدة لبنان من خلال تحسين القدرات في القطاع العام، فنحن نشجع الشبان والشابات من الطائفة الأرمنية على الانخراط في الوظائف العامة. والفكرة ليست طائفية أبدا، بل ولدت من أهمية الحوكمة الصالحة، التي تتطلب مشاركة كل عناصر المجتمع.

ولا شك في أن الطريق صعب، ونحن لا نزال الى حد اليوم نواجه صعوبات عدة، لكننا نسعى الى إفادة المجتمع والبلد من خلال البدء بمساعدة شخص واحد.

كيف انضممت الى أسرة مؤسسة "غوغيكيان"؟

​​​​​تعرفت الى رئيس المؤسسة خلال وجودي في الجامعة في الولايات المتحدة، وعندما علم أنني استقريت في لبنان، بعد أن قرر زوجي العودة لأسباب مهنية وعائلية،تواصل معي، وبدأنا بالتعاون معا.

ما هي أهم الصعوبات التي تواجهك خلال العمل في المجال الاجتماعي في لبنان؟

الصعوبات موجودةدائما لأن الحياة مليئة بالتحديات، ولكن بامكان الانسان النظر اليها كعوائق أو كمجالات للقيام بخطوة مميزة فعلا.

هل شعرت بفرق في التعامل مع المرأة بين لبنان والبلدان الأخرى التي كنت تعيشين فيها؟

نعم بالتأكيد، لأن المرأة اللبنانية تحمل وزنا ثقيلا على ظهرها، ويتمثل في التقاليد التي تطلب منها في بعض الأحيان عدم العمل، وعدم التكلم، وعدم التعبير، وعدم عيش حياتها الاجتماعية... وهذا خطأ!

فمهما كان لبنان حديثا وعصريا، تبقى التقاليد ذكورية وتمييزية، وهذا ما يدفع المرأة اللبنانية الى التردد والخوف في الكثير من الأحيان.

برأيك، هل أن وجود المرأة على الساحة السياسية اللبنانية من شأنه أن يحدث تغييرا ايجابيا؟

أثبتت كل الدراسات في الخارج أن النساء يعملن في السياسة أفضل بكثير من الرجل، بسبب نظرتهنّ المختلفة. فالمرأة تفكر بطريقة شاملة ومفيدة لكل شخص موجود في مجتمعها، في حين أن الرجل يقوم بما يريده دائما، حتى ولو كانت ذلك غير مفيد للناس.

من جهة أخرى، نرى في كل بلدان العالم، أن نسبة الرشوى والتزوير والفساد لدى السياسيات منخفضة للغاية، وذلك بسبب اقتناعهن بضرورة مساعدة المجتمع وخدمته؛ فهنّ يفكرن دائما بأولادهن وأحفادهن وأخواتهن ومجتمعهن. وبالتالي فإن المرأة لا تستطيع الاهتمام بنفسها فقط، حتى لو لم تكن زوجة وأم، وذلك لأن جيناتها تجبرها على التفكير بطريقة شاملة، بينما في المقابل يبقى تفكير الرجل فرديا.

كما أن المرأة تستخدم قدراتها في السياسة أو في الأعمال لكي تحقق مشاريع تخدم الجميع، بينما الرجل يستخدم قدراته من أجل إثبات وجوده؛ وهنا يكمن الفرق.

لذلك، عندما أرى أن التردد موجود لدى المرأة في المجتمع، وأنها ليست عضوا فاعلا فيه، أحزن للغاية، لأن هذا الواقع يفقد لبنان الكثير. ففي السياسة نقرر استراتيجيات العمل، وفي العمل نحقق قراراتنا.

ولا بد من الاشارة الى أن المرأة موجودة بكثرة في إطار الأعمال الخيرية والاجتماعية، لكن هذا الأمر طبيعي. ومن هنا أتمنى أن يصبح من الطبيعي أيضا أن تتواجد المرأة في السياسة.

هل تعتقدين أن المرأة ستتمكن من الوصول الى المناصب السياسية في لبنان في ظل غياب الكوتا النسائية؟

لن نرى عددا كبيرا من النساء في البرلمان، حتى يتم تحديد كوتا نسائية. وأنا أعلم أن هذا الموضوع حساس للغاية، لكن هناك العديد من البلدان المتقدمة التي أقرت كوتا في مجالي السياسة والأعمال أيضا، وهذا الأمر طبيعي ومرحلي.

ونحن نلاحظ حاليا ترشح عدد لا بأس به من النساء للانتخابات النيابية المقبلة، وأملي كبير بأن يربح بعضهن، لكن العدد لن يكون كافيا، وبالتالي فإن تأثيرهن سيبقى للأسف محدود النطاق. وبالتالي، يبقى لبنان بحاجة الى المزيد من الدورات الانتخابية من أجل تحقيق التغيير المطلوب والتماسه على الأرض.

ما هي الصفات التي ساعدتك على تحقيق النجاح المهني طوال هذه السنوات؟

منذ أن كنت صغيرة، لم أواجه يوما أي صعوبة لأنني امرأة، فوالديّ كانا يعاملانني مثل شقيقي تماما، كما أن زوجي مساند الى أقصى الحدود.

وقد شاءت الظروف أن لا أصادف أي تمييز في حياتي على الاطلاق، وهذا الأمر دعمني وشجعني على الاستمرار.

وعندما أسمع امرأة تقول "لا أستطيع"، أشعر بانزعاج كبير، لأنها انسان كامل من الجوانب كافة، ولا شيء يمنعها عن تحقيق كل ما تريده. وبالتالي فإن المنع موجود في الفكر فقط، وليس في الواقع على الأرض.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟ هل لديك أي طموح سياسي؟

ليس لدي طموح سياسي، لكنني أسعى الى تشجيع النساء اللبنانيات على الدخول الى مضمار السياسة، لأننا سنشهد على فرق كبير عندما تنخرط المرأة جديا في هذا المجال.

وفي الوقت الحاضر، عندما ننظر الى الحالة السياسية في البلاد، نجد رجالا عدة، يهتم كل واحد منهم بنفسه بالدرجة الأولى، وبحزبه بالدرجة الثانية. وبالتالي لا أسمع أي جهة تتكلم عن المجتمع والبلد. فمنذ عودتي الى لبنان في العام 2006، لم يقدم أحد مشروعا مفيدا للبنان، بل نلاحظ أن جميع القرارات تنبع من وجهة نظر شخصية.

في المقابل، لا تستطيع المرأة أن تكون أنانية بهذا الشكل، لأنها أم وتريد دائما الأفضل لأولادها. وبالتالي تسعى الى المصالحة والسلام والحوار، وتقول "لا" للعنف والحرب والتجاذبات.

ولهذا السبب، يجب أن تتشارك جميع مكونات المجتمع في اتخاذ القرارات السياسية، من أجل إنجاح لبنان والمساهمة في تقدمه.

من جهة أخرى، نحاول من خلال مؤسسة "غوغيكيان"، تشجيع الحوكمة الصالحة، لأنها تعني الشراكة بين كل مكونات المجتمع، ومحاسبة المسؤولين السياسيين.

ونسعى منذ بداية السنة وحتى العام 2020، الى دعم كل النشاطات المتعلقة بالحوكمة الصالحة والحوكمة الالكترونية والشفافية، وكل المواضيع التي تسهم في خفض نسب الفساد.

كما سنستمر في تدريب الشبان والشابات الأرمنين، الذين يريدون الانخراط في القطاع العام، وتحضيرهم لمباريات مجلس الخدمة المدنية.

وبالاضافة الى ذلك، نشجع استخدام اللغة العربية في المجتمع الأرمني، لأنه ليس من الممكن أن يتعرف الانسان الى حقوقه وواجباته، إن لم يكن قادرا على قراءة قوانين البلد.

كيف تقيمين وضع المرأة في سوق العمل اللبناني؟ وما هي المقومات التي يجب أن تتحلى بها لكي تتقدم وتنجح؟

نجد فرقا شاسعا في وضع المرأة اللبنانية في سوق العمل، بين السنوات الماضية واليوم، فقد شهدنا على تحولات كبيرة وايجابية. لكن للأسف لا يزال عدد النساء في الهيئات الادراية قليل، في حين أن نسبة كبيرة من المتخرجات الجامعيات يطمحن للوصول الى مجالس الادارة؛ وهذا مؤشر ايجابي للمستقبل.

ما هي النصيحة التي تودين إيصالها الى المجتمع لإقناعه بأهمية المساواة بين الرجل والمرأة؟ وماذا تقولين للنساء والرجال في لبنان؟

أولا، أقول للمرأة أن لا تضع إطارا محدودا لنفسها، لأنه من مصلحة البلاد والمجتمع والأجيال القادمة أيضا، أن تشارك النساء في جميع الادارات. فمن واجبي كمواطنة أن أعمل وأشارك وأقدم أفكاري وأكون عنصر فاعلا.

ثانيا، أقول للرجل أنني أتفهم موقفه أحيانا، فهو يكبر ويتربى على فكرة أنه أفضل من المرأة، وأذكى وأقوى منها أيضا. ولهذا السبب، يجب أن يعي أن والديه كانوا من حقبة تاريخية مختلفة عن العصر الذي نعيشه اليوم؛ أي عصر التقدم والمساواة. وبالتالي يجب أن تتغير ذهنيته وتتبدل طريقة تفكيره وتحليله للحياة.

ثالثا، أقول بشكل عام، أنني أعي أن الخوف من التغيير موجود، لأن الرجل سوف يفقد قدرة التحكم الكاملة، ليتشارك بها مع المرأة، وهذا الأمر الصائب والضروري والطبيعي.

ولذلك، فإن دخول المرأة سيحدث تغييرا صالحا على المجتمع وعلى الرجل أيضا، لأن تأثيرها عليه ايجابي دائما؛ فالرجل يحكم برأسه، ولا يستطيع في بعض الأحيان التفكير والرؤية بشكل صحيح، في حين أن المرأة تتمتع بالعاطفة والحب والحنان، التي تدفع الرجل للارتياح في وجودها.

أما في المجال السياسي، فنحن بحاجة الى تخفيف حدة "الأنا"، من أجل فتح مجال أكبر أمام المرأة، لكي نهتم معا بلبنان.