تعمل الحكومة على الانتهاء من خطط ​الإنفاق​ ومن مشروع موازنة العام 2018 قبل مؤتمر المانحين المقرر في السادس من نيسان المقبل، في محاولة لإعادة لغعادة الوضع المالي على المسار الصحيح وسط تحذيرات من الوصول إلى الإفلاس في حال إستمرار الوضع على ما هو عليه.

وقد بينت جلسة اللجنة الوزارية المكلفة درس مشروع ​الموازنة​ أن العجز سيبلغ 12000 مليار ليرة بدلاً من 7569 ملياراً، كما ورد في النسخة التي رفعها وزير المال علي حسن خليل إلى مجلس الوزراء، وهذا التورّم الكارثي في العجز أربك اللجنة التي بدل أن تخفض الأرقام بنسبة 20% كما طلب رئيس الحكومة، وجدت نفسها أمام مهمة صعبة لجهة إعادة هيكلة الموازنة على أساس خفض العجز وزيادة الواردات.

ومن جهة اخرى أكد وزير المال ​علي حسن خليل​ الأسبوع الماضي على ضرورة الإنتهاء من الموازنة قبل 5 آذار لاقرارها قبل ​الانتخابات​.

فهل سيتم إقرار موازنة 2018 بشكلها الحالي قبل الإنتخابات النيابية المنتظرة؟ وما هي تداعيات إقرارها بدون وضع اجراءات حقيقية لضبط الانفاق وتخفيض الدين؟ هل فعلا يتجه لبنان نحو الإفلاس ؟ وما هي الحلول الممكنة ؟ ماذا عن مؤتمر "سيدر" ؟ وهل سيكون مفتاحا للدخول إلى الحل ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها كبير الاقتصاديين ومدير البحوث والتحاليل الاقتصادية في "​بنك بيبلوس​" ​نسيب غبريل​، في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

هل سيتم إقرار موازنة 2018 بشكلها الحالي قبل الإنتخابات النيابية ؟ وما هي تداعيات إقرارها بدون اجراءات لضبط الانفاق وتخفيض الدين؟

اولا من المستغرب ان يكون هناك حماس لإقرار الموازنة لأسباب لا ترتبط بحاجات الإقتصاد والمواطن، بل تتعلق بالإنتخابات النيابية، ومؤتمر "سيدر" المنتظر ! فقد كنا نتمنى ان تكون أولوية الحكومة اللبنانية والطبقة الحاكمة هو إقرار الموازنة من أجل تلبية حاجات الناس وحاجات الإقتصاد الوطني الذي يعاني.

وفيما يتعلق بالمهل الدستورية، فنحن تخطيناها، ولكن هذا لا يمنع اننا بحاجة لإقرار الموازنة ولا يحب الإنتظار إلى شهر تشرين الأول كما حصل في العام 2017.

والمشكلة في لبنان انه لا يوجد شفافية في موضوع مشروع الموازنة، فالرأي العام لا يمكنه الإطلاع على تفاصيل المشروع، ولا يتم نشره لا في المواقع الإلكترونية للوزارات ولا في الموقع الرسمي للحكومة، وكل الأرقام التي يتم الحديث عنها هي ارقام متداولة في وسائل الإعلام .. ولكن بدون شك إقرار موازنة بعجز يبلغ 12000 مليار ليرة (8 مليارات دولار) هو امر غير مقبول، ويثبت ان هناك غياب للنية الحقيقية لتطبيق الإصلاحات المطلوبة. فأين البنود التي تهدف إلى مكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية الضريبية ومكافحة الهدر و​الفساد​ وإغلاق مزاريب التهريب البرية والبحرية والجوية، فهذه هي الطرق الوحيدة لتحسين مداخيل الدولة وتخفيف العجز .. ولا شك ان محاولة تخفيض مخصصات الوزارات هو امر جيّد ولكن هذه الخطة لن تخفض الإنفاق باكثر من 5 %.

وهذه الموازنة لا تختلف ابداً عن موازنة العام الماضي، فموازنة 2017 هي موازنة سياسية، وموازنة 2018 كذلك، وللأسف لا يمكننا توقع الكثير بهذا الشأن.

هل تعتقد فعلا أن لبنان يتجه نحو الإفلاس كما يقول البعض؟ وما هي الحلول الممكنة ؟

لا أعتقد ان لبنان في طريقه نحو الإفلاس، ولكن هذا لا يعني انه بإمكاننا الإستمرار بهذه الطريقة، وزيادة الإنفاق والعجز، والإعتماد الكلي على 30 إلى 35% فقط من اللبنانيين ومن المؤسسات التي تدفع ضرائبها بالكامل، في حين ان 70% لا يدفعون الضرائب او يتهربون من جزء منها. كما انه لا يمكن الإستمرار في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية والجامعة لتطبيق الإصلاحات، فالخطابات الوردية لن توصلنا إلى اي مكان في ظل عدم وجود أي أفعال على أرض الواقع.

القطاع العام اليوم في تضخم مستمر، وفي السنوات الثلاث الأخيرة وظّف القطاع العام 26000 شخص، وهذا الرقم يتخطى عدد موظفي القطاع المصرفي بكامله، وهذا العام هناك توجه لتوظيف 4000 شخص لاننا في فترة إنتخابات .. في المقابل القطاع الخاص بكافة جوانبه يتراجع ويعاني.

ولكن الحديث عن الإفلاس جاء بسبب البيان الصحافي الذي أصدره صندوق النقد الدولي بعد زيارته الأخيرة للبنان، والذي حذر من إستمرار إرتفاع الدين العام ومطالبته بالإصلاحات، ولكن للاسف صندوق النقد ايضاً طلباته ليست في مكانها، حيث طالب بزيادة الضرائب من جديد ورفع الدعم عن الكهرباء، بدلا من المطالبة بمكافحة التهرب الضريبي والتركيز على الإصلاحات التي تحسن المناخ الإستثماري وبيئة الأعمال وتوسع حجم الإقتصاد وترفع من نسب النمو، التي من شأنها في النهاية التخفيف من نسبة الدين العام للناتج المحلي، ونسبة العجز للناتج المحلي.

الحل موجود إذا، ولكنه بحاجة لإرادة سياسية جدية وحقيقية.

ماذا عن مؤتمر "سيدر" ؟ وهل تتوقع انه سيكون مفتاحا للدخول إلى الحل ؟

مؤتمر "سيدر" لا يهدف مباشرة لحل المشاكل الإقتصادية في لبنان، بل لتأمين التمويل اللازم لإعادة تطوير وبناء البنى التحتية، ونسمع في الإعلام عن توقعات وأرقام تصل إلى 16 مليار دولار كقروض ميسرة على مدى 10 اعوام، ولكن برأيي يجب ان نكون واقعيين ... فمن اجل الحصول على القروض الميسرة علينا جمع مبلغ مليار دولار في المؤتمر من مصادر مختلفة، لنتمكن من إستخدامه في إستدانة 3 مليارات إضافية من المؤسسات المتعددة الأطراف.

إذا توقعاتنا يجب ان تكون بحدود الـ 4 مليارات دولار، وليس 16 مليار دولار، وهذا المبلغ يعتبر مقبول وواقعي، وقادر على مساعدتنا على إعادة تأهيل البنى التحتية ودعم الإقتصاد.

المشكلة ان المؤتمر سيعقد في نيسان المقبل أي قبل شهر واحد تقريبا من إنتهاء ولاية الحكومة الحالية التي تعتبر مستقيلة من اجل تشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات النيابية، وهناك رأي كان يفضل إنعقاد المؤتمر بعد تشكيل حكومة جديدة منبثقة عن مجلس نواب جديد، خاصة انه سيكون لديها الوقت الكافي للبدء بتاهيل البنى التحتية وصرف الاموال في المكان الصحيح.

على كل الأحوال المؤتمر سيعقد، ولكن توقعاتنا يجب ان تكون واقعية، فمبلغ 16 مليار دولار مبالغ فيه، حيث ان دولة كالمملكة العربية السعودية لا تسعى لإستدانة هكذا مبلغ من الأسواق العالمية اليوم.