خاص ــ الإقتصاد

غالباً ما تسبب الخلافات المالية نزاع بين الدائن والمدين، سرعان ما تنتقل الى أروقة القضاء للفصل فيها، لكن بعضها ينتهي بتسويات وتراجع عن الدعاوى المتبادلة على قاعدة "الحلّ الحبّي"، وهو ما ينطبق على القضية الحاضرة، التي بدأت بخصام قضائي واتهامات حادّة وانتهت بمصالحات، عزّزتها ال​محكمة​ بحكم قرّرت فيه كفّ التعقبات عن الجهة المدعى عليها.

أصول هذا النزاع تعود الى العام 2008، عندما تقدم أحد ​المصارف اللبنانية​ ومعه "عبد. ع" و"رضا. س" بواسطة وكيلهما القانوني، بشكوى مباشرة ضدّ "عدنان. م" عرضا فيها أن شقيق الأخير "ابراهيم. م"، مدين للمصرف المذكور بمبلغ خمسة ملايين دولار أميركي، بالاضافة الى ​ديون​ تتجاوز قيمتها الستة ملايين دولار، مكفولة بتأمين عقاري على أحد العقارات في منطقة المدوّر في بيروت لصالح المصرف، وذلك بعد أن إشترى عدنان العقار من شقيقه ابراهيم وشريكه "محمد. ح" اللّذين نقلا ملكية العقار على اسمه.

بناء على ذلك، نظّم عدنان لشقيقه ابراهيم وشريكه محمد وكالة غير قابلة للعزل يقرّ لهما بالتصرف بالعقار بعد أن اشترياه من القرض الممنوح لهما من المصرف المدّعي، ​علم​اً أن المتهم "عدنان" كفريق أول في عقد ​التأمين​، هو كفيل فقط للحسابات المذكورة في عقد التأمين بحدود مبلغ أقصاه مليونين و300 ألأف دولار أميركي مع فائدته (وفق ما جاء في الشكوى)، وأن المصرف تقدم بطلب تنفيذ عقد التأمين على العقار المذكور أمام رئيس دائرة التنفيذ في بيروت عبر مذكرة قانونية.

ما إن وصلت المعاملة الى مرحلة المزايدة، تقدّم "عدنان. م" بدعوى تزوير (ضدّ المدعين) لوقف التنفيذ، ومنع تحصيل الحقوق أمام القاضي المنفرد الجزائي في جبل لبنان، ضمنها مواد جنايئة تدفع القاضي المنفرد الى رفع يده عن الدعوى، التي أحيلت على النيابة العامة، حيث ادعت الأخيرة أمام قاضي التحقيق الأول، الذي منع المحاكمة عن المدعى عليهم وفقاً لمطالعة النيابة العامة لعدم كفاية الدليل، وصدّق القرار استئنافاً من قبل الهيئة الاتهامية لعدم توفر العناصر الجرمية، كما جرى ردّ التمييز شكلاً، وأن المتهم يعلم علم اليقين أن المدعى عليهم أبرياء.

ولما بلغت القضية مرحلة المحاكمة العلنية، أفاد المتهم "عدنان. م" لدى استجوابه، أنه تقدّم بدعوى التزوير بسبب حصول تلاعب في عقود التأمين، وتحديداً في باب الشروط ​الخصوصية​، إذ أنه وقّع عقد التأمين في المصرف وليس أمام الكاتب العدل وأنه كان مجرّد كفيل لـ"محمد. ح"، وبعد توقيع العقد أضيفت شروط عليه وتحديداً الفقرة الخامسة، الأمر الذي يستفاد من الفارق الشروط الخصوصية، ثمّ حصلت مصالحة مع المصرف، إستتبعت بإسقاط المصرف المدعي حقوقه الشخصية أمام المحكمة بموجب اسقاط قانوني مع براءة ذمة منظّمين لدى الكاتب العدل.

محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي ايلي الحلو، اعتبرت في حيثيات الحكم الذي أصدرته في هذه القضية، أن المتهم "عدنان. م" أنكر أمام الهيئة الاتهامية ما أسند اليه، مدلياً بأن عقد التأمين وقّع في المصرف وليس أمام الكاتب العدل، وأنه كفل "محمد. ح" فقط من دون الآخرين المذكورين في العقد بعد توقيعه وتحريره. ورأت المحكمة أن النية الجرمية عنصر شخصي يجب أن تفسّر بصورة شخصية ذاتية بالنسبة للشاكي، فلا يكون عرضة للعقاب إذا كان يقصد به صحة الأفعال المدعى بها، حتى لو كانت كاذبة، وإن سوء النية يجب أن يكون ثابتاً بضرورة جازمة وليس بمجرد شكوك، ولا يتحقق الجرم مهما حصل من خطأ أو تسرع بل يجب أن يكون الشاكي أقدم على فصله عن سوء النية التي لا يصحّ افتراضها بمجرّد الكذب.

وخلص حكم المحكمة الى كفّ التعقبات عن المتهم "عدنان. م" لعدم توافر عنصر جرم الافتراء المنصوص عنه في المادة 403 من قانون العقوبات، وقرر عدم إنفاذ مذكرة القاء القبض الصادرة بحقه وتعليق الرسوم.