زحمة وفود اجنبية تشهدها الساحة ا​لبنان​ية في هذه المرحلة وخصوصاً الاميركية منها واهمها زيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيرلسون الى بيروت الاسبوع الفائت ، حيث اختلطت الترجيحات حول نتائج هذه الزيارة بين ما يبعث الى الطمأنينة وبين ما نقله المسؤول الاميركي من نصائح تجاه التحذيرات ال​اسرائيل​ية الى لبنان بشأن "البلوك 9" في ​المياه​ اللبنانية الذي تعتبره اسرائيل من ضمن حدودها المحقة في ​النفط​ و​الغاز​.

وبالتأكيد ، لم يغب عن اجواء هذه اللقاءات العقوبات الاميركية على ​حزب الله​ وما يمكن ان تتركه من ارتدادات على القطاعات اللبنانية كافة وخصوصاً المصارف.

وفي الداخل ايضاً ، همروجة استعدادات للانتخابات المقبلة في آيار حيث الكل يقود تحركه في هذا الاتجاه.

في السياسة اكثر من قراءة للتحرك الدولي، ولا سيما الاميركي نحو لبنان مع تقدم التحضيرات التي تسبق عملية التنقيب وبدء الاستكشاف عن النفط والغاز وما يواكبها من تهديدات اسرائيلية. ولكن ايضاً لرجال الاعمال قراءة خاصة علمية يبنون على نتائجها اي استثمارات جديدة .

رئيس تجمع​ رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم الدكتور فؤاد ​زمكحل​ الذي يتفّوق في مجال توسيع اطار العلاقات بين رجال وسيدات الاعمال في لبنان والعالم ، عن طريق بناء الجسور وخصوصا مع اللبنانيين المنتشرين في بلدان الاغتراب حتى في اصعب المراحل والظروف الاقليمية يرى ان التحرك الاميركي الاخير تجاه لبنان يأتي في خانة مواكبة التحضيرات الجارية للتنقيب عن النفط في ​ضوء​ التصريحات الصادرة عن المسؤولين الاسرائيليين بعدما اثمر الاتفاق السياسي الداخلي عن تحديد مواقع البلوكات وتلزيم الشركات التي رسا عليها مشروع الاستكشاف والتنقيب .

ويقول الدكتور زمكحل " للاقتصاد" : اذا كانت المشاكل الداخلية قد استلزم حلها مدة 5 سنوات فهناك خوف من نشوء ازمة اقليمية ودولية حول موضوع "البلوك 9". ولا ننسى ان المنافسة قائمة بين الدول المجاورة مثل ​قبرص​ واسرائيل اللتين بدأتا بيع النفط . المشكلة سياسية وليست امنية ، ومن الممكن ان نصل في النزاع الى التحكيم الدولي .

هناك اتفاق داخلي ​نعم​ و هذا جيد، ولكن الاجواء المستجدة بدءاً من العقوبات الى النزاع حول مكان استخراج النفط والغاز وبالتالي التسويق والبيع انما تدل على انه مشروع كبير ومعقّد ، وهناك عقبات لا بد من مواجهتها . نحن متفائلون نعم ، ولكن من المفيد التيّقظ على اننا لن نحصل على اي مردود قبل اقله 10 سنوات من بدء اعمال التنقيب . فقبرص واسرائيل اللتين باشرتا الاستخراج والبيع للنفط لم تحصدا حتى تاريخه اي مردود . لا بل بالعكس، قبرص وضعها الاقتصادي صعب كما انها وصلت الى حد الافلاس . وايضاً اسرائيل لا تنعم باقتصاد سليم .

النهوض ب​الوضع الاقتصادي​ يحتاج الى سلسلة تدابير واهمها ما طلبته بعثة ​صندوق النقد​ الدولية التي جالت على الرؤساء وقد نقلت الى رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ رأيها بوجوب تثبيت ​الدين العام​ او حتى خفضه مع ​اصلاح​ ​الكهرباء​ ومحاربة الفساد .

وهنا يلفت الدكتور زمكحل الى ان موقف الصندوق و​البنك الدولي​ين من الوضع الاقتصادي ليس بعيداً عما يطالب به ​تجمع رجال الاعمال​ اللبنانيين في كل المناسبات . وقد حصل لقاء بين التجمع وبعثة صندوق ​النقد الدولي​ عدة مرات وكان التركيز على خطورة الدين العام المتنامي في لبنان وعلى اهمية لجم تصاعده . فهو اليوم بحدود 77 مليار دولار وسيصل الى ال 80 مليار دولار مما يستدعي وقف النزيف الحاصل في ​الانفاق​ غير المجدي ، الهدر المستشري والفساد المتجذر في الادارات .

ويقول : ما صدر من توصيات ونصائح عن كل من البنك الدولي وصندوق النقد طالبنا به المراجع المعنية مرات عدة نحن كتجمع رجال اعمال . ولفتنا الى اهمية اصلاح قطاع الكهرباء الذي هو اهم مصدر للهدر والنزف في خزينة الدولة. فخصخصة القطاع توّفر ملياري دولار سنوياً .

الكل يريد محاربة الفساد . واعتقد انه علينا اتخاذ اجراءات سريعة وتنفيذها قبل الذهاب الى المؤتمر الاستثماري في ​باريس​ الذي يفّضل الفرنسيون اطلاق عليه اسم "مؤتمر الارز" وهم يحشدون له كل الطاقات اللازمة . و لاننسى ان هذا المؤتمر سيأتي بقروض وليس بمنح لتحقيق مشاريع . قسم سيدخل الى الدين العام وقسم آخر من خلال الشراكة بين القطاعين الخاص والعام.

اي أن هذا المؤتمر سيوفر ديونا اضافية وليس هبات، وعلينا أن نستثمرها في القطاعات الناجحة والبناءة لخلق النمو وفرص العمل.

وشدد الدكتور زمكحل على أنه من الجوهري أن يكون لهذه الإستثمارات تدقيق مالي من شركات عالمية، وأن تكون هذه الإستثمارات مشروطة بإصلاحات جذرية في ​القطاع العام​، وإعادة هيكلية الدولة وحوكمة رشيدة و​مكافحة الفساد​ المزمن.

ويقول : بالتأكيد ان المستثمرين والمانحين في هذا المؤتمر لن يأتوا اليه اذا لم تتم الاصلاحات اللازمة سيما وانه لم يتم انجاز اي منها بعد موتمرات باريس 1 و2 و3 التي ربطت القروض بها.

والسؤال المطروح اليوم هل ان ​مجلس النواب​ جاهز لإقرار اي اصلاحات قبل الانتخابات النيابية التي تشغل الجميع . أشك بذلك ، اذ اعتقد اننا لن نرى اي تشريعات جديدة قبل اقله ايلول المقبل .

نحن كرجال اعمال ننظر بكل ثقة وايجابية الى هذه المؤتمرات ولكن نخشى ان نكون مجدداً ملوك الفرص الضائعة كما في كل مرة .

واخيرا ً ، لايمكن اغفال الاهتمام الدولي بلبنان والبعض رأى في زيارة تيرلسون الخاطفة الاسبوع الفائت عودة للدور الاميركي في لبنان وتأكيد على ضرورة الحفاظ على الامن والاستقرار فيه بعد تحييده عن الصراعات الاقليمية . وملف النفط الاقتصادي هو سياسي بامتياز. واذا كنا نعاني اليوم من ركود اقتصادي فهو نتيجة ما حصل خلال السنوات الماضية ونتيجة ظروف سياسية اقليمية ومحلية. وكما يقول وزير المال ​علي حسن خليل​ " لبنان بلد يقوم بجزء من اقتصاده على الخدمات ويتأثر بالعوامل السياسية الاقليمية والازمات الاقتصادية في المنطقة مع تراكم الازمات السياسية التي تراكمت في السنوات الماضية". من الصحيح اننا امام تحديات كبرى، لكن اذا ما خلصت النوايا واذا ما كان هناك سياسة حقيقية، باستطاعتنا ان نحقق ​انجازات​ ونضع حدا لارتفاع المديونية العامة من خلال ضبط الانفاق ومراجعة الاساليب التي تساهم في خفض الدين العام والالتزام بالقوانين التي أقرت والتي تمنع الانفلاش في ​التوظيف​ والجدية في قطاع الكهرباء والاهم هو مستوى الهدر والفساد في هذه الدولة."

ويضيف :" انا مسؤول كغيري عن شريحة من قطاعات الدولة واعترف ان قسما كبيرا من الاموال التي تنفق في الدولة تذهب هدرا، وهناك الكثير من الجبايات للدولة تذهب هدرا نتيجة الفساد المستشري، ويجب اتخاذ اجراءات جذرية حقيقية فلا يعقل ان تبقى مؤسسات التفتيش والرقابة في الدولة مرهونة الى الارادة السياسية". هذا كلام مسؤول يمثل احد اصحاب القرار !

مشوار الاصلاحات طويل ولكنه بحاجة الى قرار سياسي جدي لكي يصل الجميع في نهايته الى ​مرفأ​ الآمان .