كثر الحديث عن الآونة الأخيرة عن ضرورة إقرار موازنة 2018 قبل المشاركة في مؤتمر "سيدر 1" الذي سيعقد في نيسان المقبل، وذلك بسبب ضغوط الدول المانحة والمؤسسات الدولية على الحكومة اللبنانية، وإصرارها على أهمية اتخاذ الإجراءات الإصلاحية، التي من شأنها تشكيل رسالة إيجابية للمجتمع المدني، ودعم لموقف لبنان أمامه.

وعلى الرغم من أن إرادة الدولة في إقرار الموازنة تظهر بشكل جلي وواضح، لكن هذه العملية لن تكون سهلة بسبب العوائق والتحديات التي تواجهها، وأهمها خفض الإنفاق والعجز في الكهرباء وفي خدمة الدين العام.

وبالإضافة الى ذلك، ستواجه الحكومة مشكلة قطع الحساب، ومن المرجح أن يتم إقرار الموازنة العامة لعام 2018 على غرار العام الماضي 2017، أي مع مخالفة المادة 87 من الدستور اللبناني.

وفي حديث لوزير المال علي حسن خليل، أشار الى أن "الربط بين الموازنة ومؤتمر الدعم ليس دقيقاً، ولكن يجب على الأقل الذهاب لطلب المساعدات من الدول مع موازنة منجزة".

فأين تكمن أهمية إقرار الموازنة قبل التوجه الى باريس؟ ما هي سلبيات عدم إقرارها؟ وهل أن الوقت كاف من أجل إجراء الإصلاحلات الاقتصادية والمالية المطلوبة؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها الخبير المالي والاقتصادي د. ​كمال حمدان​ في حديث خاص مع "الاقتصاد":

ما أهمية إقرار الموازنة العامة للعام 2018 قبل التوجه الى باريس للمشاركة في "سيدر 1"؟

من المسلّمات أن تكون الموازنة موجودة لدى التوجه الى مكان معين من أجل طلب الدعم والقروض الميسرة. كما يجب أن تكون هذه الموازنة، بما تتضمن كإطار شامل لتوجهات الحكومة اللبنانية في مجال النفقات والإيرادات العامة، واضحة ومحددة؛ وهذا الأمر يشكل نقطة شفافية.

لذلك، من الأولويات أن تتحصن الدولة اللبنانية بموازنة، وهذا القرار كان مأخوذا عندما أقرت موازنة 2017، ولكن للأسف استنفدت المهل الدستورية والقانونية، وحتى الآن لم تقر موازنة العام الجاري. وبالتالي يجب الاسراع في إقرارها لكي نذهب محصنين، ولدينا المعلومات كافة حول تطور أوضاع المالية العامة، وكيفية ضبط إنفاقنا العام وتوجيه الجزء الأكبر منه الى الانفاق الاستثماري، والطرق المعتمدة لاستكمال الاصلاحات في النظام الضريبي وفي مجمل أبواب الايرادات العامة.

ما هي سلبيات عدم إقرار الموازنة الى حد اليوم؟

السلبيات كثيرة، وقد تشير الى استمرار الحنين للعودة الى الانفاق العام على أساس قاعدة الاثني عشرية، التي تشكل باب لا حدود له للهدر والمحاصصة والتوسع في الانفاق غير المجدي والتسلط على المال العام.

وفي ظل هذا النمط من السياسات العامة، وهذه التشكيلات السياسية المتمسكة بالقرار الاقتصادي، وهذا المستوى من التفاقم في الأزمة التي تعاني منها المالية العامة والاقتصاد ككل، شكوكي كبيرة بأن تتمكن هذه الطبقة السياسية من تحقيق الكثير.

وهنا لا بد من العودة للتأكيد أن المشكلة الأساسية تكمن في تركيبة السلطة، وآلية اتخاذ القرارت على مستوى السلطة، ومدى جدية الرغبة في تحقيق النوايا الاصلاحية. ولهذا السبب، يجب أن نرى ما اذا سيتمكن قانون الانتخاب الجديد، بما فيه من ايجابيات وسلبيات، أن يقدم لنا طبقة سياسية جديدة قادرة على أن تكون على مستوى هذا النوع من الملفات الوجودية التي يواجهها لبنان في مجال الاقتصاد. فنحن نعيش للأسف، في ظل اقتصاد يكاد لا يخلق فرص العمل، وليس لدينا خيار سوى تعليم أولادنا وتصديرهم الى الخارج.

برأيك، هل سيتم إقرار الموازنة دون قطع الحساب كما حدث في العام الماضي؟ وهل أن الوقت كافيا من أجل الاقرار والقيام بالإصلاحات اللازمة أيضا؟

في موازنة 2017، تم إعطاء مهلة محددة، تعهدت فيها الحكومة بإنجاز قطع الحساب، وبالتالي اذا لم ينجز هذا الأمر ضمن هذه المهلة، ستظل حينها موازنة 2018 تعاني من الاشكالات، مما قد يضطر الحكومة الى إعادة تمديد تعهدها السابق لفترة اضافية.

لكن هذه الأمور لا تزال باللون الرمادي، أي أن نتيجتها غير محسومة الى حد اليوم. وفي جميع الأحوال، قد يأخذون الطريق الأسهل، ويصدروا مشروع موازنة 2018 على غرار 2017، مع تعديل مهلة التعهد بإنجاز قطع الحساب، وهذا ما أعتبره بمثابة نقطة ضعف أمام الدول المانحة والمؤسسات الدولية، إضافة الى كونه مخالفا للدستور؛ فكل ما له علاقة بإنفاقنا العام وإيراداتنا العامة منذ العام 2005 هو مخالف للدستور.

يضمّ مشروع الموازنة المقدم زيادة 2000 مليار ليرة على الإنفاق، في حين أن الأطراف السياسية المختلفة تدعو الى خفض الإنفاق وضبط الهدر. برأيك، كيف يمكن حلّ هذه المعضلة؟

أنا لست متفائلا والوضع يشبه "باخرة تبحر في المياه على عواهنها"، فالانفاق العام ارتفع بشكل كبير تاريخيا، والضوابط لم تعد موجودة. بمعنى آخر أن 80% من الانفاق العام مرتبط بكلفة خدمة الدين، وكلفة العجز في الكهرباء، وكلفة الأجور ومتممات الأجور أي التقديمات الاجتماعية، والصحية، والتعليمية،... وهذه النسبة من الانفاق غير قابلة للحصر.

فمنذ فترة قصيرة، تم حلّ الملف الشائك المتعلق بتعديل سلسلة الروتب والرواتب، وترتب على ذلك زيادة كبيرة في الانفاق العام وهذا الأمر غير قابل لاعادة النظر فيه. وبالتالي عند التعامل مع مشروع الموازنة، يجب الاعتراف أن ما أقر بموجب هذه السلسلة أصبح أمرا واقعا. ولكن لا بد من القيام بإصلاحات لنمط وسياسات الانفاق العام في الإدارات العامة، حيث الفائض في عدد الموظفين موجود بكثرة، في حين أن الانتاجية ضعيفة كثيرا.

وللأسف، لا تزال الوزارات تقدم طلبات توظيف جديدة لادخال أشخاص في التقاعد الوظيفي، وتفريغ الأساتذة الجدد، في حين أننا نعاني من تخمة في كل هذه القطاعات. وبالتالي اذا لم تتحقق هذه الاصلاحات، لن نتمكن من ضبط الانفاق، وستبقى الفرص محدودة، وسيبقى الكلام سياسيا.