أشار حاكم مصرف ​لبنان​ ​رياض سلامه​ في كلمة ألقاها خلال الملتقى الاقليمي الثامن بعنوان "دعم الاستقرار والتنمية في الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط" إلى أن "الاستثمار في القطاع الخاص ودعم نشاطاته هو المفتاح الأهم لتحفيز عملية النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.

وإن لتنمية القطاع الخاص دور كبير في تحقيق التنمية الشاملة للمجتمعات لما في ذلك من تأثير إيجابي على مستوى الإنتاجية وخلق فرص العمل والحد من الفقر".

وأضاف سلامة "القطاع الخاص هو المساهم الأساسي والفعال في بناء القدرات والمهارات وتوجيهها نحو الإنتاج والابتكار والتجديد. ولطالما اعتبرنا ان خيار اقتصاد السوق هو الافضل للبنان. وقد طبقنا هذا المفهوم ومارسناه في القطاع المصرفي والمالي".

وتابع "لقد توجّهت سياسة مصرف لبنان خلال العقدين الماضيين نحو تأمين المناخ النقدي والمصرفي المناسب لتشجيع أنشطة القطاع الخاص وإطلاق المبادرات والحوافز المناسبة لتأمين التمويل اللازم من اجل المحافظة على الاستقرار الاجتماعي من دون توليد التضخم. ولقد أفاد القطاع الخاص من سياسة الاستقرار النقدي بشكل كبير من خلال المحافظة على قدرته الشرائية وزيادة موارد تمويله. كما أرسى مصرف لبنان قواعد ثابتة ومحافظة لتطوير نظام مصرفي سليم يجتذب الودائع ويتمتّع بالسيولة الكافية لتمويل القطاعين العام والخاص".

وقال سلامة "سعى مصرف لبنان، من خلال تشجيع القروض السكنية والاستهلاكية، الى تأمين التمويل الذي سيعيد تكوين الطبقة الوسطى، وهي اساس الاستقرار الذي يحتاج اليه الاقتصاد اللبناني. ونحن مستمرون في مقارباتنا غير التقليدية بالتعاون مع المصارف، لتحفيز مختلف القطاعات الاقتصادية وتحسين القدرة التنافسية للقطاعات التي تتعاطى مع الخارج. وقد حفز مصرف لبنان ذلك من خلال القروض المدعومة عموما، واقتصاد المعرفة الرقمية خصوصا. كما نبذل جهودا بشكل خاص ومن خلال القروض المدعومة لاتخاذ مبادرات بيئية وتشجيع استخدام الطاقة البديلة، نظرا للوفورات الكبيرة التي تحققها في المستقبل على صعيد المواطن والمؤسسات وبالتالي المجتمع والاقتصاد".

ولفت إلى ان "جميع المبادرات التي ذكرناها لما كانت استمرت لولا نجاحنا خلال كل هذه السنوات في الحفاظ على ثبات النقد الذي يشكل الحجر الأساس لـ "تأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم".

وأكد ان "مصرف لبنان موجود مع اللبنانيين في حياتهم اليومية والمهنية: انظمة الدفع الرقمي، التربية، الثقافة، الرياضة والمعرفة الرقمية. كذلك، نعتز بمبادرتنا لتوسيع مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى المؤسسات الاقتصادية، ولا نزال. فعمل المؤسسات يبقى ناقصا اذا لم يقترن بمبادرات تفيد المجتمع".

وأكمل "سعى مصرف لبنان، ضمن ما يجيز به القانون، الى تأسيس البيئة الصحيحة التي تسمح للبنان بان يكون مواكبا للتطورات العالمية، وتسمح للبناني بالاستفادة من قطاعه المالي في اعماله وحياته اليومية في آن معا. لا يمكن للاقتصاد ان ينمو من دون قطاع مالي سليم يؤمن التسليف، ومن دون ليرة لبنانية مستقرة تؤمن الثقة، وتؤدي باستقرارها الى التعاطي المالي بفوائد مقبولة".

وإعتبر سلامة أن "القطاع المالي يكون سليما بملاءته وبممارساته الصحيحة. في هذا الاطار، ادخلنا المعايير العالمية لتطبق في قطاعنا. كذلك ادخلنا مبادئ الشمول المالي والشفافية والامتثال. فيكون تعاطي قطاعنا باموال شرعية فقط، وتصل الى اكبر شريحة لمكافحة الفساد من خلال مكافحة تبييض الاموال، تبعا للقانون اللبناني.

ولقد طوّرت الدولة هيئات مستقلة حول مصرف لبنان تساهم اكثر فاكثر في ارساء ثقافة تسمح لنا بالبقاء منخرطين في العولمة المالية. ومن هذه الهيئات التي تتمتع باستقلال ذاتي: لجنة الرقابة على المصارف، هيئة التحقيق الخاصة، وهيئة الاسواق المالية".

وأشار إلى أن "هيئة الاسواق المالية تسعى الى تنظيم ومراقبة التداول في الاوراق المالية. إن تفعيل أسواق رأس المال في لبنان هو لمصلحة القطاع الخاص وسوف يؤمّن فرصعمل أكثر بشكل مباشر أو غير مباشر، ويساعد في خفض مديونية القطاع الخاص منخلال إصدار أسهم كما يساعد في توزيع أفضل لمديونيته من خلال إصدار سنداتتؤدي إلى برمجة أفضل لاستحقاقات دينه".

لافتأً غلى أن "ان تخصيص بورصة بيروت واطلاق منصة الكترونية للتداول في الاوراق المالية يشكلان أمرين أساسيين لرسملة الاقتصاد اللبناني. ونحن بحاجة الى هذه الرسملة ان اردنا تطوير وتنمية اقتصادنا.

اذ لا يمكن أن يبقى معظم القطاع الخاص ممولا من الدين، كما وأن نجاح الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، يستوجب ايجاد اسواق ثانوية للمنتجات المالية الصادرة عن هذه الشراكة (سندات/ أسهم)".

وقال سلامة "نحن نرى أهمية وجود سياسات إقتصادية ملائمة تؤمن بالشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص، وبأن التنافسية هي السبيل الأمثل والأنجح ليكون النمو عملية مستدامة تؤمّن الاستقرار المالي والاجتماعي.

ان هذا المشروع المتكامل يهدف إلى تطوير البنى التحتية من دون إرهاق الدولة بديون إضافية وبالتالي من دون العودة الى زيادة حجم الدين العام الى الناتج المحلي. غير ان مشروع تطوير البنى التحتية يرتكز أساسا على التنسيق المتكامل بين الوزارات والادارات المعنية وهذا في لبنان يتطلب قرارا سياسيا موحدا ورؤية موحدة لمستقبل لبنان الاقتصادي لكي ينتج عن ذلك قوانين تحفز القطاع الخاص على الاستثمار".

وختم "يهمّنا اليوم هو الحفاظ على أجواء تسمح بالمزيد منالنمو وتدعيم الثقة والحد من ارتفاع الفوائد. ولكي يتحقق ذلك، نحن بحاجة الى خفض تدريجي في عجز الموازنة مقارنة بالناتج المحلي.

سيحافظ مصرف لبنان على أهدافه : ليرة مستقرة، فوائد مستقرة، قطاعا مصرفيا يتمتع بسيولة مرتفعة ودعم مدروس لملاءة الدولة، مستعملا كل الوسائل المناسبة لتحقيق ذلك.

هكذا تؤمن السياسة النقدية المناخ المؤاتي للإستثمار شرط الإستقرار السياسي والأمني".