بدأت اليوم جلسات مجلس الوزراء المخصصة لدراسة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2018، حيث تم عرض الخطوط العريضة للموازنة قبل مباشرة مجلس الوزراء بمناقشة المواد بالتفصيل.

ويأتي ذلك مع بدء العد العكسي للموعد المبدئي لانعقاد مؤتمر "سيدر1" في باريس منتصف شهر نيسان 2018 لدعم ​لبنان​ اقتصادياً. ورغم عدم تجاوز الفترة التي تفصلنا عن المؤتمر الشهرين فقط فإن الوضع المالي والاقتصادي لم يسجل حتى اللحظة اي تقدم ملحوظ.

وعلى الرغم من إعلان غالبية الأفرقاء السياسيين أن إقرار الموازنة سيتم قبل مؤتمر "سيدر1" مشمولة بإصلاحات تدعم موقف لبنان أمام المجتمع الدولي، إلا أن هذا الامر ليس مضموناً في بلد تعتريه الخلافات السياسية المعقدة، وينهش فيه والهدر والفساد. وما يثبت ذلك هو تصريح رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان عن ان ارتفاع الإنفاق الى 28 ألفا و500 مليار ليرة بزيادة نحو 2000 مليار عن موازنة 2017 مؤشر غير مقبول، لافتا إلى ان هناك 21 بندا اصلاحيا تعهدت الحكومة احترامها بإعداد مشروع 2018.

فهل سيتم تنفيذ الوعود التي أطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون أمام وفد صندوق النقد الدولي أخيراً والمتعلّقة بخفض العجز وتقليصه وإقرار موازنة 2018 بأسرع وقت ؟ أم ان موازنة 2018 ستكون نسخة طبق الأصل عن العام الماضي ؟ وماذا عن موقفنا أمام المجتمع الدولي في حال عدم المضي بإصلاحات فعلية وحقيقية تؤدي إلى نتائج على أرض الواقع ؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. ​سامي نادر​، في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، هل سيتم تنفيذ الوعود بتضمين موازنة العام 2018 إصلاحات تتعلق بخفض العجز وتقليص الإنفاق قبل الذهاب إلى مؤتمر "سيدر1" ؟ أم ستكون نسخة طبق الأصل عن موازنة 2017؟

أعتقد أننا بعيدين كل البعد عن تطبيق إصلاحات في موازنة 2018، وهي ستكون شبيهة إلى حد كبير بموازنة العام الماضي .. والسبب أن الطبقة السياسية لم تلمس بعد ولم تشعر بخطورة الوضع الحالي، على الرغم من أن التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي الذي صدر في 12 شباط الجاري، أشار إلى أن الإصلاحات لم تعد فقط ضرورية بل أصبحت طارئة، وهذا التقرير تم نشره بموافقة مصرف لبنان المركزي، مما يعني أن التقرير جدّيْ وجدّيْ جداً.

إذا نحن اليوم في مرحلة لم يعد امامنا أي خيار سوى المضي بإصلاحات جدية وبطريقة سريعة وبدون أي تأخير. ومؤخراً كان هناك تعويل كبير على الإنتخابات المقبلة التي يمكن أن تطلق دينامية معينة بإتجاه إصلاحات جدية، ولكن للأسف إذا نظرنا إلى التحالفات والمرشحين، نجد ان هناك غياب تام لاي برنامج إنتخابي أو عنوان سياسي واضح يتضمن برنامج إقتصادي إجتماعي معين. فالتحالفات كلها تحالفات من أجل تقاسم السلطة، وتجمع الأضاد والتناقضات بشكل غير منطقي، فقط من أجل المحاصصة وتقاسم الجبنة.

كل هذه التحالفات غير المنطقية هي صورة لما سيكون عليه الوضع في مرحلة ما بعد الإنتخابات النيابية، حيث أن غياب البرامج الإنتخابية الواضحة والطموحة وإعادة إنتخاب نفس الطبقة السياسية الحالية، هي أمور لا تبشّر بالخير.

ماذا لو ذهبنا إلى "سيدر1" بموازنة شبيهة بعام 2017 وبدون إصلاحات حقيقية ؟

ستكون كارثة كبيرة في حال ذهبنا إلى مؤتمر باريس دون إقرار إصلاحات فعلية، فتقرير صندوق النقد ايضا أشار إلى أن مؤتمر "سيدر1" لن يقدّم مساعدات للبنان، بل إستثمارات مشروطة في قطاع البنى التحتية، وهذا يعني أننا لن نحصل على هذه الإستثمارات في حال عدم السير بإصلاحات جدية تؤدي إلى تغييرات ملموسة على أرض الواقع.

بالإنتقال إلى الإنتخابات النيابية المرتقبة ... هل تعتقد أن الإنفاق الإنتخابي المتوقع سينعكس إيجاباً على حركة الأسواق ؟

التوقعات التي تتحدث عن إنفاق إنتخابي كبير في الإنتخابات النيابية المقبلة هي توقعات غير دقيقة، فالأطراف السياسية والأحزاب لن تصرف الكثير من الاموال على حملاتها الإنتخابية، وهذا الأمر يثبته وضع سوق اللإعلانات الحالية، ووضع محطات التلفزة ووسائل الإعلام المرئية.

الأموال غير متوفرة أصلا لدى معظم القوى السياسية التي ستخوض المعركة الإنتخابية المقبلة، وبالتالي لن يتم صرف مبالغ مشابهة لما تم صرفه في العام 2009، ولن يكون لهذه الأنتخابات تأثير كبير على تحريك السوق.

ما هي توقعاتك للمرحلة المقبلة ؟ وإلى أين يتجه لبنان إقتصادياً ؟

كما ذكرت سابقا، تحالفات التناقضات التي نراها والسعي لتقاسم الجبنة مرة أخرى، هي صورة لما سيكون عليه الوضع في مرحلة ما بعد الإنتخابات .. وبالتالي فإن التوقعات للمرحلة القادمة سلبية، والإستمرار بالسير على هذا النحو سيوصلنا إلى الإنهيار الإقتصادي بدون أدنى شك، إلا إذا تم تفعيل دورة النمو بشكل إستثنائي، وتم ضبط عجز الخزينة بشكل جدي عبر تقليص الإنفاق. وفي الوقت الراهن لا أرى أي توجه فعلي من قبل السلطة نحو هذا الهدف، وبالتالي فإن الأمور تذهب نحو الأسوأ للأسف الشديد.