لم يكد مؤتمر ​اعادة اعمار​ ​العراق​ ينتهي حتى سارعت ​الحكومة العراقية​ الى الاعلان عن تأسيس ديوانا للرقابة المالية للإشراف على​ صرف المنح وال​قروض​ المقدمة في المؤتمر ​والتي ناهزت الثلاثين مليارا من الدولارات.

هذه الخطوة أتت كانعكاس واضح لمداولات المؤتمر والتي ركزت على ضرورة وجود ضمانات سياسية جدية لعالم الاعمال كي ينخرط فعليا في مشروع اعادة الاعمار ، ووفقا للمقولة المعروفة ، فان رأس المال جبان ، ولا يمكن ان يتواجد في اماكن الخطر ، سواء كان سياسيا او امنيا او اقتصاديا أو بنيويا.

بالنسبة للقرار السياسي فان امير ​الكويت​ الشيخ صباح الاحمد نجح مرة أخرى في جمع العالم على ارض بلاده لتشكيل الضمانة السياسية الدولية بان حروب العراق انتهت ، على الرغم من استمرار بعض المناوشات والمطاردات ضد داعش في بعض الانحاء العراقية ، وعلى الرغم من بقاء الخطر الامني لهذا التنظيم الارهابي لبضع سنوات اخرى ، ولكن خير وسيلة لطي الصفحة هي في اطلاق ورشة البناء ، لبناء دولة عراقية قوية ، ومجتمع مستقر وآمن ، يكونان سدا منيعا امام عودة التغلغل الارهابي.

وفي المعلومات الخاصة لموقع "الاقتصاد" فان المناقشات في الجلسات المغلقة تطرقت الى الشق السياسي من عملية اعادة الاعمار ، وقد تحدث مندوبو عدة دول رئيسية ، مثل ​الولايات المتحدة الاميركية​ و​السعودية​ وقطر، عن ضرورة استكمال العملية السياسية الداخلية والمتمثلة بمحطة الانتخابات النيابية في ايار مايو المقبل ، بشكل شفاف وديمقراطي ، بحيث تتمثل كل المكونات الطائفية والمذهبية في الحكم لتشارك في صناعة المستقبل العراقي. ولا بأس بتاجيل هذا الاستحقاق قليلا ، كما تطالب القوى السنية ، بانتظار تامين عودة جميع النازحين الى ديارهم للمشاركة بفعالية في هذه الانتخابات .

لقد منح ​المجتمع الدولي​ العراق الضمانة الخارجية ، ورمى في ملعبه تأسيس البنية السياسية الداخلية لانجاح مشروع اعادة الاعمار ، ومن نافل القول ان فشل الحكومة العراقية في هذه الامتحان ، سيعني حتما عدم ايفاء الدول بتعهداتها المقدمة خلال المؤتمر.

على الصعيد الاقتصادي والمالي ، اشتكى المسؤولون العراقيون ، ومعهم مجموعة من المستثمرين والمحللين والمرقبين والاعلاميين ، الذين حضروا من مختلف المحافظات العراقية ، من كون معظم التقديمات الموعودة هي على شكل قروض ، ووعود بالاستثمار ، بحيث انعدمت تقريبا الهبات ، باستثناء تلك المخصصة للاغاثة العاجلة ، بقيمة تقريبية 350 مليون دولار ، والتي اقرت في اليوم الاول من المؤتمر ، في جلسة مخصصة للمنظمات غير الحكومية والجمعيات الانسانية. ، والتي بدورها خضعت لشرط ان تتولى الجهات المانحة صرف الاموال عبر ممثليها في العراق ، ضمانا لوصول المساعدات الى مستحقيها .

هذا الموضوع كان محور البحث في اليوم الثاني للمؤتمر في منتدى اقتصادي نظمته غرفة ال​تجارة​ والصناعة الكويتية ، وحضره ممثلون عن ​القطاع الخاص​ من 77 دولة ، بالاضافة الى ممثلي حوالى الف شركة . وقد شهدت مناقشاته خلف الابواب المغلقة حماوة وصراحة متناهية في مقاربة ​الوضع الاستثماري​ في العراق . ومن ابرز الملاحظات هو عدم سيطرة الدولة العراقية على كل اراضيها ومرافئها ، بحيث لم تنته بعد مفاعيل الحرب وهيمنة بعض الميليشيات على اجزاء كبيرة من البلاد ، وقد اعطى احد المستثمرين المصريين في ​قطاع النقل​ العراقي مثالا صارخا بالقول انه يضطر لدفع "اتاوة" باهظة للميليشيات او لموظفي الدولة الفاسدين، لادخال البضائع والمعدات ومستلزمات العمل ، وان الكلفة تتفاوت بين مرفأين مختلفين وتصل الى عشرات الاضعاف ، بحيث بات عليه ان يختار العمل في المكان الارخص.

وقد طالب ​رجال أعمال​ كويتيون وعرب واجانب راغبون في الاستثمار في العراق ، بصريح العبارة ، بضمانات من الحكومة العراقية ، بالقضاء على منظومة ​الفساد​ ، وبكف يد الميليشيات المسلحة عن المرافق العامة ، والتغلب على عائق البيروقراطية ، ومنع التدخلات السلطوية في ​الادارة​ ، لضخ استثمارات في العراق.

هذا ما عبر عنه بلغة دبلوماسية نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت عبد الوهاب الوزان اذ اكد "ان القطاع الخاص يتطلع دائما لأن تكون هناك ضمانات تعطي الاستقرار في عملية الاستثمار.. كل استثمار يحتاج إلى استقرار. لا تستطيع أن تستثمر بدون أي يكون عندك راحة بال في كيفية الإنشاء والإعمار ومن ثم الاستمرار، هذا هو الطريق الصحيح.. هذه الأساسيات التي تبني عليها استثمارك في العراق".

اما بالنسبة لتقديمات الدول فقد اشترطت جميعها ان تمنح الاموال على شكل قروض ميسرة جدا ، وعبر هيئاتها الوطنية المختصة ، مثل ​الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية​ ، على ان تتولى بنفسها الاشراف على المشاريع المقترحة ، وخصوصا في عملية اعادة بناء المرافق العامة والبنى التحتية المدمرة ، ومتابعة التنفيذ من الالف الى الياء ، بدءا بالتلزيم ووصولا الى التسليم .

هذه الشروط هي ايضا رمي للكرة في ملعب العراقيين ، لان تنفيذها يعني بكل بساطة ان في العراق دولة قادرة وصادقة .

لقد فتح مؤتمر اعادة العراق طريقا واعدا من اجل مستقبل هذا البلد ، ولكنه طريق محفوف بالمخاطر ، لا سيما وان الشروط الموضوعة صعبة للغاية اذا نظرنا الى الوضع الحالي للعراق ، وقد تحدث دبلوماسيون عرب واجانب في الجلسات المغلقة للمؤتمر عن تسرع في عقده ، وانه كان من الاجدى الانتظار لسنة على الاقل حتى جلاء الوضع العراقي تماما ، وحتى تثبت دولة العراق اهليتها لقيادة مرحلة اعادة الاعمار ، الا ان هذا الكلام جوبه بموقف كويتي صريح وصارم ، بان الانتظار لعام آخر في حالة العراق المدمر والمنهارة مؤسساته بالكامل ، كان ليشكل فرصة ذهبية للتنظيمات الارهابية ، او للميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة ، بالاضافة الى بعض الدول المتدخلة في الشأن العراقي ، لان تمعن في تمزيق المجتمع العراقي ، فلا تقوم للدولة العراقية قائمة .