هو صاحب إرث أصيل، كرّس حياته ووقته وجهده للبحث عن تاريخه العائلي وتوثيقه. انضم في العام 1996، إلى الشركة العائلية "Maison Tarazi"، المتخصصة في صنع وتنفيذ الحرف الخشبية الشرقية. وبالتوازي مع نشاطه العمليّ، بدأ أبحاثه المعمّقة، في محاولة منه للتعرف الى جوانب مختلفة من المشاريع التي نفّذها أسلافه منذ انطلاقة الأعمال في العام 1862.

شخصيته تأسرك بهدوئها واتزانها، فهو نموذج حضاري لرجل الأعمال، ومن أهم صفاته أنه منظم ومحبّ للاطلاع.

هو الجيل الخامس من عائلة طرزي، وقد ورث تاريخا عائليا غنيا، لكنه لم ينم على أمجاد الماضي، بل عمد الى تطوير العمل منذ انضمامه اليه، ليصبح واضحا ومواكبا للعصر.

مدير "Maison Tarazi" ​كميل طرزي​، خصّ "الاقتصاد" بهذه المقابلة المميزة:

من هو كميل طرزي؟ وما هي المراحل التي مررت بها خلال مسيرتك المهنية والأكاديمية؟

حصلت في العام 2001، على إجازة جامعية في مجال الهندسة من "الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة"، "ALBA"، ونلت بعد ذلك، شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من "École supérieure des affaires"، "ESA"، ومن ثم انضممت الى العمل مع والدي في"Maison Tarazi".

أخبرنا بلمحة مختصرة عن تاريخ "Maison Tarazi"، والمحطات التي مرّت بها هذه الشركة العائلية؟

تأسست "Maison Tarazi" في العام 1862، على يد جدّ جدي، في مدينة بيروت. وبين 1862 و1926، افتتح فروعا عدة في بيروت والقدس والشام والقاهرة والاسكندرية؛ وسلّم إدارة كل فرع لواحد من أبنائه.

والد جدي كان مسؤولا عن فرع الشام، وبعد فترة من الوقت، وصل هذا المتجر الى حدّ الإفلاس، ولهذا السبب عمد جدي إميل مع أخيه، الى افتتاح فرع جديد في مدينة الرباط في المغرب، وبعدها في الشام وبيروت، واستمرا بهذا العمل حتى العام 1987.

في العام 1988، انضم والدي ميشال الى العمل مع والده إميل، وأسسا معا المتجر من جديد. وفي العام 1996، استلم مشروع ترميم السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر في بيروت، الذي تم بناؤه بالأساس في العام 1916، ونفذ حينها عم جدي كل الأعمال الخشبية، وبعد 80 سنة، طُلب من والدي ترميم القصر وتأهيله.

في العام 1997، بدأت بالعمل مع والدي، وكنت في ذلك الوقت أساعده قليلا، وأتعرف الى أساسيات الجو الشرقي، والترميم، والديكور، وألتقي بالحرفيين. وأنا حاليا أمثل الجيل الخامس من "Maison Tarazi".

ومنذ حوالي 20 سنة، قمت بأبحاث عدة حول العمل والمصلحة التي انطلقت منذ 150 سنة، ولا زالت مستمرة الى حد اليوم، لأن الأرشيف لم يكن موجودا في ذلك الوقت. كما نشرت في العام 2015، كتاب "Vitrine de L’Orient"(واجهة الشرق)، وافتتحت في 2016، المتجر الموجود حاليا في منطقة مار مخايل في بيروت؛ فمتجرنا الأساسي قائم في منطقة برمانا منذ العام 1988.

ما هي الجوانب التي عملت على تحسينها مع استلامك العمل؟

حافظ والدي على كل العادات التي ورثها عن والده إميل، لكنه بدأ كل شيء من الصفر، وعاد الى تأسيس العلاقات مع الحرفيين الذين كانوا يتعاملون مع جدي، كما عمد الى بناء علاقات جديدة.

واليوم، لدينا مشغلا في منطقة بعبدات، متخصص في اللمسات الأخيرة، والرسم على السقوف، واللوحات الجدرانية، والغرف الشرقية،...

فقد بدأ والدي بهذا العمل، وبعد أن أنهيت دراستي الجامعية في مجال الهندسة، انضممت اليه، وعملت على تنظيم الأرشيف والملفات والفواتير؛ وقد تعاونت مع شنتال عيد من أجل تنظيم أرشيف الشركة منذ العام 1960 وحتى العام 2011. وكنت أرتّب وأنّظم كل رسمة، وكل عقد عمل، وكل فاتورة، وكل تصميم، بشكل واضح، من أجل توثيق جميع هذه البيانات. وفي الوقت ذاته، قمت بمسح صور عدة وجدتها عشوائيا في عدد من المناطق.

وبالتالي رتّبت العمل بشكل نظامي أكثر، لأننا نعيش في عصر الانترنت والسرعة. وفي العام 2002، أطلقت موقعا الكترونيا للشركة، لم يكن موجودا بالأساس لأن والدي لم يهتم بهذه الأمور. كما أطلقت في 2012، موقعا الكترونيا ثانيا، من أجل تنظيم العمل بشكل واضح أكثر. وبهذه الطريقة، بات لدى "Maison Tarazi"، نظاما داخليا.

لو لم تكن عائلتك تعمل في هذا المجال، أكنت لتختار الانخراط في مهنة أخرى؟

في هذه الحالة لكنت اخترت بالطبع مجالا متعلقا بالفن، فقد تخصصت في الهندسة لأنني أحب هذا العالم.

وفي العام 1997، أي عندما دخلت الى العمل بشكل عشوائي، تعرفت الى مهندسين فرنسيين، لفتوا نظري حول كوني محظوظا لوجودي في "Maison Tarazi"، لكي أرى تراثنا العائلي موجود ومستمر. وبالتالي شعرت أنه من واجبي استكمال هذه المسيرة، من أجل ضمان استمرارية تاريخ العائلة.

فبعد تعاقب خمسة أجيال على العمل، من الصعب أن يفكر الانسان بالتخلي عنه. ولهذا السبب، أسعى في الوقت الحاضر الى دعم أبناء إخوتي وتشجيعهم، لكي يستكملوا المسيرة من بعدي.

ما هي المقومات التي ساعدت "Maison Tarazi" على الاستمرار لكل هذه السنوات؟

أولا، نحن على علاقة صداقة مستمرة مع أحفاد الزبائن والمهندسين الذي عملوا معنا أو مع والدي أو مع جدي، وهذا ما يشجعنا على الاستمرار. فالأرباح المادية فانية، لكن الاسم والجودة هما الأهم في أخلاقيات العمل.

ثانيا، استمرارية وجودنا في السوق هي ثمرة مشاركتنا في معارض عدة في لبنان.

ثالثا، أعمالنا الموجودة منذ سنوات طويلة في أماكن مختلفة.

ما هي الصفات الشخصية التي ساعدتك على التقدم؟ هل تعتبر نفسك انسان مثابر وطموح؟

أولا، أنا أحب الدخول في تفاصيل الأمور، لأنني أسعى الى أن يكون العمل صحيحا منذ البداية؛ فأهمية العمل تكمن في تنفيذه بطريقة ترضي الزبون، وبالتالي لا يهمني إن خسرت بعض الأرباح، ولكن من المهم أن لا أخسر الزبون أو الجودة أو طريقة التعامل الودية، التي لا زالت موجودة في علاقاتنا مع الناس.

ثانيا، أعطي رأيي الصريح حول الأمور، لأن الصراحة تريح البال، ولهذا لا أنفذ مشروعا لست مقتنعا به؛ وغالبية الأشخاص يقدرون ما نقوم به، وبسبب هذا التقدير نتشجع على الاستمرار. فعندما أصدرت الكتاب في العام 2015، اعتبرته بمثابة فكرة مرحة من أجل تجميع القصص حول العائلة والمشاريع التي تم تنفيذها، ولم أتوقع أن أرى هذا العدد الهائل من الجمهور خلال حفلة التوقيع. فقد شارك أفراد العائلة، والأصدقاء من كل الأجيال، والمهندسين، والزبائن القدامى والجدد أيضا، وبالتالي التمست انفعال الناس واهتمامهم، وقد أكد هذا الكتاب على وجودنا التاريخي في السوق. ولهذا السبب شعرت بعد إصداره، بضرورة افتتاح متجر في مار مخايل في بيروت لأن منطقة برمانا بعيدة الى حد ما.

من قدم لك الدعم في مسيرتك؟

تلقيت الدعم من والدي بالطبع، لكنه لم يفرض علي يوما الدخول الى هذا المجال، بل جاء الأمر بشكل عفوي تماما؛ وحتى أن جدّي لم يفرض عليه ذلك أيضا.

وفي الوقت الحاضر، أتعاون مع والدي في "Maison Tarazi"، لكنه يهتم بالأمور الإدارية والمالية والمحاسبة، وفي المقابل أهتم بدوري بالعلاقات مع الزبائن من الألف الى الياء، وبمراقبة الجودة مع فريق العمل.

هل شعرت يوما بالتقصير تجاه حياتك الخاصة بسبب انشغالاتك الكثيرة في العمل؟

العمل يأخذ الكثير من وقتي لأن "Maison Tarazi" هي شركة عائلية، وبالتالي يبقى غالبية الكلام عنها خلال اجتماعات العائلة؛ وهنا نجد القوة والضعف في الوقت ذاته.

ما هي النصيحة التي تودّ إيصالها الى جيل الشباب اللبناني الطموح؟

أشجع الشباب على البقاء في بلدهم لبنان، وخاصة الحرفيين منهم، لأنهم يتمتعون بموهبة رائعة، وتقنيات يدوية مذهلة غير موجودة في بلدان الخليج أو في أوروبا.

فعندما يهاجر الانسان الى الخارج، لن يشعر بالانتماء الى البلد الموجود فيه، وبالتالي اذا حصل على الفرصة للعمل والنجاح في بلده الأم، عليه التمسك بها، لأن الأمل موجود دائما، مهما اشتدت الصعاب.

فالراحل غسان تويني كان يقول: "لا يجوز أن نترك بلدنا لدى حصول المشاكل والعودة اليه فور انتهائها، لأن لبنان ليس فندقا".