تعيش ​العراق​ اليوم مرحلة جديدة في تاريخها مرحلة "طي صفحة الحرب والانطلاق نحو إعادة ​إطلاق​ العجلة الاقتصادية"، مرحلة اتت بعد 4 سنوات من الحرب الدامية ضد تنظيم الدولة الاسلامية المعروفة بـ"​داعش​" تكبدت فيها ​بغداد​ خسائر بلغت اكثر من 90 بليون دولار فدمر الحجر والبشر وشرد الملايين، ليشكل المؤتمر الذي انعقد في ​الكويت​ بداية الاسبوع الحالي النقطة المفصلية والاولية في المرحلة الجديدة، مؤتمر جاء ليؤكد على مواقف الدعم الدولية للعراق واثمر عن اسهامات قدرت بحوالي الـ30 مليار دولار نتيجة اعتبرها البعض مخيبة للامال نظرا الى ان بغداد كانت تتطلع الى مبالغ اكبر بكثير، ولكن مهما كثرت التحليلات والاقاويل تبقى الحقيقة الواقعة ان الاسهامات العربية والدولية في هذا الملف اتت في الوقت المناسب وحمت البلاد من المزيد من الويلات والمشاكل على شرط حسن استخدام هذه الاموال والسعي الى القضاء على ​الفساد​ المستشري في البلاد واطلاق العنان للاصلاح السياسي الشامل .

العراق: خسائر في البشر والحجر و88.2 مليار دولار كلفة اعادة ال​اعمار​ جراء الحرب ضد "داعش"

اكثر من 90 بليون دولار خسائر العراق الناجمة عن حربه ضد تنظيم داعش ارقام كشفت عنها وزارة التخطيط العراقية في تقريرها واشار وكيل الوزارة مهدي العلاق إن الدراسات الميدانية التي أنجزتها الوزارة بالتعاون مع عدد من الجهات المساندة، قدرت الخسائر التي تكبدها العراق نتيجة الحرب ضد «داعش» بين 80 بليون دولار إلى 90 بليوناً موضحاً أن 47 بليون دولار من الأضرار مرتبط بالبنى التحتية والمنشآت الاقتصادية، فيما تتعلق بقية المبالغ بقطاعات أخرى أبرزها السكن.

كما اشار وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري الى إن 18 ألف شخص قتلوا وأصيب 36 ألفا آخرين في الحرب منذ 2014، مشددا على صعوبة وكلفة الحرب التي خاضتها بلاده مبينا أن قيمة الخسائر والأضرار تراوحت بين 2,88 و100 مليار دولار، واوضح الجعفري أن محاربة "داعش" تطلبت تحركات على الصعيدين الداخلي والخارجي منها توحيد صف السياسيين العراقيين، وتجميد كل خلافاتهم، إضافة إلى توحد كل القوى السياسية والقيادات العسكرية لمحاربة التنظيم، إلى جانب توحيد الخطاب السياسي بوقوف العراق ودعمه للاستقرار ونبذه لكافة الخلافات بين الدول.

ومن ناحيته اشار مدير "صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية" مصطفى الهيتي إن "العراق بدأ أولى خطوات إعادة الإعمار، إلا أنه لم يتمكن من انجاز سوى واحد في المئة منها حتى الآن مشيرا الى وجود 2.5 مليون نازح بحاجة للمساعدة، وإلى وجود نحو 138 ألف منزل متضرر، فيما لحق الدمار بأكثر من نصف هذا العدد جراء الحرب مع تنظيم داعش".

من جهته قال وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي إن بلاده بحاجة إلى 88.2 مليار دولار لإعادة بناء ما دمرته الحرب، فيما أشار مدير عام وزارة التخطيط العراقية قصي عبد الفتاح إلى أن إعادة إعمار العراق تتطلب جمع 22 مليار دولار بشكل عاجل، و66 مليار دولار أخرى على المدى المتوسط.

مؤتمر الكويت : 30 مليار دولار اسهامات ل​اعادة اعمار​ العراق

استضافت ​دولة الكويت​ في 12 شباط وعلى مدى 3 ايام مؤتمر اعادة بناء العراق في خطوة تؤكد على صلات الوصل بين البلدين والعلاقات المتينة حيث اكدت جميع الجهات الدولية على اهمية انعقاد هذا المؤتمر وضرورة الوقوف الى جانب العراق في هذا الوضع الحرج، و أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن "مؤتمر الكويت يوفر منبرا رئيسيا لإعادة التأكيد على أهمية العودة الطوعية والآمنة والمستدامة للنازحين العراقيين، وكذلك لجمع الموارد لدعم جهود الحكومة في تحقيق هذا الهدف".

مؤتمر الكويت شارك فيه مجموعة من ممثلي كبريات الدول المانحة ومجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية في سبيل تحصيل الاسهامات و​المساعدات​ اللازمة لإعادة اعمار العراق عقب ​الحروب​ والصراعات التي تأثرت بها محافظات ومناطق عديدة هناك، مؤتمر اثمر عن اجمالي اسهامات قدرها 30 مليار دولار مقدمة من قبل الدول والجهات المشاركة، حيث خصصت دولة الكويت مليار دولار على هيئة ​قروض​ وفق آليات ​الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية​ ومليار دولار للاستثمار في الفرص الاستثمارية في العراق فضلا عن مساهمة الجمعيات الخيرية الكويتية المعلنة سابقة.

فيما اعلنت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية نائبة ​رئيس المفوضية الأوروبية​ ​فيديريكا موغيريني​ ففي الاجتماع استثمار ​الاتحاد الاوروبي​ بمبلغ 400 مليون دولار على هيئة ​مساعدات انسانية​ لتثبيت الاستقرار في العراق.

من جانبها أعلنت مجموعة من المؤسسات و​الدول العربية​ والأجنبية المشاركة بمؤتمر ​الكويت الدولي​ لاعادة إعمار العراق تعهداتها اذ اعلنت ​تركيا​ تعهدها بقيمة خمسة مليارات دولار على هيئة قروض و​تسهيلات ائتمانية​ فيما أعلنت المملكة العربية ​السعودية​ التزامها بتقديم مليار دولار لاعادة الاعمار عن طريق الصندوق السعودي للتنمية اضافة الى 500 مليون دولار لتمويل ​الصادرات السعودية​ للعراق.

بدورها اعلنت ​دولة قطر​ تخصيص حزمة من القروض و​الاستثمارات​ للعراق بقيمة مليار دولار في حين اعلنت ​الإمارات العربية المتحدة​ التزامها ب500 مليون دولار الى جانب اعلان ​البنك الاسلامي للتنمية​ استعداده لتقديم تمويل بمقدار 500 مليون دولار.

ومن الجهات المعلنة عن تعهداتها ايضا الصندوق العربي للانماء اذ كشف عن الوصول الى تسوية مع العراق تتيح له الاستفادة من تمويل الصندوق بمقدار مليار ونصف دولار فيما اعلنت وزيرة التجارة الفندلندية عن تعهدها بمبلغ 10 ملايين دولار في مجال نزع الألغام و​ماليزيا​ بـ 100 ألف دولار.

ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤتمر اعادة اعمار العراق بأنه "نجاح هائل". لكن نتائج هذا المؤتمر لم تكن مرضية من الجانب العراقي حيث اعلن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري إن التعهدات التي قدمت في مؤتمر دولي للمانحين لإعادة بناء العراق "أقل مما يتطلبه العراق". وأضاف ان المبالغ المخصصة ستسهم في إعادة الإعمار لكنها لن تسد الحاجة".

العراق من أكثر الدول فسادا في العالم والحل إصلاح النظام السياسي

صنفت ​منظمة الشفافية الدولية​ العراق على أنه من أكثر الدول فسادا في العالم تصنيف من شأنه ان يطرح التساؤلات حول مصير الاسهامات والاموال التي جاءت نتيجة مؤتمر الكويت ومخاوف كبيرة من هدر الاموال المقدمة وان يكون مصير ال30 مليار دولار كمصير المنح التي قدمت في العام 2003، مخاوف كبيرة على الرغم من التطمينات التي قدمتها بغداد والامتيازات التي منحتها للمستثمرين لتشجيعهم؛ حيث أعلنت عن أكثر من 200 مشروع استثماري حيوي في مجالات اقتصادية مختلفة أمام مئات الشركات الاستثمارية الأجنبية على هامش المؤتمر.

كما صرح رئيس الدائرة القانونية في الهيئة الوطنية للاستثمار نزار ناصر حسين بأن القوانين في العراق لا تفرق بين ​المستثمر​ المحلي والأجنبي، مشيراً إلى أنه بإمكان ​المستثمرين الأجانب​ ​تأسيس شركات​ عراقية. كما أكد أن العراق ينوي إعفاء المستثمرين من ضريبة الدخل لفترة ما بين 10 و15 سنة.

ويبدو ان هذه الاصلاحات والامتيازات لم تكن كافية حيث اشارت العديد من المصادر العراقية الى تخوفها من ان تحول أزمة الفساد دون تحقيق المؤتمر للأهداف المرجوة، فتشكك الدول المانحة قد يدفعها إلى الإحجام عن التبرع بالأموال اللازمة للإعمار والدخول بدلاً من ذلك في تنفيذ مشاريع استثمارية عملاقة، وهو ما سيؤدي إلى تأخير إعادة الإعمار، وبالتالي يؤثر في تمكين النازحين من العودة إلى مناطقهم واقع يؤكد ان البلاد بحاجة الى معالجة وإصلاح النظام السياسي ككل.