9 شباط هو يوم مميز في تاريخ لبنان، فقد وقعت خلاله الدولة اللبنانية أول العقود النفطية التي من شأنها خلق المزيد من فرص العمل، وتحقيق الازدهار في الصفقات والمشاريع الموازية. وجاء ذلك خلال حفل أقيم في مجمع الـ"بيال" بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون.

فبعد انتظار طويل وتأخير مؤسف، اقتربنا من تسمية لبنان بلدا نفطيا، منتجا للنفط والغاز، اذ وقع كونسورتيوم يضم "توتال" الفرنسية، و"إيني" الإيطالية، و"نوفاتك" الروسية، عقودا لمنطقتين بين 5 مناطق امتياز تم طرحها في أول جولة لمنح تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز البحريين.

وجاء هذا التوقيع في ظل تهديدات وإدعاءات إسرائيلية بأن البلوك رقم 9 هو ملك لإسرائيل، في حين أن التوقيع جاء بمثابة رد رسمي وواضح من الحكومة اللبنانية على هذه التهديدات.

وفي سياق متصل، أشار رئيس مجلس النواب نبيه بري أن مدير شركة "توتال" زاره قبيل حفل التوقيع وأكد له أن الشركات متمسكة بالاستثمار في هذا القطاع في لبنان، مرجحا أن يكون البلوك رقم 8 هو هدف لإسرائيل وليس البلوك رقم 9، لأنه وبحسب الدراسات، البلوك 8 غني جداً.

فما هي انعكاسات توقيع عقود النفط على الاقتصاد اللبناني؟ وكيف سيعوض لبنان الخسائر الناتجة عن التأخير في حلّ هذا الموضوع؟ وهل أن اسرائيل لا زالت تشكل خطرا على النفط اللبناني البحري؟

هذه التساؤلات وغيرها أجاب عليها الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في مقابلة خاصة مع "الاقتصاد":

ما هي انعكاسات وتأثيرات توقيع عقود النفط والغاز على الاقتصاد اللبناني بشكل عام؟

أصبح لبنان اليوم في نادي البلدان المنتجة للنفط، وهذا الأمر ينعكس من الناحية المعنوية على ثقة المستهلك والمستثمر، ويكون بمثابة دافع لتحريك العجلة الاقتصادية.

أما من الناحية العملية، فنحن نعلم أن هذا الأمر سيؤدي الى خلق المزيد من فرص العمل في لبنان وبالتالي خفض نسبة البطالة.

كما أن هناك شركات عالمية متواجدة وعاملة في لبنان، وبالتالي سنشهد على استثمارات خارجية مباشرة واستثمارات داخلية للتنقيب عن النفط.

ومن الناحية السياسية، لا شك في أنه عندما تتواجد هذه الشركات الضخمة في لبنان، فهذا يعني أن هناك نوع من الاتفاق السياسي من أجل الحفاظ على الاستقرار الأمني، وشبه الاستقرار السياسي. وبالتالي فإن هذا الأمر هو بمثابة عامل طمأنينة حيال الوضع الاقتصادي.

وفي خلاصة الأمر، لا بد من القول أن انعكاسات توقيع عقود النفط والغاز هي ايجابية بحت وليس من الممكن أبدا أن تكون سلبية.

ما هي القطاعات الانتاجية التي سوف تستفيد من الملف النفطي؟

قطاع العقارات سوف يستفيد حتما، كما سنشهد على ارتفاع في عدد العمال الذين سوف توظفهم الشركات، أكان من الداخل أم من الخارج. وهذا الأمر سيحرك العجلة الاقتصادية من ناحية الانفاق على مختلف القطاعات الانتاجية.

من جهة أخرى، يجب العمل على البنى التحتية، من أجل بناء المنصات البترولية وتسهيل عمل الشركات النفطية. وبعد البدء بإنتاج النفط وبيعه، سوف تستفيد الأسواق اللبنانية منه، وبالتالي ستنخفض فاتورة الكهرباء وكلفة الإنتاج في المصانع اللبنانية.

حصل تأخير كبير في حلّ موضوع النفط بالمقارنة مع الدول المجاورة، ما هي الخسائر التي سيتكبدها لبنان جراء هذا التأخير؟ وهل من الممكن تعويضها؟

التأخير قد حصل جراء التجاذبات السياسية، لكن الطلب على النفط اللبناني سيبقى موجودا، كما سيكون للبنان مكانته في تصدير النفط الى بلدان بحاجة اليها، ومنها بلدان في شمال إفريقيا مثل مصر وغيرها.

بعد توقيع عقود النفط بشكل رسمي واقتراب بدء الشركات بالعمل، هل لا يزال الخطر موجودا على البلوك رقم 9 الذي سبب توترا في المرحلة الماضية؟

قرأنا اليوم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يقول أن خطر المطامع الاسرائيلية، هو على البلوك رقم 8 وليس على البلوك 9.

ومن ناحية ثانية، شهدنا على على تحرك أميركي من أجل احتواء هذا النزاع والتأزم حول البلوك 9.

ولكن في النهاية لا بد من العودة للتأكيد أن اسرائيل هي دولة عدوّة، ومن الممكن أن يكون لها مطامع إضافية في ثرواتنا الطبيعية، وبالتالي لا يجب أن نطمئن 100%، و"ننام على حرير".

من ناحية أخرى، تحدّد اليوم مؤتمر روما بتاريخ 15 آذار المقبل. برأيك، الى أي مدى من المهم أن يتم إقرار الموازنة قبل التوجه اليه والمشاركة فيه؟

نحن نعلم أن توصيات جميع المؤتمرات الدولية هي إصلاحية، أكانت من ناحية الإصلاح الإداري أو الإصلاح المالي، وبالتالي لا يمكن ترجمة الإصلاحات الإدارية أو المالية، على حد سواء، إلا من خلال إقرار الموازنة.

ونحن نعلم أيضا أنه سبق أن طلب رئيس الحكومة سعد الحريري من الوزارات تخفيض نفقاتها بنسبة 20%، وهذا الأمر أتى بمثابة رسالة الى المجتمع الدولي، ولا سيما المؤتمرات الدولية.

ولكن للأسف فإن الوقت مداهم جدا اليوم من أجل إقرار الموازنة، لأننا نعلم أن البلد هو على أبواب الانتخابات النيابية، وفي المقابل من الصعب جدا إقرارها بعد الانتخابات لأن الحكومة ستكون حينها حكومة تصريف أعمال.

من جهة أخرى، يجب أن تعكس الموازنة أيضا رؤية اقتصادية لسياسة مالية محددة، لا أن تكون مجرد تجميع للأرقام، أو تخفيض للنفقات وتقديم الحسومات كما حصل في موضوع تحفيض الـ20%. كما يجب أن تركز أولا على ترشيد الإنفاق، وثانيا على تحقيق نوع من الإصلاحات الإدارية والمالية من أجل لجم العجز والدين الذي يرتفع بوتيرة ملفتة.