رغم السقف العالي في المطالبة الذي يستند اليه الاتحاد العمالي العام واطلاقه المسار العملاني والفعلي لرفع الحد الادنى للاجور الى مليون ونصف مليون ليرة في ​القطاع الخاص​، يبدو ان المناخ السائد اليوم في البلد وخصوصاً وسط التحضيرات والاستعدادات للماكينات الانتخابية المسيطرة سيطيح ​باي​ تحرك في المرحلة الراهنة باتجاه تحقيق هذا المطلب.

فوق المنابر كلام، وعلى الارض وفي غرف الاجتماعات كلام آخر. ​نعم​ الاتحاد العمالي اعدّ كل ملفاته المتعلقة ب​تصحيح الاجور​ ورفع الحد الادنى في القطاع الخاص معتبراً ان الرقم المعلن وهومليون ونصف المليون ليرة يبقى دون المطلوب وفقاً للدراسات والابحاث التي اعدها، الا انه في المقلب الآخر، ​الهيئات الاقتصادية​ ممثلة ارباب العمل، الرافضة للارقام المطروحة تراهن على كون الانتخابات النيابية تتقدم اليوم، وفي المرحلة الراهنة والمقبلة على اي شيء آخر او اي استحقاق آخر، ولا مجال بالتالي لاي حديث عن رفع الحد الادنى للأجر او تصحيح ​الأجور​ .

في عملية شد الحبال القائمة بين الهيئات الاقتصادية والعمال اين هو رأي المراقبين ؟

وزني

الخبير الاقتصادي​ والمالي الدكتور غازي وزني يعتبر انه يجب الاخذ بعين الاعتبار ان الانتخابات النيابية القادمة هي عامل سيء بالنسبة لاي طرح يتناول رفع الحد الادنى للاجر وتصحيح الاجور اليوم .

ويقول " للاقتصاد" : يجب النظر الى هذا الموضوع من النواحي التالية:

اولاً: صعوبة ​الوضع الاقتصادي​ والمشاكل المالية التي يعاني منها معظم القطاعات التجارية والسياحية والصناعية وغيرها ...

ثانيا: ان آخر تصحيح للاجور ورفع الحد الادنى تم في شباط 2012، ومنذ تلك الفترة ارتفعت الاسعار بشكل دراماتيكي تصاعدي.

ثالثاً: ان الرقم المطروح كحد ادنى وهو مليون و500الف ليرة مقابل ماهو عليه اليوم 675الف ليرة هو رقم متباعد لانه اكثر من ضعف المبلغ الحالي. وهذا الرقم لا يتحمله الاقتصاد، وبالتالي معظم القطاعات العاملة، باستثناء القليل منها التي تحقق ارباحاً ومنها ​المصارف​ و​التأمين​، فيما ان القطاع التجاري والسياحي هو في تراجع مستمر ولا ينطبق عليه تحقيق الارباح.

رابعاً: ان تدخل الدولة يكون فقط في تحديد الحد الادنى للاجر كما هو مطبق في معظم دول العالم اي رفعه من 675 الف ليرة الى 900الف ليرة، وهو الرقم المقبول اليوم استناداً الى آخر احصاء عن ارتفاع نسبة ​التضخم​ ما بين 2012 و2017 بما يناهز 30%.

اما في ما يتعلق بالشطور، فان الزيادة تتم بالاتفاق ما بين ​اصحاب العمل​ والعمال رغم ان هناك نقطة ضعف بالنسبة لاصحاب العمل وهي لصالح العمال، وتتعلق بالمنافسة غير المشروعة لليد العاملة الاجنبية خصوصاً السورية في القطاعات.

ولا شك ان وجود هذه اليد العاملة اتهام واضح لارباب العمل بخرق قوانين العمل وتوظيف الاجانب على حساب ال​لبنان​يين.

ويلفت الدكتور وزني الى انه اليوم في العالم الضرائب تطال القطاعات الاكثر ربحاً وتراعي غيرها التي تشهد الخسائر. ويقول:" في هذه المرحلة الموظف في ​القطاع العام​ ناخب .وإقرار سلسلة الرتب والرواتب لم يتأثر بالانتخابات بل على العكس خدمها ، انما الامر مغاير في القطاع الخاص، اذ ان المّمول الرئيسي لها هم اصحاب العمل اي الهيئات الاقتصادية وهم من بين المرشحين. وبالتالي، لا مجال للدخول في نقاش ومفاوضات حول زيادة الاجور لأن ضخ الاموال سيصب في الانتخابات.

ولم يغفل الدكتور وزني التفاوت الكبير بين ما يتقاضاه الموظف في القطاع الخاص وما يتقاضاه الموظف في القطاع العام بعد إقرار السلسلة، علماً ان كان من المفترض ان تقر الزيادة لهذا الأخير منذ العام 1992 لتحقيق المساواة والعدالة بين موظفي ومستخدمي القطاعين.

الاتحاد العمالي

في ضفة الاتحاد العمالي معركة تصحيح الاجور انطلقت ولا عودة الى الوراء.

وهو يدعو على لسان رئيسه الدكتور بشارة الاسمر إلى حوارٍ هادىء ينتج عنه اتفاق ينصف العامل في القطاع الخاص ويعيد إليه جزءاً من حقوقه المهدورة. علماً بأنّ الاتحاد قد أنجز دراسة علمية حول رفع ​الحد الأدنى للأجور​ في لبنان ورفع الشطور وتعديل التقديمات الاجتماعية من: رفع بدل النقل اليومي - رفع قيمة التعويضات العائلية - السعي إلى تعديل مرسوم بدل الأقساط المدرسية - خفض ضريبة الدخل على الشطور لذوي الدخل المحدود.

وهو يعتبر إنّ الحد الأدنى للأجور في الشهر في الوضع الراهن لا يكفي لأكثر من ثمن ​الخبز​ والأساسيات لعائلة مؤلفة من خمسة أفراد خلال شهرٍ واحد في بلدٍ يعتبر من بين أكثر البلدان كلفةً للمعيشة في المنطقة.

وعن حصر تدخل الدولة بتحديد الحد الادنى للاجر يرد الاتحاد " أنّ المنطق الذي يجري تسويقه من قبل البعض في الهيئات الاقتصادية لجهة الاكتفاء برفع الحد الأدنى للأجور، أو زيادة ​مقطوعة​ كتلك التي صدرت عام 2008 وألغاها مجلس شورى الدولة لعدم قانونيتها ليست قانونية ولا علمية ولا عملية .فالأساس في احتساب الشطور وتعديلها ينطلق من الأقدمية والرتب والحقوق المكتسبة. كما أنه لا يمكن بناء سياسات الأجور من دون تشطيرها ووضع حدٍ لها يتناقص كلما طال الشرائح والشطور الأعلى. "

ويتسلح الاتحاد في هجومه عاى ما اكدته الدراسات العلمية أنّ الأجور قد خسرت حوالي 80% من قدرتها الشرائية بين الأعوام 1996 و 2017 رغم التصحيح الجزئي عام 2012. وكذلك بعد أن شهدت البلاد ارتفاعاً للأسعار بسبب الرسوم والضرائب في الشهر الأول من العام الحالي بنسبة 4.5% وقبل أن تتفاقم الأمور ونصل إلى وضع يسمح بالادعاء بأنّ كلفة التصحيح تراكمت ولا يمكن تلبيتها.

قضية الاجور ملف مربك للدولة المنهمكة بالانتخابات النيابية. والاتحاد العمالي يرفع الصوت ويدعم مطالبته بالاسباب الموجبة لرفع الحد الادنى للاجر ولتصحيح الاجور ولكن "على من تقرأ مزاميرك يا داوود " كما يقول المثل اذا كان التوقيت معاكس لما يصبو اليه .

لا شك ان الموظف، الاجير، المستخدم والعامل مغبون في لبنان. فهو ضحية السياسات الخاطئة لأهل السلطة على مر العصور؛ يدفع الرسوم والضرائب عن خدمات لا يحصل عليها، والاخطر من ذلك ان سيف توظيف العامل الاجنبي يبقى مسلطا فوق رأسه، لأنه اقل كلفة، وسط الهجمة الشرسة لتوظيف العمال السوريين في مختلف القطاعات بدون حسيب ولا رقيب.