انطلاقة الفنانة الشابة إيلات قنيزح لم تكن وليدة يوم، اذ أنها طوّرت موهبتها وعملت على صقل موهبتها منذ سن صغيرة. أما نجاحها فجاء نتيجة مجموعة من التجارب السابقة، فانطلقت من غرفة متواضعة في المنزل حتى تمكنت من توسيع أعمالها وعرضها الى العلن.

وعلى الرغم من شعورها ببعض الخوف والتردد في بداية المسيرة، لكن شغفها تغلب في النهاية على خوفها، وموهبتها غلبت قلقها.

إيلات قنيزح هي مؤسسة "Artwork by Ilat K." وشريكة مؤسسة في شركة "Fine Line Production"، وعضو مؤسس في جمعية "أغونيستك" للفنون الاستعراضية، وعضو في جمعية "ممكن" التي تعنى بدعم المرأة وبشؤون طلاب المدارس الرسمية. كما أنها عضو مؤسس في مهرجان "مشكال" الفني الذي أطلقته "أغونيستك"، وكانت أحد أعضاء لجنة المهرجان والمصمم الغرافيكي في دورتيه الأولى والثانية. وبالاضافة الى ذلك، تمتلك خبرة واسعة في مجال المسرح وصناعة السينما، وقد شاركت في مشاريع طلابية واحترافية عدّة منذ العام 2008 (ما يقارب 30 مسرحية وأكثر من 15 فيلم).

فلنتعرف أكثر الى مسيرتها المهنية في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

كيف تختصرين مسيرتك المهنية في مجال الأعمال الفنية في لبنان؟

لطالما كنت شغوفة بالفن، فتابعت الدروس مع أكاديمية "Fabriano" للفنون، ومع الرسام الراحل حيدر حموي في سن مبكرة. وخلال فترة معينة، ظننت أن هذه الهواية هي مجرد مرحلة عابرة، ولم أعرف حينها أنها تعني لي الكثير.

وعندما وصلت الى المرحلة الجامعية، قررت التخصص في التصميم الغرافيكي في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، "LAU"، فاكتشفت شغفي للفن أكثر فأكثر، خلال السنة الجامعية الأولى. وفي ذلك الوقت، خصصت لي والدتي غرفة في المنزل لكي أقوم بمشاريعي الفنية فيها؛ حيث حوّلت غرفة الغسيل الى استديو صغير.

وخلال فصل الصيف الذي تلا سنتي الجامعية الأولى، اشتريت اللوحات القماشية والطلاء، وبدأت باختبار موهبتي بمفردي، فرسمت كل ما شعرت به وكل ما جاء في مخيلتي، وما يعتبر بعيدا عن ما تعلّمته فعليا في المدرسة والجامعة.

في العام 2009، بدأت بالعمل على لوحاتي الخاصة، ولم أوافق على بيع أي واحدة منها حتى العام 2013؛ ففي البداية كان من الصعب علي التخلي عن أي لوحة رسمتها.

وقد عرضت رسوماتي للمرة الأولى في مهرجان "مشكال" اللبناني في العام 2012، وحينها جاء صديقي وجلس الى جانبي وشجعني على تعبئة الطلب، لأنني كنت خائفة وقلقة من الظهور الى العلن.

في العام 2015، نظمت معرضا منفردا في متجر "Particulier" للشوكولا في منطقة الحمرا. وقد حمل هذا المعرض مفهوما جديدا وممتعا، اذ أن صاحبة المتجر استوحت أنواعا مختلفة من الشوكولا - من ناحية الأشكال والألوان – من اللوحات المعروضة.

هل تمكنت من إيصال أعمالك الفنية الى خارج لبنان؟

لم أتمكن من القيام بهذه الخطوة الى حد اليوم، مع العلم أنني تواصلت مع عدد كبير من الأشخاص حول هذا الموضوع، لكنني لا أجد الوقت الكافي لتحقيقه.

لماذا ترسم إيلات قنيزح؟

اهتماماتي المختلفة في المسرح، والأفلام، والأزياء دفعتني الى رؤية الأمور من منظوري الخاص، ورسم اللوحات التي تعكس هويتي الخاصة.

فأنا أحب دمج الثقافات واختبارها، وقد بدأت بالفعل مع الثقافة الأفريقية، وأدخلت بعد ذلك، الثقافة القبلية أو العشائرية، وفي الوقت الحاضر أحاول إدخال الثقافة الشرقية.

والفلسفة الكامنة وراء هذا الأمر، هي أن جميع البشر ولدوا من المكان ذاته، وبالتالي فإن التعرف على ثقافات بعضهم البعض، سوف يثري معرفتهم. وأنا بدوري أسعى الى التأكيد على التأثير الايجابي والمفيد للانصهار الثقافي.

وفي العادة، أبدأ مع فكرة أو رؤية ثم أضيف إليها، وبالتالي فإن الرسم هو بمثابة عملية للتعبير عن ما أشعر به، من خلال الأشكال والألوان؛ وهنا يكمن التحدي الأكبر. فمن المخيف أحيانا أن يواجه الانسان ما هو موجود في داخله، ولذلك هو بحاجة فقط إلى أن يكون صادقا مع نفسه؛ فالصدق والحب والعاطفة هي جوهر أي شيء في الحياة.

هل تجدين إقبالا واسعا على أعمالك؟ وهل أن مجال الفن في لبنان يكفي الانسان لكي يؤمن لقمة عيشه؟

هناك العديد من الأشخاص اللبنانيين الذين يقدرون الأعمال الفنية، لكن القدرة الشرائية في لبنان هي للأسف أدنى من البلدان الأخرى الى حد ما، وذلك لأن المواطن اللبناني بشكل عام، يركز في الوقت الحاضر على الضروريات فقط، وقلائل هم القادرون على شراء اللوحات الفنية.

ولهذا السبب، علينا أن نتكيف مع الحالة القائمة، ونقدم المنتجات الفنية المختلفة والتي تستخدم في جميع البيوت، مثل علب المحارم، وإطارات الصور، والمرايا، وغيرها...

ما هي العراقيل التي تواجه الفنان المقيم في لبنان؟

المجتمع قد يعتبر الفنان أحيانا شخصا غريبا قادما من عالم آخر، ويتساءل عن كيفية استمراره في هذا المجال، لأنه من الواضح أن عدد الرسامين والفنانين القادرين على العيش من عملهم فقط، هو قليل جدا.

لذلك، أنا أعمل في المقابل على مشاريع حرة في مجال التصميم الغرافيكي، كما أسست مؤخرا شركة "Fine Line Production" للإنتاج مع شريكين، وهي لحسن الحظ تسير على السكة الصحيحة.

ومن أبرز مشاريع الشركة، البرنامج الذي نقدمه حول الفنانين في لبنان، وهو عبارة عن حلقات أسبوعية لمدة دقيقة واحدة، حول الفنانين اللبنانيين، وذلك لكي يتعرف اليهم الناس بشكل أكبر.

أما الإقبال الذي يلاقيه هذا المشروع فهو واسع للغاية، الأمر الذي يشجعنا على الاستمرار، بهدف الإضاءة على الفنانين الذين لا يستطيعون الظهور والانتشار بسبب غياب المنصة التي تتيح لهم عرض أعمالهم.

ما هي طموحاتك المستقبلية؟

أولا، مثل أي فنان في لبنان والعالم، أطمح أن أصل الى مرحلة أستطيع خلالها العيش من خلال فني.

ثانيا، أنا أشكر الله لأنني أحب كل المجالات التي أعمل فيها، وأحسّ بالشغف تجاهها (التصميم الغرافيكي، والتصوير، والرسم ).

ثالثا، أشعر أنني محظوظة لكوني أستمتع فعلا بكل ما أقوم به في حياتي، في حين أن هناك أشخاص يجبرون على ممارسة مهنة لا تستهويهم فقط من أجل تأمين لقمة العيش.

هل تشعرين أن عملك يأخذك أحيانا من حياتك الخاصة؟

بالنسبة لي، إن عملي يندمج مع هواياتي، كما أن كل أصدقائي يعملون في هذا المجال، ولهذا السبب نتمكن من تنسيق أوقاتنا معا.

من جهة أخرى، أنا لا أشعر أبدا بالانزعاج حتى وإن قضيت 18 ساعة متواصلة في الاستديو، وذلك لأنني أمارس عملي - الذي يعدّ في الوقت ذاته هوايتي - من كل قلبي.

من قدم لك الدعم في رحلتك المهنية؟

تلقيت دعما واسعا من أصدقائي وعائلتي، فبداية مسيرتي كانت من خلال الاستوديو الذي خصصته لي والدتي في المنزل.

وفي العام 2014، انتقلت الى مساحة أكبر في منطقة الحمرا، بمساعدة من والديّ وجدّي أيضا؛ فجدي لا يزال الى حد اليوم يشارك في كل معارضي.

كيف تقيمين وضع المرأة في سوق العمل اليوم؟

في أيامنا هذه، لم يعد من المستغرب أن تعمل المرأة، فهي قادرة على تحقيق كامل أهدافها، كما أنها تبدع في كل ما تقوم به، لأنها تعمل بشغف وإصرار وحبّ.

من ناحية أخرى، لم يعد من الصعب أو الغريب أو الجديد، أن تصل المرأة الى طموحاتها في لبنان، وبات من المتوقع أن تعمل وتتفوق في عملها، وأن تتشارك في أعمال المنزل مع زوجها؛ فقد وصلنا الى مرحلة يقف فيها الرجل والمرأة الى جانب بعضهما البعض في كل الأمور الحياتية، ويدعمان بعضهما البعض بشكل متساو، ويساعدان بعضهما البعض لكي ينجحا معا.

في النهاية، ما هي الرسالة التي تودّين إيصالها الى المرأة اللبنانية من أجل تشجيعها على تحقيق أحلامها؟

من المهم بالنسبة لي، أن يحقق كل إنسان، أكان رجلا أم امرأة، كل أحلامه. فاذا لم يكن الشخص سعيدا في المكان الموجود فيه، لن يبدع أبدا...

لهذا السبب، يجب أن يفرح في ما يقوم به، ويتحدى نفسه دائما، ولا يخاف من أي شيء، لأن الحياة بالنهاية هي مغامرة، واذا قدمنا لها كل ما نمتلك من مهارات وقدرات، ستعطينا في المقابل أكثر من ذلك بكثير.

ولا بد من الاشارة الى أنه على كل شخص أن يختار بحكمة، ويحبّ بقوة، ويأخذ الفرص ويعطيها أيضا. فمن خلال مسيرتي تعلمت أنني قادرة على تحقيق كل ما أريده، اذا عملت بجدّ.