تثبت التسويات والإتفاقات السياسية في ​لبنان​ مرة بعد اخرى، انها تسوياتٌ هشة وسريعة الإنكسار، فما تلبث الأوضاع السياسية أن تستقر، حتى تعود التوترات من جديد، لتنعكس بدون شك على الوضع الإقتصادي الضعيف إجمالاً، وتؤثر بشكل مباشر على ثقة المستهلكين والمستثمرين.

وما الخلافات التي حصلت في الأشهر القليلة الماضية إلا خير دليلٍ على ذلك. ففي تشرين الثاني الماضي، شهدنا على أزمة الحكومة، وإستقالة الرئيس الحريري من الرياض، وما رافقه من خوفٍ كبير على إستقرار أسعار الصرف ... وما لبثت هذه الأزمة ان إنتهت، حتى ظهر الأسبوع الماضي الخلاف الكبير بين التيار الوطني الحر وحركة امل، الذي إنتقل إلى الشارع ووصل إلى حد الخطوط الحمر.

فهل نستطيع فعلا بناء إقتصادٍ في ظل تسويات سياسية هشة وقابلة للتفكك في أي لحظة ؟ وهل بإمكاننا الذهاب إلى "باريس 4" والبدء بتنفيذ المشاريع الإنمائية المنظرة في ظل هذه الأجواء ؟ ماذا عن مصير الإنتخابات النيابية المقبلة ؟ وكيف ستنعكس كل هذه التطورات على الوضع الإقتصادي بشكل عام ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها أمين عام المؤتمر الدائم للفدرالية د. ​ألفرد رياشي​ في هذه المقابلة مع الإقتصاد.

برأيك هل نستطيع فعلا بناء إقتصادٍ في ظل هذه الأوضاع ؟ وهل بإمكاننا الذهاب إلى "باريس 4" والبدء بتنفيذ المشاريع المطروحة في ظل هذه الأجواء ؟

بداية، كلنا نعلم أن لبنان منذ تأسيسه وحتى اليوم، يعيش نزاعات كبيرة وكثيرة، وهذه النزاعات مستمرة حتى يومنا هذا ... وبحسب دراسة مفصلة عن الفترة الممتدة من 1860 – أي منذ عهد إمارة جبل لبنان – وحتى العام 2000، تبين أن معدل سنوات الإستقرار في لبنان هي 4 سنوات فقط، وهذا معدل غير جيد.

وبرأيي أن هناك إشكالية كبيرة في نظامنا السياسي، والسبب الأساسي هو ان مجتمعنا هو مجتمع تعددي، ونظامنا الحالي لا يتناسب مع هذه التعددية .. لذلك فإن كل التسويات التي تحصل هي عبارة عن حقن مورفين لا أكثر ولا أقل، منذ ميثاق العام 1943، مرورا بتسوية 1958، وإتفاق الطائف، وتسوية الدوحة، وصولا للتسويات التي تحصل حالياً ... كلها تسويات مؤقتة لن تفيد. فأي خطوة أو تسوية تندرج خارج نقاش جدي للذهاب نحو نظام جديد يراعي هذا التكوين المجتمعي التعددي، سيكون مضيعة للوقت.

ونجزم بأن النظام الوحيد القادر على تجنيب لبنان معظم المشاكل التي يمر بها اليوم هو النظام الفيدرالي.

أما بالنسبة للمشاريع التي تندرج ضمن الخطة التي وضعتها الحكومة اللبنانية، ومؤتمر باريس 4 المنتظر .. فلا شك ان هذه التوترات السياسية الداخلية تؤثر بشكل كبير على ثقة المجتمع الدولي بلبنان وثقة الدول المانحة بالنظام اللبناني، وتنعكس سلبا على الإستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تعاني أساساً منذ سنوات بسبب المشاكل الداخلية من جهة، والتهديدات الموجودة خارج الحدود من جهة أخرى، إن كان من الناحية السورية او من الحدود الجنوبية (إسرائيل).

من جهة اخرى، ثؤثر هذه الأحداث أيضا على ثقة المستثمر والمستهلك في الداخل، وتؤدي إلى حالة من الجمود الإقتصادي.

بالإنتقال إلى التطورات الأخيرة في ملف الغاز وتحديدا البلوك رقم 9 .. وتصريحات الوزير الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، ما هي التأثيرات السلبية برأيك على مسيرة هذا القطاع ؟ وهل تعتقد أن الخلافات الداخلية تؤثر أيضا على هذا الملف ؟

لا شك ان التطورات الأخيرة في ملف ​النفط​ ثؤثر على رغبة الشركات بالإستمرار، وتخلق لديها نوع من القلق.

وهناك عدم رضى دولي على بعض الاطراف السياسية في لبنان، وتحديدا "حزب الله"، وسمعنا تهديدات كثيرة بالتضييق على كل المتعاونين معه .. وقد تكون التصريحات الإسرائيلية الأخيرة هي محاولة جديدة تندرج ضمن محاولات الضييق والتهديد التي تتبعها الولايات المتحدة. وهنا نعود للمشكلة الأساسية المتمثلة بتركيبة النظام السياسي الحالي الذي يخلق إرتدادات إقليمية ودولية على لبنان.

وبالتالي لا شك أن ملف النفط مهدد بنكسة ستؤثر على كل اللبنانيين دون إستثناء إن لم نتدارك الأمور.

لبنان بإنتظار إستحقاق مهم جدا يتمثل بالإنتخابات النيابية ... هل أنت متفائل بهذه الإنتخابات لناحية تغيير ملحوظ نحو الأفضل ؟ وما هي نسبة مساهمة الإنفاق الإنتخابي في تحريك الأسواق ؟

لا أعتقد ان الإنتخابات النيابية المقبلة ستحدث تغييراً كبيراً في الوجوه السياسية الموجودة أو بالطبقة السياسية الحاكمة. فقد نرى بعض التغييرات التي لن تتخطى نسبتها الـ 10%.

وبالتالي تأثير الإنتخابات للتغيير نحو الأفضل، أو لإحداث نقلة نوعية، هو امر مستبعد.

أما بالنسبة للإنفاق الإنتخابي، فهو سيساهم بدون شك في تحريك بعض القطاعات، خاصة أن قيمة الإنفاق في الإنتخابات النيابية الأخيرة (2009) وصل إلى 2 مليار دولار تقريباً، وهذا الرقم يشكل 5% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان. لذلك فإن الاموال التي سيتم صرفها في الإنتخابات ستحرك العجلة الإقتصادية، وستُنعش بعض القطاعات، وستحرك نسب النمو في نهاية العام، إلا أن هذه النسب تبقى قليلة مقارنة مع الإمكانات الموجودة في لبنان ومقارنة مع قدراتنا الحقيقية.